الكتابة عن واقعة الطف المباركة تمثل الواقع الفكري بما تمتلك من رؤى إنسانية تضحوية قادرة على منحنا الفكر والحياة، كونها تمثل القيم الإيمانية التي استقيناها من منهج أهل البيت عليهم السلام، وترتكز على مجموعة عناصر تتظافر فيما بينها لتمنح الرؤية قيمتها وقدرتها على إيصال الفكر القويم ومن أبرزها شخصيات الطف المباركة التي لها حضور في وجدان المتلقي، مثل شخصية الإمام الحسين عليه السلام والذي يعتبر هو الذات والموضوع والأثر الفكري الفاعل والمؤثر وجدانيا كونه أنموذجا إيمانيا بتقوى الله تبارك وتعالى.
والإمام السجاد عليه السلام شخصية من شخصيات الطف الحسيني المبارك، البطل الذي حول قيم المواجهة إلى منهج فكري تربوي لتوجيه الأمة بالأدعية المباركة، والتي شخص سماحة السيد أحمد الصافي مضامينها العالية.
وجدير بمن ينتمي إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام أن يلج إليها، لأن الأدعية السجادية تمثل درر المعاني الروحية الإنسانية ومحور الأفكار والأحاسيس والآراء القويمة، واستشهد بجملة من جمل الأدعية السجادية (واكتب لي أمانا من سخطك) أسست هذه الجملة مفهوما ارتكازيا يشطب كل الأمن الدنيوي الذي كان يلوح به الأميون لمن يرتضوهم، ويوجه الأنظار إلى أن سخط الله أكبر وأضاف سماحة السيد الصافي عنوانا آخرَ من عناوين الإصلاح الروحي، حاجة الإنسان في كل عصر أن يكتب له الأمان من سخط الله سبحانه وتعالى، وهذا الأمان يحتاجه الإنسان مهما بلغ من العمل، يحتاج إلى الرحمة الإلهية وإلى العفو الرحماني وإلى العطف الرباني.
حري بالإنسان ألا يتملق لأحد مهما كان شأنه الدنيوي، وعليه ألا يتملق إلا لله تبارك وتعالى وأن يتحبب إليه، لأن هو الخير الحقيقي والدائم.
إن البحث عن البصيرة هي المقوم الرئيسي للدخول إلى عوالم الدعاء، المناجاة بمعنى يلخصه لنا سماحة السيد الصافي بقيم الاستشعار في داخل النفس والتلذذ بها، ويعدها سببا من أسباب التوفيق، يوفق الأنسان لمناجاة الله تبارك تعالى ويوجه بصائرنا نحو دعاء ورد للإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف (الهم ارزقنا توفيق الطاعة) ويتخذ مشروعه البحثي سبيلا لإبراز قيم المضمون في الصحيفة السجادية المباركة، بما تحمل من سمات معرفية ودلالات سلوكية تجعل الطاعة في دعائه توفيقا.
لو نظرنا إلى الموضوع من جهة علم النفس لوجدنا أن هذا التوفيق يولد سعادة نفسية فيكون التوفيق وجود قائم بذاته وله كيان يتعلق بالسلوك، ترتبط بفطرة الإنسان، شخصها السيد الباحث بالاستشعار.
استشعار اللذة الروحانية للتقرب لله سبحانه، هذا الاستشعار حمل عدة مميزات مرتبطة بالوعي الإنساني لمفهوم المناجاة.
أولا.. (أن ذلك لا يضق عليك في وسعك) القدرة المتفردة التي لا يعجزها شيء.
ثانيا.. (ولا يتصعدك في أناتك) أناة الله سبحانه واضحة لولا أناة الله وحكمته وصبره علينا لكنا نستوجب سخط الله، وقد أسس الدعاء لكسب تلك الاناة.
ثالثا.. (ولا يؤودك في جزيل حياتك التي دلت عليها آياتك) الله سبحانه وتعالى حريص على هداية البشر، ويفرح بتوبة العبد المؤمن، وفي فقرة (التعامل الاستثنائي مع الإمام الحسين عليه السلام) والمعروف أن دراسة أي شخصية تحتاج إلى النظر إليها من عدة نواحي.
أولا.. (الناحية النفسية) والحسين عليه السلام يمتلك العمق النفسي المؤمن والموقف الثابت الذي لم يتزحزح في أصعب المواقف، وهذا سر تميزه، وتعامل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام وشيعة أهل البيت تعاملا خاصا.
الحسين عليه السلام شخص قوي جدا واستطاع أن يجذب قلوب العالم إلى موقفه الثابت في المعركة رغم التفاوت الكبير بين القوى جعل الكثير من علماء النفس يشيرون بالبعد النفسي عنده وعند من معه من المقاتلين الذين تحدى بهم الموت دون أن تظهر عليه أو على أي وحد من أهل بيته وأصحابه أي انفعالات نفسية أو صراعات داخلية كان الجميع مطمئنا بالشهادة.
ثانيا.. (المنظور الاجتماعي) باعتباره رمزا رساليا يمثل ثقل القيادة الرسالية، ابن بيت عرف بالمقاومة والشجاعة ضد أي انحراف رسالي لخط الإسلام، يحمل شجاعة الإمام علي عليه السلام وتفانيه في مواقفه التي يعرف العام مغزاها تعبيرا عن روح الانتماء، وأم شجاعة تحدت قوانين القبلية بشراستها، حتى حرقوا عليها الدار وما لانت غضبتها، هذه المواقف تشكل عند الناس ألفة عبر التأريخ لا تحدد بزمن المعاصرة
التأريخ لا ينسى مثل هذه المواقف لذلك تجد في كل جيل هناك نصرة الله لأهل البيت عليهم سلام، ولمن تبقى منهم بعد معركة الطف مواقفهم العظيمة في التحدي ونشر رسالة الحسين عليه السلام، جعلت هذه المواقف الجليلة لهم حضورهم الاجتماعي، يمثل معنى الولاء، والتنامي عبر الاجيال،
ثالثا.. (المنظور المعرفي) لقراءة واقعة الطف وتنامي المساحة المعرفية أهمية فاعلة في فهم الأحداث/ الأقوال / الافعال لمعرفة شخصية الحسين عليه السلام عبر منهلين،
بعض المصادر المهمة من زيارة عاشوراء وبقية الزيارات، وإضاءات الأئمة عليهم السلام لبلورة المفهوم الأسمى لشخصيته عليه السلام، فتحوا كوة من الضوء للزائرين عن عظم المصيبة وهذه الرزية التي عظمت عند أهل الأرض والسماء، لكننا نقف عند المنهل الثاني قضية العلاقة بين حقيقة الحسين والسماء مع الدم الطاهر الذي عرج إلى السماء فلم تنزل منه قطرة، يجعلنا نفهم الدور الفاعل لنهضة الحسين عليه السلام وانتماء الحسين عليه السلام إلى السماء وما يمثله من الانتماء الرسالي المحمدي ويقف سماحة السيد الصافي أمام جملة (أشهد أن دمك سكن في الخلد واقشعرت له أظلة العرش) وهذا يعني أن الحسين في الطف أظهر الارتباط الحي بين الأرض والسماء، وكأن ما حدث كان صراعا بين قبائل من أهل الأرض مع نماذج من أهل الجنة، يبقى المعنى الخفي عصي على المعرفة الكلية وإنما نحن أمام مرتكزات بحاجة إلى تخمين وتأويل ومعتقد راسخ لا يحتاج إلى معرفة تفصيلية لا أحد يعرف شخصية الحسين حق معرفتها، الشخصية التي غيرت مجرى التأريخ في هذه الأرض فاعلية مغايرة تميزت بفعل أذهل الكون، وشيدت بدمه كربلاء.
سنستعين بكربلاء لنلج عبرها إلى عوالم نلج منها إلى عوالم شخصية الحسين عليه السلام ومعناها الذي يقدر أن يعكس لنا شخصية الحسين عليه السلام، صفاته، أحاسيسه، خصائصه، كونها مدينة لا تحد بمساحة جغرافية بالكيلومترات بل تتناغم بين جميع أهل الأرض وبين جميع أهل السماوات لندرك أن شخصية الحسين سيد الشهداء عليه السلام شخصية تجذرت في هذه الأرض، أثمرت تلك الشجرة المباركة الفكر الحسيني فكر متطور مبدع دخل الحرب بمعنى الصلاح وهذا المفهوم مخالف لمصطلحات الحرب من حسم مباشر وتصفيات جسدية وبما أن المساحة مفتوحة وليس هناك حسم مباشر فلا منتصر في الميدان سواه.
يرى سماحة السيد الصافي علينا ملاحظة أن الحسين رغم كل الصعوبات لم يتبرم أو يعترض على شيء، ويرى أن النصرة جوهر معرفي بل يقيني يصوغ للعالم معناه.
والحسين محاط بشعاع رحماني أثر على كل من معه وكل من عرف الحسين عليه السلام يعلم سر هذا التأثير الوجداني العامر في كل الأزمنة والمعرش في الضمائر.