ذات حُلم، أطلّت من بين غيمتين زيّنتا زُرقة السّماء، قبّةٌ ذهبيّةٌ حجارتها اقتباساتٌ من الإنجيل والقرآن، وأبنيتها تاريخٌ مرصّعٌ بعراقة غابر الأزمان، مازال طيفها يجمعنا، فلا الحلم مات ولا نسينا الأحزان، هي القدس نور الله وأنّى لنوره أن يُطفى.
لا زالت العيون شاخصةً إلى هناك، والأرواح تطوف مثل فراشةٍ حول النور، ومُزارع الزيتون يزرع شتول الأمل على الدروب، والمآذن تصدح في كلّ يوم بتكبيرة الشّوق، لقد أضنانا الفراق الطويل.
هي الحلم، هي القدس مسرى الأنبياء ومهد الحضارات، وذات المكانة العظيمة في قلب أصحاب الديانات الثلاثة، الإسلامية والمسيحية واليهودية ، فبها يوجد كنيسة القيامة والمسجد الأقصى والحائط الغربي وتشرّفت بولادة وحياة بعض الأنبياء على أرضها المقدّسة.
فما الذي يجعل المدينة ذات رمزية كبيرة لدى أتباع الأديان السماوية كافة؟
مع تعاقب الحقب التاريخية، سميت المدينة إيلياء وأورشليم والقدس، وتكثفت حولها المرويات الدينية التي تصبغها بالقدسية.
إذ تخصها النصوص والكتب الدينية بأحداث مهمة دارت على أراضيها، من صلب المسيح، إلى ليلة الاسراء والمعراج وتمثّلت ب:
المسجد الأقصى
الحرم الشريف أو بيت المقدس، هو أحد أكبر المساجد في العالم، وأولى القبلتين في الإسلام، وقد ورد ذكره في القرآن.
يختلف المؤرخون حول تاريخ بناء المسجد الأقصى، لكن ذكره ورد في الأحاديث النبوية، ما يجعله من أقدم وأقدس أماكن العبادة بالنسبة للمسلمين.
تعرض المسجد خلال تاريخه للدمار، وأعيد بناءه وترميمه عدة مرات، وسيطر عليه الصليبيون، ثم استعاده صلاح الدين الأيوبي، وعمل على تحسين بنائه.
ويؤمن المسلمون أن النبي محمداً ص حُمل على ظهر البراق مع الملاك جبريل، في ليلة الاسراء والمعراج، من المسجد الحرام في مكة، إلى بيت المقدس في فلسطين.
كنيسة القيامة
بُنيت الكنيسة فوق صخرة الجلجلة، حيثُ صلب المسيح، بحسب الإنجيل، وتقع داخل أسوار البلدة القديمة في القدس.
تحتوي الكنيسة على موقع ما يعتقد أنه قبر المسيح، ويتولى الإشراف عليها ممثلون عن عدّة مذاهب مسيحية.
تعد الكنيسة محجاً لملايين المسحيين كل عام، ممن يأتونها للتبرك، واستعادة محطات أساسية من حياة عيسى الناصري.
بدأ بناء الكنيسة في العصر البيزنطي، بمبادرة من هيلانة، والدة الامبراطور قسطنطين، في القرن الرابع للميلاد.
تعرضت لأضرار على مر التاريخ، بفعل الحروب والمعارك التي شهدتها المدينة، وأعيد ترميمها وبناؤها عدة مرات.
تمتاز بوصفها ارثاً معمارياً مهماً، وتحتوي على فسيفساء نزول المسيح وتعدّ قبتها من المعالم الفنية المهمة في العالم.
الحائط الغربي أو حائط البراق
يعتبر الحائط آخر أثر من هيكل سليمان، الذي كان قائما في موقع الحرم القدسي. وبالقرب منه يمارس ملايين اليهود شعائر البكاء حداداً حسب المعتقدات اليهودية.
يؤمن حاخامات اليهود أن الهيكل ضم قدس الأقداس، بحسب النصوص الدينية، وكان يحتوي على تابوت العهد، ولوحة الوصايا العشر التي أعطاها الله لموسى.
كذلك يؤمنون أن الموقع كان يضم الحجر الذي خلق منه العالم، وحيث استعد النبي إبراهيم للتضحية بابنه إسحاق.
يزور الملايين من اليهود من حول العالم موقع الحج الديني الأبرز لديهم، لتلاوة الصلاة والرثاء.
مع الإشارة إلى وجود اختلاف في وجهات النظر بين بعض الحاخامات حول مشروعية الصلاة داخل محيطه.
للحائط أيضاً مكانة مهمة عند المسلمين، إذ يسمونه بحائط البراق، ويعتقدون أن النبي محمداً ربط البراق إليه، في ليلة الاسراء والمعراج.
ولا زال الصّراع بين الديانات قائما ليومنا هذا، ونحن نؤمن أنّ الإمام المهدي عج سيهب لتحرير بيت المقدس تواكبه مجموعة من الأمور المساعدة والمناصرة لتسهيل عملية التحرير ويكون على رأس هذه المؤيدات نزول السيد المسيح عيسى بن مريم (ع) للصلاة خلفه في بيت المقدس ليكون ذلك أبلغ وأعظم تأييد إلهي لهذا الإمام الذي شاء اللَّه تعالى أن يكون التغيير على يديه.
وعن قتال المسلمين لليهود في آخر الزمان وتأييد اللَّه لهم روى العديد من أصحاب الصحاح عن النبي (ص) أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبىءَ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعَالَ فاقتله ...».
ويتوّج الإمام المهدي (ع) نصره المؤزّر على اليهود الصهاينة بإعادة بناء بيت المقدس بشكل لم يسبق له مثيل كما ورد في الحديث: «ينزل خليفة من بني هاشم يملأ الأرض قِسطاً وعدلًا، يبني بيت المقدس بناءً لم يُبْنَ مِثْلُهُ».
وما زال في العين طيف القدس فاغرسوها في الجوارح حتى تجد القدس للخلاص سبيلا..