بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
ما هو الذكر الخفي؟ خُلِقنا للذكر، وأروع صور الذكر الذكر الخفي، ما هو الذكر الخفي؟ نقرأ كلمات من مناجاة الإمام زين العابدين علي ، زين العابدين له 15 مناجاة من أروع الأدعية، ينبغي للمؤمن المواظبة عليها، من هذه المناجات مناجاة الذاكرين، نحن نتكلم عن الذكر، وهذا زين العابدين يتحدث لنا عن الذكر، يقول: ”إلهي، لولا الواجب من قبول أمرك لنزّهتك عن ذكري إياك“، ذكري لا يليق بمقامك وجلالك، كيف أذكرك بلسانٍ عصيتُك به؟! كيف أذكرك بقلب ملئ بعدًا عنك؟! كيف أذكر بجسدٍ ملئ معصية، ملئ رذيلة؟! ذكري لا يليق بمقامك وجلالك، ”لنزّهتك عن ذكري إياك، على أنَّ ذكري لك بقدري لا بقدرك، وما عسى أن يبلغ مقداري حتى أجعَل محلًا لتقديسك“، جرى ذكرك على لساني لأنك وفّقتني لذلك، فذكرك منك وليس مني، أنت الذي وفّقتني لذكرك.
يقول: ”ومن أعظم النعم علينا جريان ذكرك على ألستنا، وإذنك لنا بدعائك وتنزيهك وتسبيحك. إلهي، فألهمنا ذكرك في الخلأ والملأ والليل والنهار والإعلان والإسرار وفي السراء والضراء، وآنسنا بالذكر الخفي، واستعملنا بالعمل الزكي والسعي المرضي، وجازنا بالميزان الوفي“، ما هو الذكر الخفي؟ الذكر الخفي هو الذي يوقظك من النوم، جرّب إذا كنت في ظلام الليل ووعيت فجأة ورأيت نفسك تحب أن تصلي، رأيت نفسك تحب أن تقرأ القرآن، رأيت نفسك تحب أن تقرأ دعاء، فهذا هو الذكر الخفي، الذكر الخفي هو الذي يوقظك وأنت نائم، الذكر الخفي هو الذي إذا خلوت مع ربك في ظلام الليل وصرت تصلي تشعر بجمال الوقت، وتشعر بجمال الدعاء، وتشعر أنك تعيش جوًا جميلًا من الذكر والدعاء، هذا هو الذكر الخفي، هذا الذي يؤنسك في قبرك، ويؤنسك في حشرك ونشرك. الذكر الخفي هو الذي يعبّر عنه رسول الله ، يقول: ”ارتعوا في رياض الجنة، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر، اغدوا وروحوا واذكروا فإنّ الله يقول: أنا جليس من ذكرني، فاذكروني أذكركم بنعمتي“.
الذكر الخفي هو الذي يمنعك عن المعصية، إذا اشتهت نفسك المعصية الذكر الخفي يمنعك، إذا عزمت نفسك على الرذيلة الذكر الخفي يوبّخك، الذكر الخفي هو الذي يحضر عندما تقترف المعصية، هو الذي يحضر في قلبك عندما تعزم على الرذيلة، هذا هو الذكر الخفي الذي يتحدّث عنه الإمام زين العابدين «صلوات الله وسلامه عليه»: ”إلهي، بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جُمِعَت العقول المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلا بذكراك، ولا تسكن النفوس إلا عند رؤياك، أنت المسبَّح في كل مكان، والمعبود في كل زمان، والموجود في كل أوان، والمدعو بكل لسان، والمعظَّم في كلّ جنان“، الأئمة من أهل البيت عاشوا ذكر الله بكل جوانحهم، بكل أرواحهم، بكل قلوبهم، لأنهم عاشوا ذكر الله عاشوا الذكر الخفي. الإمام أمير المؤمنين الذي كان قلبه مشعلًا لذكر الله عز وجل كان آخر لفظٍ تلفّظ به قبل أن يسقط في محرابه، قال: ”فزت ورب الكعبة“، الحسين الذي عاش ذكر الله في قلبه وامتلأت روحه بذكر الله، يذكر الله وهو رأس مفصول عن الجسد، يذكر الله وهو رأس على رأس رمح طويل.