بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد شحنت كربلاء إردة الامة بالعزيمة الراسخة، بما بلورت الاحاسيس الخيرة في الانسان، ذلك لان للانسان مخزوناً كبيراً من العقل والارادة والعاطفة، وغالباً ما يموت الانسان قبل أن يستفيد من هذا المخزون الضخم إلا شيئاً قليلًا، وان من أهداف رسالات السماء ومصلحي البشر اثارة دفائن العقول، وشحذ وتحريك الارادة والعاطفة، واستخراجها من باطن الانسان الى واقعه، وهذا ما فعلته ملحمة كربلاء تماماً، فقد كانت هي الطليعة والقدوة لجهد الانسان في تفجير مخزونه الارادي والعقلي والعاطفي. ففي بعض الاحاديث نقرأ عن الامام الحسين (ع).
«السلام عليك يا قتيل العبرات، وأسير الكربات».
فملحمة كربلاء لا زالت عبر التاريخ تستدر دموع الناس عامة، وخاصة الموالين، ومجالس العزاء كانت ولا تزال تقام على مدار أيام السنة لا سيما في شهر محرم الحرام، وكذلك فان ذكر الامام الحسين أصبح على كل لسان وفي كل مكان بل في كل مناسبة، ويحق لنا أن نتساءل: لماذا كان الامام الحسين (ع) كذلك؟
لقد قام الامام الحسين (ع) بثورة وتحول مع مرور الزمن الى ثورة، بل الى مفجر للثورات في ضمير الانسان، ولم يعد الامام الحسين (ع) ذلك القتيل على رمضاء كربلاء، ولم تعد عاشوراء تلك الفترة المحدودة من الزمن فقد أصبح الامام رمزاً للثورة، وحينما نذكر الامام الحسين (ع) تجري دموعنا وتلتهب مشاعرنا وعواطفنا بصورة ارادية وغير ارادية، ويعبر عن هذه الحقيقة حديث شريف جاء على لسان النبي آدم (ع) يخبره فيها بالحوادث التي ستقع في الارض من بعده، ومن جملة ما أوحى اليه قصة رسالة خاتم الانبياء والرسل أجمعين عليهم السلام وبين له بأن الائمة والاوصياء من بعده منه، فلما انتهى الى ذكر الامام الحسين (ع) قال آدم:
«اني استبشر كلما مر عليّ اسم من أسمائهم إلا عند ذكر الامام الحسين (ع) فإني أشعر بالحزن والكآبة، فلماذا؟، فأوحى اليه الله سبحانه وتعالى بقصة كربلاء بصورة مفصلة».
هكذا تصور لنا الاحاديث المأثورة تحوّل الامام الحسين (ع) من شخص الى رمز، ومن رمز الى مسيرة، ومن مسيرة الى حقيقة ثورية، وعندما نقول بأن الامام الحسين (ع) كان ثورة فهذا يعني ان كل قلب يتفجر ثورة حينما يرتبط بينبوع الامام (ع) وحينما يذكر الامام الحسين (ع) تقفز الى الاذهان فكرة الشهادة والبطولة والفداء، وكل معاني العمل من أجل الله والمستضعفين والمحرومين في الارض، وكلما تجددت ذكرى عاشوراء
تفتحت أبصارنا لمآسي أكثر بكثير مما جرى في صحراء كربلاء من الاثارة، وتفجير الطاقات، حيث ان ملايين البشر على امتداد الارض يتحولون في يوم عاشوارء تحولًا ثورياً. يغذيهم بمعاني الثورة خلال السنة كلها.
ويتجدد ذلك في كل عام في أكثر من بلد وقطر، في الولايات المتحدة الامريكية مثلًا وفي مبنى هيئة الامم المتحدة بالذات تقام ذكرى الامام الحسين (ع) الشهيد في محرم الحرام، وكذلك في افريقا وروسيا والصين تجد مثل هذه المناسبات حيث تتجدد ملحمة كربلاء في النفوس بل في الحياة الاجتماعية لملايين من البشر ليتزودوا منها في عامهم الى العاشوارء المقبل.
الامام الحسين (ع) ثورة الذات.
أربعة عشر قرناً من الزمان ولا نزال نجد الناس يستمدون من ثورة الامام الحسين (ع) معاني الثورة والاندفاع والتضحية مما يدل على ان هذه الملحمة قد تحولت الى مسيرة، والامام الحسين (ع) الى ثورة، وهذا حدث هام في حياة البشر ولكن السؤال الآن هو:
أي ثورة أصبح الامام الحسين (ع)؟
وكيف أصبح ثورة؟
وفي أي مجال؟
لقد كان الامام الحسين (ع) في البدء ثورة على الذات، لان أي انسان لا يستطيع الانتصار للرسالة دون أن يحقق انتصاراً على ذاته، ونحن لا نريد أن ننتصر لا نفسنا لان هذه فكرة خاطئة، بل نريد أن ننصر دين الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الهدف الاسمى، فاذا نصرنا دين الله تعالى شاء الله أن ينصرنا، وينصر بنا الآخرين ويجعل منا جسراً لسعادة الآخرين وفلاحهم.
وهناك حقيقة لابد للثائر أن يزرعها في نفسه، وهي انه لا يبنغي للثائر الحقيقي أن يستهدف الوصول الى الكراسي أو البلوغ الى المراكز، كلا. إنما ينبغي عليه أن يعمل للناس للآخرين، ونتيجة العمل من أجل الناس هو العمل لله سبحانه وتعالى، وفي هذا الجانب يحدثنا القرآن الكريم حيث يقول:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ 1
فان الدرس الاول الذي يمكن أن نستوحيه من كربلاء الحسين (ع) هو النصر لله وحده، لا النصر المؤدي الى الكراسي، وفي يوم عاشوراء رفرف النصر على رأس الامام الحسين (ع) وخير بين النصر أو الشهادة، كما جاء في بعض الاحاديث، فرفض النصر واختار الشهادة لعلمه بأن شهادته انتصار حقيقي للرسالة حيث قيل عنه: «فلتروى ظامية الضب بدمي».
واذا كان ثمن استقامة الدين الاسلامي دم الامام الحسين (ع)، فانه لن يبالي بل سيدفع الثمن راضياً مرضياً، ولقد جاء عنه (ع): «ان كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي، يا سيوف خذيني».
بأمكان الامام الحسين (ع) أن يختار طريقاً للخلاص من الموت بل والانتصار على يزيد، ولن صمم على مواصلة مسيرته الرسالية من أجل نصرة الله والحق.
الامام الحسين (ع) وتكاملية العطاء.
نستلهم من هذه الذكرى التي تتجدد كل عام انه حينما يريد الانسان أن يهب نفسه لله فلا يجب أن يطلب لنفسه شيئاً مما وهب، لان الافضل أن يهب الكل وإلا فلا يجب عليه أن يسقط من فكره الذاتية، واسقاط الاعتبارات الذاتية هو الهدف الذي من أجله قام الامام الحسين (ع) في كربلاء، فلقد أعطى الامام الحسين (ع) جميع من حوله الاذن بالبراز، وأول من بارز أمام الامام الحسين (ع) ابنه على الاكبر (ع) وهو أحب أبنائه الى قلبه، فكم كان الامام الحسين (ع) يحبه، لانه بقدر التصاق الائمة والمصلحين بمبادئهم ورسالاتهم يلتصقون بالمعاني الانسانية فهم يبلغون القمة في شفقتهم على أبنائهم، لاسيما اذا كان الابن يمثل في ذاته رسالتهم مثل [علي الاكبر «ع»] الذي هو أشبه الناس خلقاً وخلقاً برسول الله الذي يقول عنه الله عز وجل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ 2.
فتتجدد محبة الامام الحسين (ع) لابنه الاكبر لانه رمز لرسول الله الذي هو بدوره رمز للاخلاق الفاضلة، ولكن مع كل ذلك يأذن لابنه بالبراز ويقدمه في طليعة أهل بيته وأنصاره (ع)، ومعنى ذلك ان الامام الحسين (ع) وهب كل ما يملك مثالًا آخر على ثورته، انه ضحى بابنه الطفل البالغ من العمر ستة أشهر فلقد رآه يصارع الموت، وهذا الطفل الذي كان يمثل بالنسبة لمثل عمر الامام الحسين (ع) أملًا كبيراً، لان الطفل امتداد للانسان، وحب الانسان لطفله إنما هو لابراز شخصيته في المستقبل وتنشئته نشأة صالحة، هذا هو الحب الذي ينبعث ويشتد كلما شعر الانسان بالخطر.
والامام الحسينعليه الصلاة والسلاملم يشعر بالخطر فقط وإنما كان عنده علم اليقين بأنه سوف يموت ومع ذلك أخذ ابنه معه وهو يعلم طبيعة نيات القوم، وما ذا سيفعلون به، ولكنه برغم ذلك يذهب به ليطلب له شربة من الماء، فيذبح على يدي والده (ع)، وينقل التاريخ بأن للامام الحسين (ع) طفلين رضيعين قتلا في كربلاء، الاول كان عمره ستة أشهر، والآخر كان عمره ساعات، هذا عن الجانب المادي بالنسبة لتضحية الامام الحسين (ع).
وفي الجانب المعنوي أيضاً قدم (ع) شيء، فبقدر ما كانت كربلاء أليمة ومفجعة ماوراء ها من اتهامات كبيرة نجد أثرها حتى هذا اليوم، وهي كذلك أليمة ومفجعة، فشريح القاضي وما أكثر من أمثاله في واقعنا المعاصر يفتي بوجوب قتل الامام الحسين (ع) حتى بلغ الامر أن يقول الامام الصادق (ع) عنه: «ازدلف إليه ثلاثون ألفاً كلهم يتقربون الى الله سبحانه وتعالى بسفك دمه».
هكذا عملت الدعايات المظللة بأدمغة الناس، وبعد أن قتل الامام الحسين (ع) وسبي أهل بيته، كان يعتقد الناس بأنهم سبايا الترك أو الديلم، وهذا سرعظمة الامام الحسينعليه السلامإذ أنه قدم نفسه وأهل بيت فداء لدين الله مختاراً.
ان الانسان ربما يختار الثورة لنفسه لكنه لن يكون مستعداً للتضحية بأهله وأقاربه، فيرضى لنفسه الشهادة ولا يرضى للاقرباء والاولاد خوفاً عليهم، وهناك الكثير من الناس يحجم عن الاعمال الثورية، والعمل في سبيل الله بالخوف من التضحية أساساً.
انه من الخطأ أن يخشى الانسان على أقربائه من أن يقتحموا الثورة، لأن الواجب أن يثور ويسمح لغيره بالثورة، لانه ليس الذي يبتليهم، وإنما الطاغوت هو الذي يضغط عليهم، فاذا ثار المجاهد مثلًا واعتقلت السلطة الطاغوتية زوجته وأولاده ووالديه، فاعلم علم اليقين انهم دخلوا ساحة النضال من أوسع أبوابها، أما هو فله الثواب أن ادخل الآخرين في ساحة النضال كون ساحة النضال مباركةً فليدخلها الجميع.
اننا نجد الامام الحسين (ع) مثلًا يأتي بكل اهل بيته (ع) الى صحراء كربلاء، وهو يعلم ماذا سيحدث فقد قال الامام الحسين (ع) عندما سأله ابن عباس عن سبب خروج النسوة معه قال: «لقد شاء الله أن يراهن سبايا».
ومع علمه بذلك إلا أنه يذهب بهن مطمئناً لعلمه ان هذا درس عظيم من دروس الثورة الاسلامية، إذن تقدم ولا تفكر فيما يصنع من خلفك فان الله سبحانه حاميهم وحافظهم.
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد شحنت كربلاء إردة الامة بالعزيمة الراسخة، بما بلورت الاحاسيس الخيرة في الانسان، ذلك لان للانسان مخزوناً كبيراً من العقل والارادة والعاطفة، وغالباً ما يموت الانسان قبل أن يستفيد من هذا المخزون الضخم إلا شيئاً قليلًا، وان من أهداف رسالات السماء ومصلحي البشر اثارة دفائن العقول، وشحذ وتحريك الارادة والعاطفة، واستخراجها من باطن الانسان الى واقعه، وهذا ما فعلته ملحمة كربلاء تماماً، فقد كانت هي الطليعة والقدوة لجهد الانسان في تفجير مخزونه الارادي والعقلي والعاطفي. ففي بعض الاحاديث نقرأ عن الامام الحسين (ع).
«السلام عليك يا قتيل العبرات، وأسير الكربات».
فملحمة كربلاء لا زالت عبر التاريخ تستدر دموع الناس عامة، وخاصة الموالين، ومجالس العزاء كانت ولا تزال تقام على مدار أيام السنة لا سيما في شهر محرم الحرام، وكذلك فان ذكر الامام الحسين أصبح على كل لسان وفي كل مكان بل في كل مناسبة، ويحق لنا أن نتساءل: لماذا كان الامام الحسين (ع) كذلك؟
لقد قام الامام الحسين (ع) بثورة وتحول مع مرور الزمن الى ثورة، بل الى مفجر للثورات في ضمير الانسان، ولم يعد الامام الحسين (ع) ذلك القتيل على رمضاء كربلاء، ولم تعد عاشوراء تلك الفترة المحدودة من الزمن فقد أصبح الامام رمزاً للثورة، وحينما نذكر الامام الحسين (ع) تجري دموعنا وتلتهب مشاعرنا وعواطفنا بصورة ارادية وغير ارادية، ويعبر عن هذه الحقيقة حديث شريف جاء على لسان النبي آدم (ع) يخبره فيها بالحوادث التي ستقع في الارض من بعده، ومن جملة ما أوحى اليه قصة رسالة خاتم الانبياء والرسل أجمعين عليهم السلام وبين له بأن الائمة والاوصياء من بعده منه، فلما انتهى الى ذكر الامام الحسين (ع) قال آدم:
«اني استبشر كلما مر عليّ اسم من أسمائهم إلا عند ذكر الامام الحسين (ع) فإني أشعر بالحزن والكآبة، فلماذا؟، فأوحى اليه الله سبحانه وتعالى بقصة كربلاء بصورة مفصلة».
هكذا تصور لنا الاحاديث المأثورة تحوّل الامام الحسين (ع) من شخص الى رمز، ومن رمز الى مسيرة، ومن مسيرة الى حقيقة ثورية، وعندما نقول بأن الامام الحسين (ع) كان ثورة فهذا يعني ان كل قلب يتفجر ثورة حينما يرتبط بينبوع الامام (ع) وحينما يذكر الامام الحسين (ع) تقفز الى الاذهان فكرة الشهادة والبطولة والفداء، وكل معاني العمل من أجل الله والمستضعفين والمحرومين في الارض، وكلما تجددت ذكرى عاشوراء
تفتحت أبصارنا لمآسي أكثر بكثير مما جرى في صحراء كربلاء من الاثارة، وتفجير الطاقات، حيث ان ملايين البشر على امتداد الارض يتحولون في يوم عاشوارء تحولًا ثورياً. يغذيهم بمعاني الثورة خلال السنة كلها.
ويتجدد ذلك في كل عام في أكثر من بلد وقطر، في الولايات المتحدة الامريكية مثلًا وفي مبنى هيئة الامم المتحدة بالذات تقام ذكرى الامام الحسين (ع) الشهيد في محرم الحرام، وكذلك في افريقا وروسيا والصين تجد مثل هذه المناسبات حيث تتجدد ملحمة كربلاء في النفوس بل في الحياة الاجتماعية لملايين من البشر ليتزودوا منها في عامهم الى العاشوارء المقبل.
الامام الحسين (ع) ثورة الذات.
أربعة عشر قرناً من الزمان ولا نزال نجد الناس يستمدون من ثورة الامام الحسين (ع) معاني الثورة والاندفاع والتضحية مما يدل على ان هذه الملحمة قد تحولت الى مسيرة، والامام الحسين (ع) الى ثورة، وهذا حدث هام في حياة البشر ولكن السؤال الآن هو:
أي ثورة أصبح الامام الحسين (ع)؟
وكيف أصبح ثورة؟
وفي أي مجال؟
لقد كان الامام الحسين (ع) في البدء ثورة على الذات، لان أي انسان لا يستطيع الانتصار للرسالة دون أن يحقق انتصاراً على ذاته، ونحن لا نريد أن ننتصر لا نفسنا لان هذه فكرة خاطئة، بل نريد أن ننصر دين الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الهدف الاسمى، فاذا نصرنا دين الله تعالى شاء الله أن ينصرنا، وينصر بنا الآخرين ويجعل منا جسراً لسعادة الآخرين وفلاحهم.
وهناك حقيقة لابد للثائر أن يزرعها في نفسه، وهي انه لا يبنغي للثائر الحقيقي أن يستهدف الوصول الى الكراسي أو البلوغ الى المراكز، كلا. إنما ينبغي عليه أن يعمل للناس للآخرين، ونتيجة العمل من أجل الناس هو العمل لله سبحانه وتعالى، وفي هذا الجانب يحدثنا القرآن الكريم حيث يقول:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ 1
فان الدرس الاول الذي يمكن أن نستوحيه من كربلاء الحسين (ع) هو النصر لله وحده، لا النصر المؤدي الى الكراسي، وفي يوم عاشوراء رفرف النصر على رأس الامام الحسين (ع) وخير بين النصر أو الشهادة، كما جاء في بعض الاحاديث، فرفض النصر واختار الشهادة لعلمه بأن شهادته انتصار حقيقي للرسالة حيث قيل عنه: «فلتروى ظامية الضب بدمي».
واذا كان ثمن استقامة الدين الاسلامي دم الامام الحسين (ع)، فانه لن يبالي بل سيدفع الثمن راضياً مرضياً، ولقد جاء عنه (ع): «ان كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي، يا سيوف خذيني».
بأمكان الامام الحسين (ع) أن يختار طريقاً للخلاص من الموت بل والانتصار على يزيد، ولن صمم على مواصلة مسيرته الرسالية من أجل نصرة الله والحق.
الامام الحسين (ع) وتكاملية العطاء.
نستلهم من هذه الذكرى التي تتجدد كل عام انه حينما يريد الانسان أن يهب نفسه لله فلا يجب أن يطلب لنفسه شيئاً مما وهب، لان الافضل أن يهب الكل وإلا فلا يجب عليه أن يسقط من فكره الذاتية، واسقاط الاعتبارات الذاتية هو الهدف الذي من أجله قام الامام الحسين (ع) في كربلاء، فلقد أعطى الامام الحسين (ع) جميع من حوله الاذن بالبراز، وأول من بارز أمام الامام الحسين (ع) ابنه على الاكبر (ع) وهو أحب أبنائه الى قلبه، فكم كان الامام الحسين (ع) يحبه، لانه بقدر التصاق الائمة والمصلحين بمبادئهم ورسالاتهم يلتصقون بالمعاني الانسانية فهم يبلغون القمة في شفقتهم على أبنائهم، لاسيما اذا كان الابن يمثل في ذاته رسالتهم مثل [علي الاكبر «ع»] الذي هو أشبه الناس خلقاً وخلقاً برسول الله الذي يقول عنه الله عز وجل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ 2.
فتتجدد محبة الامام الحسين (ع) لابنه الاكبر لانه رمز لرسول الله الذي هو بدوره رمز للاخلاق الفاضلة، ولكن مع كل ذلك يأذن لابنه بالبراز ويقدمه في طليعة أهل بيته وأنصاره (ع)، ومعنى ذلك ان الامام الحسين (ع) وهب كل ما يملك مثالًا آخر على ثورته، انه ضحى بابنه الطفل البالغ من العمر ستة أشهر فلقد رآه يصارع الموت، وهذا الطفل الذي كان يمثل بالنسبة لمثل عمر الامام الحسين (ع) أملًا كبيراً، لان الطفل امتداد للانسان، وحب الانسان لطفله إنما هو لابراز شخصيته في المستقبل وتنشئته نشأة صالحة، هذا هو الحب الذي ينبعث ويشتد كلما شعر الانسان بالخطر.
والامام الحسينعليه الصلاة والسلاملم يشعر بالخطر فقط وإنما كان عنده علم اليقين بأنه سوف يموت ومع ذلك أخذ ابنه معه وهو يعلم طبيعة نيات القوم، وما ذا سيفعلون به، ولكنه برغم ذلك يذهب به ليطلب له شربة من الماء، فيذبح على يدي والده (ع)، وينقل التاريخ بأن للامام الحسين (ع) طفلين رضيعين قتلا في كربلاء، الاول كان عمره ستة أشهر، والآخر كان عمره ساعات، هذا عن الجانب المادي بالنسبة لتضحية الامام الحسين (ع).
وفي الجانب المعنوي أيضاً قدم (ع) شيء، فبقدر ما كانت كربلاء أليمة ومفجعة ماوراء ها من اتهامات كبيرة نجد أثرها حتى هذا اليوم، وهي كذلك أليمة ومفجعة، فشريح القاضي وما أكثر من أمثاله في واقعنا المعاصر يفتي بوجوب قتل الامام الحسين (ع) حتى بلغ الامر أن يقول الامام الصادق (ع) عنه: «ازدلف إليه ثلاثون ألفاً كلهم يتقربون الى الله سبحانه وتعالى بسفك دمه».
هكذا عملت الدعايات المظللة بأدمغة الناس، وبعد أن قتل الامام الحسين (ع) وسبي أهل بيته، كان يعتقد الناس بأنهم سبايا الترك أو الديلم، وهذا سرعظمة الامام الحسينعليه السلامإذ أنه قدم نفسه وأهل بيت فداء لدين الله مختاراً.
ان الانسان ربما يختار الثورة لنفسه لكنه لن يكون مستعداً للتضحية بأهله وأقاربه، فيرضى لنفسه الشهادة ولا يرضى للاقرباء والاولاد خوفاً عليهم، وهناك الكثير من الناس يحجم عن الاعمال الثورية، والعمل في سبيل الله بالخوف من التضحية أساساً.
انه من الخطأ أن يخشى الانسان على أقربائه من أن يقتحموا الثورة، لأن الواجب أن يثور ويسمح لغيره بالثورة، لانه ليس الذي يبتليهم، وإنما الطاغوت هو الذي يضغط عليهم، فاذا ثار المجاهد مثلًا واعتقلت السلطة الطاغوتية زوجته وأولاده ووالديه، فاعلم علم اليقين انهم دخلوا ساحة النضال من أوسع أبوابها، أما هو فله الثواب أن ادخل الآخرين في ساحة النضال كون ساحة النضال مباركةً فليدخلها الجميع.
اننا نجد الامام الحسين (ع) مثلًا يأتي بكل اهل بيته (ع) الى صحراء كربلاء، وهو يعلم ماذا سيحدث فقد قال الامام الحسين (ع) عندما سأله ابن عباس عن سبب خروج النسوة معه قال: «لقد شاء الله أن يراهن سبايا».
ومع علمه بذلك إلا أنه يذهب بهن مطمئناً لعلمه ان هذا درس عظيم من دروس الثورة الاسلامية، إذن تقدم ولا تفكر فيما يصنع من خلفك فان الله سبحانه حاميهم وحافظهم.
تعليق