بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
إن البعض منا يرى في وجوده علامات المرض من التهاب في البدن أو حمى زائدة أو سائر الأوجاع فيذهب إلى المختبر، ويحلل دمه ويصور بدنه، فيقال له مثلا: انكشف لنا أن لك المرض الفلاني. واكتشاف المرض البدني سهل في هذه الأيام؛ حيث تأخذ المختبرات منك مبلغاً بسيطاً وتخبرك بمرضك، و بدراهم معدودة تشفي نفسك. ولولا المختبر لما عرفت المرض، ولولاه لما حصلت على العلاج.
ولكن قد يسأل سائل فيقول: هل في عالم الأرواح أيضا مختبر يفحصنا؟ وما قيمة هذا المختبر وكم يأخذ من الأموال؟ والجواب هو أنه بإمكانك هذه الأيام أن تختبر نفسك، من خلال تحاليل ثلاثة، تحلل بها باطنك والروح الباقية الأبدية. أول التحاليل: ما يتعلق بالله عز وجل. فانظر إلى صلاتك التي هي معراج المؤمن. لو أن إنسانا في الطائرة والستار مسدل على النافذة ثم شك في هل أن الطائرة طارت أم لا؟ ماذا يصنع؟ إنه بسهولة يزيح الستار فإذا رأى أرض المطار يعلم أنها ما طارت وما سافر ولازال على أرض المطار. فإن نظر إلى السحب ورأى الأرض صغيرة تحت قدميه يقول: لا، نحن بحمد الله في الأجواء العليا. والمصلي هو هكذا. فإن رأيت نفسك أثناء الصلاة تنظر إلى مشكلة تراها كبيرة أو تتذكر أحدا فتراه كبيراً بخلاف ما وصف به أمير المؤمنين المتقين: (عَظُمَ اَلْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ) فاعلم أنك لا زلت على الأرض.
دور الصلاة في كشف الباطن
لقد سمعت البعض يدخل في نزاع مع أهله ومع ورثة أبيه ومع أخيه على متر أو مترين من المنزل؛ فيدخل في معركة معهم وهو عندما يصعد في الطائرة وينظر إلى الأرض الصغيرة من تحته يقول: ما أسخفك يا فلان، ما أصغر هذه الأرض تحت قدميك، وأنت في الأرض كنت تطمع في متر أو مترين وتدخل المحاكم. فينبغي أن ترى أن كل ما سوى الله لا يعتد به، (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ)، وكما نقرأ في الأدعية الشريفة: (كل كبير في جنب شرفك حقير). ولإمامنا زين العابدين (ع) دعاء بليغ منعش في يوم الجمعة فاقرأه في يوم من الأيام وفيه: (من يقبل من لا تقبله البلاد)، إلى آخره. إن الصلاة كاشفة عن باطنك. فإذا لم تقبل اليوم ولم تقبل غداً ولا تقبل لمرض أو لانشغال، ومن ديدنه والأصل فيه عدم الإقبال في قلبه مرض. إن هذا الصمام مغلق والعروق مسدودة وهذا عيبٌ؛ فاذهب وعالج نفسك عند الإمام (ع).
مختبر ذكر الحسين (عليه السلام)
المختبر الثاني الذي يكشف عن طراوة القلب وحياة القلب ذكر الحسين (ع). إنك تقول للبعض: اذهب إلى المجلس الفلاني، فيقول لك: أخاف الذهاب. والمجلس لا خوف فيه ولكنه يقول: إن هذا المجلس قد حضرته فرأيت أن طبيعة المجلس والأجواء فيه غير مؤاتية للبكاء؛ لخلل إما في نية صاحب المجلس أو في نية من ينعى الحسين (ع) وهو فقدان الإخلاص. فتراه ينعى وأغلبهم لا تجري دمعته. وهذا سر من الأسرار. إن الإمام (ع) يضع هذه الحلاوة والتأثير في نفوس البعض لا الجميع. وهو يقول أيضا: إنني إذا ذهبت إلى مجلس ولم أذرف الدموع؛ أشك في نفسي وأعتقد أنني مريض؛ فأخاف من ذلك.
علاج قسوة القلب عند زيارة الحسين (عليه السلام)
أو تعلم أن بعض الناس يأتي من بلاد بعيدة لزيارة الحسين (ع) فيقف أمام الباب قبل الدخول على الضريح ويرجع يقول: يا أبا عبدالله اعذرني. إن قلبي قاس ولا أحب أن أزورك إلا والدمعة في عيني أو الرقة في قلبي. وسأعلمك – كما يقال – سراً من أسرار المهنة؛ إذا دخلت من باب الرأس الشريف على الضريح، وعند الباب رأيت قلبك كالخرقة لا حياة فيه؛ اذهب إلى قبور الشهداء، وقل: يا موالي، ما دخلت على المولى وأنا مستح منه وقلبي كالحجر وعيني جامدة؛ فطلبوا لي الإذن. هم سبعون من الشهداء إذا اجتمعوا على الدعاء لك؛ أبلغوا سلامك للمولى.
ثم عرج على قبر حبيب شيخ الأنصار، وبواب الحسين (ع). إنه أمر مجرب عندما تزور الشهداء والحبيب أو العكس وإذا بك تنفجر بالبكاء من أين؟ من صاحب القبر. تعوذ ولا تدخل على الضريح إلا بأحد أمرين – لا أريد أن أشق عليك – إما بعين باكية أو بقلب خاشع. فحتى لو رق قلبك ولم تجر دمعتك لا ضير؛ فالإمام كريم يقبلك.
لقد قيل لي في سفرة من السفرات إلى إحدى البلاد: إن الذي أمامك – وأشاروا إلى رجل أمامي – بمجرد أن يذكر اسم الحسين (ع) يبكي بلا نعي. فقط قل: يا أبا عبدالله، وستجري دمعته. لقد كنت في مجلس وكنا أحدهم يتكلم بمرح وبما يوجب الضحك، وكان الكل يبتسم ويضحك. وإن أحدهم بمناسبة ذكر الزهراء (ع) في ثوان انقلب ضحكه إلى بكاء وجرت دمعته. ما هذا السر؟ إنه قبل قليل كان يضحك وإذا به يبكي بكاءً بيناً ويحمر وجهه وتجري دمعته. إن هذا القلب طريٌ، وهذا العين تكشف عن سلامة القلب ولا تحتاج إلى مكاشفة أو إلى منام. إن البعض يرى مناماً لطيفاً فيظن أنه على خير، والحال أنه يزور الحسين (ع) فلا تجري دمعته؛ فأي خير هذا؟ لا تنتظر مدح الناس ولكن انظر إلى قلبك؛ فإن القلب إذا صار متأثراً بذكره فأنت على ما يرام.
المختبر المهدوي
وكل حديثي اليوم هو مقدمة للوصول إلى هذه الفقرة وهو المختبر المهدوي. وهو أن ترى في قلبك إقبالاً على ولي أمرك. إنني أنقل لكم من تجارب الحياة. إن البعض هكذا طلب من الإمام بقلبه أن يعطيه خاصية القوة. ولكن أي قوة؟ إن دعاء اللهم كن لوليك من أوله إلى آخره الذي لا يستغرق من الوقت أكثر من دقيقة أو نصف دقيقة يقرأه صاحبنا هذا بما اكتسب من قوة من أوله إلى أن يقول: وتمتعه فيها طويلا ودموعه تجري. إنه يذكر الإمام ثوان فتجري دمعته.
اذا اردت أن تجمع بين المختبرين في جملة؛ قف عند الرأس وقل: أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟ أين الطالب؟ هو إمام زمانك، والمقتول بكربلاء صاحب المقام الذي تقف أمامه. رددها كذا مرة فيغنيك عن دعاء الندبة بكامله. إن المختبر المهدوي يدل على أن قلبك سالم. وأعني قلبك الباطني لا القلب اللحمي. فهذا اللحم يتحول إلى ديدان في القبر. إن قلبك الباطني سليم، ولهذا إن بكيت قل ثلاث مرات بعد البكاء: إلهي شكراً شكراً شكرا، بحمد الله لم يمت قلبي ولا زال سليما. ولكن إن رأيت لظرف ما في قلبك هذه القساوة لا تيأس عند الإمام (ع). سله أن يعطيك هذه الخاصية.
طلب الصلاة الخاشعة من الحسين (عليه السلام)
نحن في الحوزات العلمية نتعلم وندرس ونقرأ عن آداب الصلاة الخاشعة، وقد نصل وقد لا نصل، ولكن يذكر لنا أحد العلماء: أن أحد الزوار كان كيسا فطنا، وهذا الكيس زار الحسين (ع) وقال: يا أباعبدالله لا أريد مالاً ولا زوجة ولا أي شيء آخر وإنما أريد أن تعطيني صلاة خاشعة. إن سيد الشهداء (ع) يوم عاشوراء قد صلى صلاة الحرب بتوجه كباقي الأيام، ولعله رمي أثناء الصلاة. إن بعض الشهداء هم شهداء الصلاة بين يدي الحسين (ع).
يقول هذا العالم: رجع الزائر من الزيارة وقال: أريد أن اصلي وأفكر في غير الله لا يمكنه. لقد انقلبت الآية عنده. نحن نريد أن نفكر في الله وفي هذه المعاني لا يمكننا وصاحبنا سلب القدرة على أن يفكر في غيره. وهذا التصرف الولائي في قلبه جعله مصلياً خاشعاً. حاول في هذه الأربعينة التي دعنا أن نسميها الموسوية أو في شهر رمضان الرمضانية أو أيام محرم الحسينية أن تجعل على رأسها دعاء العهد. البعض بلغ من العمر ما بلغ واشتعل الرأس شيبا وعندما تسأله وتقول له: هل قرأت في عمرك دعاء العهد أربعين صباحاً؟ يقول لك: لم أوفق إلى الآن. لا تمت إلا وقد قمت بقراءة دعاء العهد مرة واحدة في العمر لأربعين صباحاً؛ فإن وفقت لهذا فأنت بخير.
📝الشيخ حبيب الكاظمي