بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قرآننا عزنا وشرفنا
تحدّي الإمام الحسن (عليه السلام) عثمانَ في توديع أبي ذر :
كان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه من جملة الصحابة الذين نقموا على عثمان بن عفان موبقاته الكثيرة التي حصلت في زمان سلطته، ولهذا نفاه عثمانُ إلى الشام[1]. ولمّا وصل إلى الشام عارض سياسة معاوية ، وكان يقول : « والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله)، والله إنّي لأرى حقّاً يطفأ وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذَّباً، وأثرةً بغير تقى ، وصالحا مستأثراً عليه »[2].
وكتب معاوية إلى عثمان : « إنّك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر ». فكتب إليه : « أن احمله على قتب بغير وطاء » ، فقدم به إلى المدينة وقد ذهب لحم فخذيه ، ولم يقم في المدينة إلاّ أيّاماً حتى أرسل إليه عثمان : « والله لتخرجنّ منها » ، قال أبو ذر : « أتخرجني من حرم رسول الله ؟ » ، قال : « نعم، وأنفك راغم ». فنفاه إلى الربذة ولم يستجب إلى طلبه في نفيه إلى مكة أو البصرة أو الكوفة وقال له : « إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت بها » [3]. ولمّا أُخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس إلاّ يكلّم أحد أبا ذر ولا يشيّعه، فتحاماه الناس سوى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) وعقيل أخيه والحسنين(عليهما السلام) وعمّار، فخرجوا يشيّعونه، فجعل الحسن (عليه السلام) يكلّم أبا ذر، فقال له مروان ( الخبيث ) : إيها يا حسن ! ألا تعلم أنّ عثمانَ قد نهى عن كلام هذا الرجل ! فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك[٤] ولكن الإمام الحسن (عليه السلام) لم يعر لمروان الخبيث اهتماماً.
وفي وداعه قال له الإمام علي (عليه السلام) : ((يا أبا ذر إنّك غضبت لله فارج من غضبت له، إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه؛ واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وما أغناك عمّا منعوك)). وتكلّم عقيل ثمّ تكلّم الحسن (عليه السلام)، فقال : ((يا عمّاه ؛ لولا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت، وللمشيّع أن ينصرف، لقصر الكلام وإن طال الأسف؛ وقد أتى القوم إليك ما ترى؛ فضع عنك الدنيا بتذكّر فراغها، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها، واصبر حتى تلقى نبيّك (صلى الله عليه وآله) وهو عنك راضٍ))[5].
وفي هذا الحديث الموجز عبّر الإمام الحسن(عليه السلام) عن عدّة مفاهيم وقيم عقائدية واجتماعية وسياسية، فقد أكّد على التوجّه إلى الآخرة وتذكّرها، وحديثه دعوى للمعارضين الذين يجدون السبل قد انقطعت بهم فلا مجال للاستمرار بالمعارضة مع الإجراءات القاسية التي تبعد الإنسان عن ساحة المواجهة؛ فهو دعوة إلى استشعار ضيق الدنيا والتعالي على شدائدها التي لا تتّسع لشيء من أماني النفوس التوّاقة للإصلاح والتغيير.
وفي حديثه (عليه السلام) حثٌّ على الصبر وتحمّل الأذى والعذاب، والغربة والاغتراب والوحدة في سبيل الله، ولاستشعار التسديد الإلهي للصابرين وتأييده لهم؛ فلا يدعهم لوحدهم ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة إنّما يمدّهم حين تنقطع بهم السبل، ويجدّد عزيمتهم حين تتوالى عليهم المحن والشدائد.
وحديثه (عليه السلام) دعوة إلى المفاضلة الكاملة الشاملة والتميّز الدقيق لمنهجين مختلفين؛ منهج الحقّ ومنهج الباطل، وهو إشارة إلى بطلان سياسة الحكومة برئيسها وأجهزتها التنفيذية وابتعادها عن منهج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو تعبير عن رفض للواقع القائم وللحكومة القائمة التي لا تحظى برضا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنّها مخالفة لمنهجه وسيرته في الحياة الإنسانية.
__________________
[1] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 8، ص : 256.
[2] نفس المصدر.
[3] تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص : 172.
[4] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 8، ص : 253.
[5] نفس المصدر، ص 252-253.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
أعظم الله أجركم بشهادة الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)
تعليق