المصائب الأليمة والمفجعة التي انهالت على زينب الكبرى عليها السلام، كانت كل واحدة منها تكفي لتنخر قواها وتفقدها صبرها، ولكنها صبرت
وما كانت غايتها من صبرها إلاّ رضا الله تبارك وتعالى، فكان بكاؤها رسالة إلى العالم أجمع، اهتزت له المشاعر، وأبكت العيون، وكانت
كالصاعقة على قلوب أعداء الله ورسوله وآله؛ فأحرقت بلهيبها قرير عينهم، وقرار عيشهم. أمّا مقام الرضا الذي ترسخ في زينب عليها السلام
بقضاء الله والتسليم لأمره فهي التي تولت بنفسها حراسة ابن أخيها الإمام زين العابدين عليه السلام ؛ لأنها رأت أنّ الحفاظ على حياة الإمام
المعصوم تتمة لرسالة الإمام الحسين عليها السلام ، وتجلت بزينب عليها السلام حقيقة العبودية لله والتسليم لأمره والرضا بقضائه، حينما جاءت
إلى مصرع أخيها الإمام الحسين عليه السلام فرأته مقطعاً إرباً إربا بسطت يداها تحت جثمانه المقدس، ورفعته إلى السماء وقالت عليها السلام:
"إلهي تقبل منا هذا القربان"، وارتفعت زينب عليها السلام من مقام الرضا بقضاء الله والتسليم لأمره إلى مقام الشكر لله. ففي كل موقف شهدته لم
تنسَ شكر الله عز وجل لحظة دخول أهل الطهر أُسارى إلى مجلس ابن زياد (لع)، فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم،
فقالت زينب عليها السلام: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه صلى الله عليه واله، وطهرنا من الرجس تطهيراً، إنما يُفتضح الفاسق ويُكذب الفاجر وهو
غيرنا، فقال ابن زياد (لع): كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيته، فقالت: ما رأيت إلاّ جميلاً. وقد وقع هذا الجواب على ابن زياد (لع) كوقع
الصاعقة إذ تفاجأ بشجاعتها، وقوة شكيمتها ورباطة جأشها في موقف يعجز الرجال الأشداء تحمله، وهذا موقف من مواقف عديدة اتخذتها خلال
مسيرتها المشرفة.
زينب ستار عبد الامير
تم نشره في العدد 40
تعليق