وصول الإمام الحسين إلى أرض كربلاء
وفي الطريق إلى الكوفة ، إلتقى الإمام الحسين (عليه السلام) بالحرّ بن يزيد الرياحي ، وكان مُرسلاً مِن قِبَل ابن زياد في ألف فارس ، وهو يريد أن يذهب بالإمام إلى ابن زياد ، فلم يوافق الإمام الحسين على ذلك ، واستمرّ في السير حتى وصل إلى أرض كربلاء في اليوم الثاني من شهر محرم سنة 61 للهجرة.
فلمّا نزل بها ، قال : ما يُقال لهذه الأرض ؟
فقالوا : كربلاء !
فقال الإمام : "اللهم إنّي أعوذُ بك من الكرب والبلاء" ، ثم قال لأصحابه : إنزِلوا ، هاهنا مَحَطّ رحالنا ، ومَسفك دمائنا ، وهنا محلّ قبورنا . بهذا حدّثني جدّي رسول الله ) صلى الله عليه وآله وسلم) قال السيّد ابن طاووس في كتاب "الملهوف" (3) :
لمّا نزلوا بكربلاء جلس الإمام الحسين (عليه السلام) يُصلح سيفه ويقول :
يـا دهرُ أفٍ لك من خليل مِن طـالبٍ وصاحبٍ قتيل وكـلّ حيّ سالكٌ سبيلـي كم لك بالإشراق و الأصيل و الدهـر لا يقنـعُ بالبَديل ما أقربَ الوعد من الرحيلِ
وإنّما الأمر إلى الجليلِ
فسمعت السيدة زينب بنت فاطمة (عليها السلام) ذلك ، فقالت : يا أخي هذا كلام مَن أيقَن بالقَتل !
فقال : نعم يا أختاه .
فقالت زينب : واثكلاه ! ينعى إليّ الحسين نفسه .
وبكت النِسوة ، ولَطمن الخدود ، وشقَقن الجيوب ، وجعلت أمّ كلثوم تنادي : وامحمّداه ! واعليّاه ! وا أمّاه ! وا فاطمتاه ! واحَسَناه ! واحُسيناه ! واضيعتاه بعدك يا أبا عبد الله ... إلى آخره (4).
ورَوى الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد) هذا الخبر بكيفيّة أُخرى وهي :
قال علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) :
إنّي جالس في تلك العشيّة التي قُتل أبي في صبيحتها ، وعندي عمّتي زينب تُمرّضني ، إذ اعتزل أبي في خِباء له ، وعنده جوين مولى أبي ذرٍ الغفاري ، وهو يعالج سيفه ويُصلحه ، وأبي يقول :
يا دهـر أفّ لك من خليل مِـن صاحب وطالبٍ قتيل و إنّمـا الأمـر إلى الجلل كم لك بالإشراق والأصيل والدهـر لا يقنـع بالبديل وكلّ حـي سـالكٌ سبيلي
فأعادها مرّتين أو ثلاثاً ، حتّى فهمتُها ، وعَرفت ما أراد ، فخَنَقتني العبرة ، فرددتها ، ولَزِمتُ السكوت ، وعلِمت أنّ البلاء قد نزل .
وأمّا عمتي : فإنّها سَمِعت ما سمعتُ ، وهي إمرأة ، ومن شأنها النساء : الرقّة والجزع ، فلم تِملِك نفسها ، إذ وَثَبت تجرّ ثوبها ، حتى انتهت إليه فقالت
واثكلاه ! ليتَ الموت أعدَمَني الحياة ، اليوم ماتت أُمّي فاطمة ، وأبي علي ، وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثِمال الباقين !
فنظر إليها الإمام الحسين فقال لها : يا أُخيَّة ! لا يُذهِبنّ حِلمَك الشيطان .
وتَرقرَقَت عيناه بالدموع ، وقال : يا أُختاه ، " لو تُرك القَطا لغَفا ونامَ".
فقالت : يا ويلتاه ! أفتغتصب نفسك اغتصاباً ؟ فذاك أقرَحُ لقلبي ، وأشدّ على نفسي ، ثمّ لطمت وجهها ! وأهوَت إلى جيبِها فشقّته ، وخرّت مغشيّاً عليها .
فقام إليها الإمام الحسين (عليه السلام) فَصَبّ على وجهها الماء ، وقال لها : إيهاً يا أُختها ! إتّقي الله ، وتَعزّي بعزاء الله ، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون وأنّ أهل السماء لا يَبقون ، وأنّ كلّ شيء هالِك إلا وجه الله ، الذي خلق الخلق بقُدرته ، ويَبعث الخلق ويعيدهم وهو فردٌ وحده .
جدّي خيرٌ مني ، وأبي خيرٌ منّي ، وأُمّي خيرٌ منّي ، وأخي [الحسن] خيرٌ منّي ، ولي ولكلّ مسلم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أُسوة .
فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها : " يا أُختاه إني أقسمتُ عليكِ ، فأبِرّي قَسَمي ، لا تَشُقّي عَلَيّ جَيباً ، ولا تَخمشي عليّ وجهاً ، ولا تَدعي عليّ بالويل والثُبور إذا أنا هلكتُ".
ثمّ جاء بها حتّى أجلسها عندي ، وخرج إلى أصحابه (5).
*÷*÷*÷*÷*÷*÷*÷*÷*÷*÷*÷
3 ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ص 139.
4ـ الملهوف على قتلى الطفوف : ص 139.
5 ـ الإرشاد للشيخ المفيد ، ص 232 . وذكره الطبري ـ المتوفّى عام 310 هـ ـ في تاريخه ج 5 ص 420 .
تعليق