اللهم صل على محمد وآل محمد
القرآن دستورنا المقدس
التسابُق إلى النَّفع غريزة في الأحياء، لا يَحيدون عنها، ولا يُلامون عليها، وقد يَؤول إلى النزاع بين الأشخاص والأنواع، ولكنَّ التسابُق إلى الموت، لا يُرى في العقلاء إلاَّ لغايات شريفة، تبلغ في مُعتقدهم مِن الأهميَّة مَبلغاً قَصيَّاً، أسمى مِن الحياة الحاضرة، كما إذا اعتقد الإنسان في تسابقه إلى الموت، نيل سعادات ولذَّات، هي أرقى وأبقى مِن جميع ماله في الحياة الحاضرة.
ولهذه نظائر في تواريخ الغُزاة والمُجاهدين ؛ فإنَّ في صحابة النبي (صلَّى الله عليه وآله) لقوله تعالى: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾
وتسابقوا إلى القتال بين يديه، مُعتقدين أنَّ ليس بينهم وبين جِنان الخُلد والفِردوس الأعلى، سِوى سويعات، أو تُميرات يأكلونها، أو حَملات يحملونها.
وهذا مِن أشرف السِّباق، وموته أهنأ موت، وشعاره أقوى دليل على الفضيلة والإيمان، ولم يَعهد التاريخ لجماعة بِداراً نحو الموت، وسباقاً إلى الجَنَّة والأسنَّة مِثل ما عهدناه في صَحب الحسين (عليه السلام)، وقد عَجِم الحسين (عليه السّلام) عْودَهم، واختبر حُدودهم، وكسب منهم الثقة البليغة، وأسفرت امتحاناته كلُّها عن فوزه بصحب أصفياء، وإخوان صِدق عند اللقاء ، قلَّ ما فاز أو يفوز بأمثالهما ناهض، فلا نَجِد أدنى مُبالغة في وصفه لهما عندما قال : ((أمّا بعد ، فإنِّي لا أعلم أصحاباً خيراً مِن أصحابي ، ولا أهل بيت أبرَّ وأوفى مِن أهل بيتي)).
وكان الفضل الأكبر في هذا الانتقاء ، يعود إلى حُسْن انتخاب الحسين (عليه السّلام) ، وقيامه بكلِّ وجائب الزعامة والإمامة ، وقيام الرئيس بالواجب يقود المرؤوسين إلى أداء الوجائب ، واعتصام الزعيم بمبدأه القويم ، يسوق الأتباع بالطبع إلى شِدَّة التمسُّك ، بالمبدأ ، والمَسلك ، والغاية.
فكان سُرادق الحسين (عليه السّلام) ـ بما فيه مِن صَحبٍ وآلٍ، ونساءٍ وأطفالٍ ، كالماء الواحد، لا يفترق بعضه عن بعض؛ فكان كلٌّ منهم مُرآة سيِّده الحسين (عليه السّلام) بحاله، وفِعاله، وأقواله، وكانوا يفتدونه بأنفسهم، كما كان يتمنَّى القتل لنفسه قبلهم ودونهم، وأخيراً توفَّقوا إلى إرضاء سيِّدهم بأنْ يتقدّموا إلى جهاد أدبيٍّ، في زيِّ دفاعٍ حربيٍّ، واحداً بعد واحد، فيُعلنوا بالمبادئ العلويَّة، وينشروا الدعوة الحسينيَّة، إرشاداً للجاهلين، وعِظةً للجاحدين، وإيقاظاً للغافلين لقوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾.
حتَّى لو أثَّرت عِظاتُهم المُتواترة لقوله تعالى: ﴿كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾.
وإنْ قُتلوا، فسبيلهم سبيل مَن قبلهم مِن الأنبياء والمُصلحين إلى رَوحٍ وريحان، وجَنَّةٍ ورضوان؛ فيستريحون مِن آلام الحياة الدنيا الفانية، ويَسعدون بحياة راقيةٍ باقية ، فإذا كانت هذه الدنيا غير باقية لحيٍّ، ولا حيَّ عليها بباقٍ، فالأحرى أنْ يكون الهيكل الفاني قُربان خير خالد، ومَهراً لحياة الأُمَّة.
أجلْ، كانت جماعة الحسين (عليه السّلام) كؤوس رؤوسها مُفعمَة بشعور التضحية، حتَّى إذا أذِنَ لهم بذلك ، لبسوا القلوب على الدروع، وأقبلوا يتهافتون كالفراش على المُصباح ، لتضحية الأرواح، فكلَّما أذِنَ حُجَّة الله لأحدهم ، وادعه وداع مَن لا يعود، وهم يتطايرون مِن مُخيَّمه إلى خصومه تطايُر السهام، لإنفاذ الغرض المُقدَّس بأراجيز بَليغة، وحُجَج بالغةٍ، مِن شأنها إزاحة الشبهات عن البعيد والقريب، وعن الشاهد والغائب، لكنَّ المُستمعين لقوله تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾.
قد غَشيت الأطماع أبصارهم، وغَشت المخاوف بصائرهم؛ فلا يُفكِّرون بسِوى دنانير ابن زياد وعصاه، ومَن لا يهتمُّ إلاّ بالسيف والرغيف؛ فلا نَصح تفيده، ولا دليل يَحيده.
بلى، إنَّما تُجدي العِظات في ظلِّ المطامع، والحُجَّة تَهدي تحت بارقة السلاح؛ لذلك لم يَجِد رُسل الحسين (عليه السّلام) مِن عِداهم الجواب، إلاَّ على ألْسنة الأسنَّة والحِراب، وقُتِّلوا تقتيلاً، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾.
أحياءٌ بأرواحهم، أحياءٌ بتاريخهم المَجيد، ولهم لسان صدق في الآخرين، وأُسوة بالأوَّلين.
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك
القرآن دستورنا المقدس
التسابُق إلى النَّفع غريزة في الأحياء، لا يَحيدون عنها، ولا يُلامون عليها، وقد يَؤول إلى النزاع بين الأشخاص والأنواع، ولكنَّ التسابُق إلى الموت، لا يُرى في العقلاء إلاَّ لغايات شريفة، تبلغ في مُعتقدهم مِن الأهميَّة مَبلغاً قَصيَّاً، أسمى مِن الحياة الحاضرة، كما إذا اعتقد الإنسان في تسابقه إلى الموت، نيل سعادات ولذَّات، هي أرقى وأبقى مِن جميع ماله في الحياة الحاضرة.
ولهذه نظائر في تواريخ الغُزاة والمُجاهدين ؛ فإنَّ في صحابة النبي (صلَّى الله عليه وآله) لقوله تعالى: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾
وتسابقوا إلى القتال بين يديه، مُعتقدين أنَّ ليس بينهم وبين جِنان الخُلد والفِردوس الأعلى، سِوى سويعات، أو تُميرات يأكلونها، أو حَملات يحملونها.
وهذا مِن أشرف السِّباق، وموته أهنأ موت، وشعاره أقوى دليل على الفضيلة والإيمان، ولم يَعهد التاريخ لجماعة بِداراً نحو الموت، وسباقاً إلى الجَنَّة والأسنَّة مِثل ما عهدناه في صَحب الحسين (عليه السلام)، وقد عَجِم الحسين (عليه السّلام) عْودَهم، واختبر حُدودهم، وكسب منهم الثقة البليغة، وأسفرت امتحاناته كلُّها عن فوزه بصحب أصفياء، وإخوان صِدق عند اللقاء ، قلَّ ما فاز أو يفوز بأمثالهما ناهض، فلا نَجِد أدنى مُبالغة في وصفه لهما عندما قال : ((أمّا بعد ، فإنِّي لا أعلم أصحاباً خيراً مِن أصحابي ، ولا أهل بيت أبرَّ وأوفى مِن أهل بيتي)).
وكان الفضل الأكبر في هذا الانتقاء ، يعود إلى حُسْن انتخاب الحسين (عليه السّلام) ، وقيامه بكلِّ وجائب الزعامة والإمامة ، وقيام الرئيس بالواجب يقود المرؤوسين إلى أداء الوجائب ، واعتصام الزعيم بمبدأه القويم ، يسوق الأتباع بالطبع إلى شِدَّة التمسُّك ، بالمبدأ ، والمَسلك ، والغاية.
فكان سُرادق الحسين (عليه السّلام) ـ بما فيه مِن صَحبٍ وآلٍ، ونساءٍ وأطفالٍ ، كالماء الواحد، لا يفترق بعضه عن بعض؛ فكان كلٌّ منهم مُرآة سيِّده الحسين (عليه السّلام) بحاله، وفِعاله، وأقواله، وكانوا يفتدونه بأنفسهم، كما كان يتمنَّى القتل لنفسه قبلهم ودونهم، وأخيراً توفَّقوا إلى إرضاء سيِّدهم بأنْ يتقدّموا إلى جهاد أدبيٍّ، في زيِّ دفاعٍ حربيٍّ، واحداً بعد واحد، فيُعلنوا بالمبادئ العلويَّة، وينشروا الدعوة الحسينيَّة، إرشاداً للجاهلين، وعِظةً للجاحدين، وإيقاظاً للغافلين لقوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾.
حتَّى لو أثَّرت عِظاتُهم المُتواترة لقوله تعالى: ﴿كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾.
وإنْ قُتلوا، فسبيلهم سبيل مَن قبلهم مِن الأنبياء والمُصلحين إلى رَوحٍ وريحان، وجَنَّةٍ ورضوان؛ فيستريحون مِن آلام الحياة الدنيا الفانية، ويَسعدون بحياة راقيةٍ باقية ، فإذا كانت هذه الدنيا غير باقية لحيٍّ، ولا حيَّ عليها بباقٍ، فالأحرى أنْ يكون الهيكل الفاني قُربان خير خالد، ومَهراً لحياة الأُمَّة.
أجلْ، كانت جماعة الحسين (عليه السّلام) كؤوس رؤوسها مُفعمَة بشعور التضحية، حتَّى إذا أذِنَ لهم بذلك ، لبسوا القلوب على الدروع، وأقبلوا يتهافتون كالفراش على المُصباح ، لتضحية الأرواح، فكلَّما أذِنَ حُجَّة الله لأحدهم ، وادعه وداع مَن لا يعود، وهم يتطايرون مِن مُخيَّمه إلى خصومه تطايُر السهام، لإنفاذ الغرض المُقدَّس بأراجيز بَليغة، وحُجَج بالغةٍ، مِن شأنها إزاحة الشبهات عن البعيد والقريب، وعن الشاهد والغائب، لكنَّ المُستمعين لقوله تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾.
قد غَشيت الأطماع أبصارهم، وغَشت المخاوف بصائرهم؛ فلا يُفكِّرون بسِوى دنانير ابن زياد وعصاه، ومَن لا يهتمُّ إلاّ بالسيف والرغيف؛ فلا نَصح تفيده، ولا دليل يَحيده.
بلى، إنَّما تُجدي العِظات في ظلِّ المطامع، والحُجَّة تَهدي تحت بارقة السلاح؛ لذلك لم يَجِد رُسل الحسين (عليه السّلام) مِن عِداهم الجواب، إلاَّ على ألْسنة الأسنَّة والحِراب، وقُتِّلوا تقتيلاً، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾.
أحياءٌ بأرواحهم، أحياءٌ بتاريخهم المَجيد، ولهم لسان صدق في الآخرين، وأُسوة بالأوَّلين.
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك
تعليق