بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قوله تعالى:
﴿ ... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ... ﴾ 1
في المناقب لابن شهرآشوب: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بقطع (يد) لص، فقال اللص: يا رسول الله، قدمته في الإسلام وتأمره بالقطع؟
فقال: لو كانت ابنتي فاطمة.
فسمعت فاطمة فحزنت، فنزل جبرئيل بقوله:﴿ ... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ... ﴾ 1 فحزن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنزل ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ... ﴾ 2 فتعجب النبي من ذلك فنزل جبرئيل وقال: كانت فاطمة حزنت من قولك، فهذه الآيات لموافقتها 3.
بيان:
ذكر صاحب عوالم العلوم تبعا للعلامة المجلسي ما بيانه: لعل المعنى أن هذه الآيات نزلت لتعلم فاطمة (عليها السلام) أن مثل هذا الكلام المشروط لا ينافي جلالة المخاطب والمسند إليه، وبراءته لوقوع ذلك بالنسبة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من الله عز وجل. أو لبيان أن قطع يد فاطمة بمنزلة الشرك، أو أن هذا النوع من الخطاب المراد به الأمة إنما صدر لصدور هذا النوع من الكلام بالنسبة إلى فاطمة (عليها السلام) فكان خلافا للأولى، والأول أصوب وأوفق بالأصول 4. وما أفاداه (قدس سره) في حدود الظاهر اللفظي للرواية، وهو جيد بمقداره. إلا أن المتأمل ما وراء ذلك سيجد مقتضى الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يبين لأمته مدى جلالة فاطمة (عليها السلام) عند الله وقدرها لديه، إذ أراد أن يضرب مثلا على سبيل المجاز لعدم تحقق ذلك حقيقة مطلقا، مما أدى إلى إيذائها صلوات الله وسلامه عليها، حتى أنزل الله قرآنا يعلم فيه أن غضبها غضب الله ورضاها رضا الله تعالى، فكيف والحال هذه بمن يعمد إلى أذى فاطمة حقيقة، أو يكون سببا للإقلال من شأنها (عليها السلام)؟ أليس ذلك يكون سببا للعنة والعذاب من الله تعالى؟! وهو مصداق قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) " غضب فاطمة غضبي ورضاها رضاي ". ولا يخفى أن غضبه غضب الله تعالى، وغضب فاطمة غضبه (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يعني أن غضب فاطمة غضب الله تعالى.
على أنا نشدد النكير على من قال بعدم التفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل حاشاه وهو سيد الحكماء، إذ كيف لا يكون ملتفتا إلى أن غضب فاطمة هو غضب الله تعالى، وهو يؤكد في كل مناسبة أن رضا فاطمة رضاي وغضبها غضبي؟! وكيف يعاتب (صلى الله عليه وآله وسلم) على قول أو فعل وقد قال فيه تعالى:﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾ 5؟!
فظهر من ذلك أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان تأديبا لأمته، وتعليما منه إياها، وتحذيرا لها من أن ترتكب في فاطمة ما يغضبها حقا، فإن إيذاءها في ضرب مثل على نحو المجاز كان سببا لغضب الله تعالى وتهديده بأن ذلك سيكون سببا لإحباط العمل، فكيف بمن يقصد إلى إيذاءها حقيقة أو يعمد إلى التقليل من شأنها صلوات الله عليها؟! على أن الخطاب القرآني هنا غير موجه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ كان الغضب الإلهي وإحباط العمل والتهديد مقصود منه الأمة، فالقرآن نزل " بإياك أعني واسمعي يا جارة "، فهو قرآن عربي مبين نزل على لغة العرب، والعرب تخاطب الرجل التميمي مثلا بما جنته عشيرته وإن لم يكن هو قد ارتكب ذلك، فتقول: ألم تقتل النساء؟ ألم تغير على الآمنين؟ ألم تسرق كذا وكذا؟ مع أنه لم يقتل أحدا ولم يسرق شيئا ولم يرتكب ما ارتكبته عشيرته، إلا أن الخطاب قد وجهته إلى رجل منهم فكان هو المخاطب بما جنته عشيرته، وهذا ما أفاده الإمام زين العابدين (عليه السلام) من تقريب الخطاب القرآني وكيفية توجهه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قصدت منه أمته.
وهكذا الآية هنا فهي في صدد تحذير الأمة وتهديدها من ارتكاب ما يخالف فاطمة (عليها السلام)، إلا أن الخطاب كان موجها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، مقصودا منه أمته 6.
المصادر
1. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 65، الصفحة: 465.
2. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 22، الصفحة: 323.
3. المناقب لابن شهرآشوب 3: 324 وفي البحار 43: 43 والعوالم للسيد البحراني: 72.
4. نفس مصدري البحار والعوالم.
5. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 4، الصفحة: 526.
6. المصدر: کتاب ما نزل من القرآن في شأن فاطمة(ع)ِ لسماحة السيد محمد علي الحلو.
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قوله تعالى:
﴿ ... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ... ﴾ 1
في المناقب لابن شهرآشوب: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بقطع (يد) لص، فقال اللص: يا رسول الله، قدمته في الإسلام وتأمره بالقطع؟
فقال: لو كانت ابنتي فاطمة.
فسمعت فاطمة فحزنت، فنزل جبرئيل بقوله:﴿ ... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ... ﴾ 1 فحزن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنزل ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ... ﴾ 2 فتعجب النبي من ذلك فنزل جبرئيل وقال: كانت فاطمة حزنت من قولك، فهذه الآيات لموافقتها 3.
بيان:
ذكر صاحب عوالم العلوم تبعا للعلامة المجلسي ما بيانه: لعل المعنى أن هذه الآيات نزلت لتعلم فاطمة (عليها السلام) أن مثل هذا الكلام المشروط لا ينافي جلالة المخاطب والمسند إليه، وبراءته لوقوع ذلك بالنسبة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من الله عز وجل. أو لبيان أن قطع يد فاطمة بمنزلة الشرك، أو أن هذا النوع من الخطاب المراد به الأمة إنما صدر لصدور هذا النوع من الكلام بالنسبة إلى فاطمة (عليها السلام) فكان خلافا للأولى، والأول أصوب وأوفق بالأصول 4. وما أفاداه (قدس سره) في حدود الظاهر اللفظي للرواية، وهو جيد بمقداره. إلا أن المتأمل ما وراء ذلك سيجد مقتضى الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يبين لأمته مدى جلالة فاطمة (عليها السلام) عند الله وقدرها لديه، إذ أراد أن يضرب مثلا على سبيل المجاز لعدم تحقق ذلك حقيقة مطلقا، مما أدى إلى إيذائها صلوات الله وسلامه عليها، حتى أنزل الله قرآنا يعلم فيه أن غضبها غضب الله ورضاها رضا الله تعالى، فكيف والحال هذه بمن يعمد إلى أذى فاطمة حقيقة، أو يكون سببا للإقلال من شأنها (عليها السلام)؟ أليس ذلك يكون سببا للعنة والعذاب من الله تعالى؟! وهو مصداق قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) " غضب فاطمة غضبي ورضاها رضاي ". ولا يخفى أن غضبه غضب الله تعالى، وغضب فاطمة غضبه (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يعني أن غضب فاطمة غضب الله تعالى.
على أنا نشدد النكير على من قال بعدم التفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل حاشاه وهو سيد الحكماء، إذ كيف لا يكون ملتفتا إلى أن غضب فاطمة هو غضب الله تعالى، وهو يؤكد في كل مناسبة أن رضا فاطمة رضاي وغضبها غضبي؟! وكيف يعاتب (صلى الله عليه وآله وسلم) على قول أو فعل وقد قال فيه تعالى:﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾ 5؟!
فظهر من ذلك أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان تأديبا لأمته، وتعليما منه إياها، وتحذيرا لها من أن ترتكب في فاطمة ما يغضبها حقا، فإن إيذاءها في ضرب مثل على نحو المجاز كان سببا لغضب الله تعالى وتهديده بأن ذلك سيكون سببا لإحباط العمل، فكيف بمن يقصد إلى إيذاءها حقيقة أو يعمد إلى التقليل من شأنها صلوات الله عليها؟! على أن الخطاب القرآني هنا غير موجه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ كان الغضب الإلهي وإحباط العمل والتهديد مقصود منه الأمة، فالقرآن نزل " بإياك أعني واسمعي يا جارة "، فهو قرآن عربي مبين نزل على لغة العرب، والعرب تخاطب الرجل التميمي مثلا بما جنته عشيرته وإن لم يكن هو قد ارتكب ذلك، فتقول: ألم تقتل النساء؟ ألم تغير على الآمنين؟ ألم تسرق كذا وكذا؟ مع أنه لم يقتل أحدا ولم يسرق شيئا ولم يرتكب ما ارتكبته عشيرته، إلا أن الخطاب قد وجهته إلى رجل منهم فكان هو المخاطب بما جنته عشيرته، وهذا ما أفاده الإمام زين العابدين (عليه السلام) من تقريب الخطاب القرآني وكيفية توجهه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قصدت منه أمته.
وهكذا الآية هنا فهي في صدد تحذير الأمة وتهديدها من ارتكاب ما يخالف فاطمة (عليها السلام)، إلا أن الخطاب كان موجها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، مقصودا منه أمته 6.
المصادر
1. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 65، الصفحة: 465.
2. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 22، الصفحة: 323.
3. المناقب لابن شهرآشوب 3: 324 وفي البحار 43: 43 والعوالم للسيد البحراني: 72.
4. نفس مصدري البحار والعوالم.
5. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 4، الصفحة: 526.
6. المصدر: کتاب ما نزل من القرآن في شأن فاطمة(ع)ِ لسماحة السيد محمد علي الحلو.
تعليق