(السلام عليك، سلام العارف بحرمتك، المخلص في ولايتك، المتقرب إلى الله بمحبتك، البريء من أعدائك، سلام من قلبه بمصابك مقروح، ودمعه
عند ذكرك مسفوح، سلام المفجوع المحزون، الواله المستكين، سلام من لو كان معك بالطفوف لوقاك بنفسه حدّ السيوف، وبذل حشاشته دونك
للحتوف، وجاهد بين يديك، ونصرك على من بغى عليك، وفداك بروحه وجسده، وماله وولده، وروحه لروحك فداء، وأهله لأهلك وقاء، فلئن
أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ
عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً، حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب...).
هذا مقطع من زيارة الناحية المقدسة التي ورد أن الإمام المهدي عليه السلام زار بها جدّه الإمام الحسين عليه السلام وحكت هذه الكلمات مدى تألم
الإمام عليه السلام على فجائع جدّه الإمام الحسين عليه السلام فقد ودّ أن يكون معه في ساحة (الطفوف) ليفديه بنفسه ويقيه بمهجته ويدفع عنه ما
حلّ به من عظيم الرزايا ولا يخفى أن التألم على الإمام الحسين عليه السلام ليس مختصاً بالإمام المهدي عليه السلام بل هو عام لدى كلّ الأئمة عليهم السلام.
لكن هناك نقطة يختلف فيها الإمام المهدي عليه السلام عن بقية الأئمة عليهم السلام وهي أن الإمام المهدي عليه السلام هو الذي ادّخره الله عز
وجل حتى يأخذ بثار جدّه الإمام الحسين عليه السلام ولكنه عليه السلام الآن لا يستطيع أن يؤدي هذه المَهمة التي أوكلت إليه لأمر علمه عند الله
عز وجل فهو يرى قميص جده عليه السلام معلقاً أمامه وقتلة جدّه وذراريهم يتنعمون وهذا مما يزيد ألم الإمام عليه السلام ؛ لذا نجده عليه السلام
اختار طريقاً آخر لعلّه يخفف من هذا الألم وهو ما ذكره في الزيارة (...فلأندبنك صباحاً ومساء، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك
وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً، حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب...).
إنّ إمام العصر سلام الله عليه خاطب جدّه سيد الشهداء عليه السلام قائلاً: "لأندبنك صباحاً ومساءً" فالندبة هي: البكاء مع العويل والصراخ.
فأين تكون هذه الندبة من الإمام الحجة عليه السلام لجدّه المظلوم؟ أفي الصحراء أم غيرها؟ وماذا يتذكر الإمام الحجة عليه السلام ؟ وأيّ مصيبة
من مصائب جدّه يستحضر بحيث إنه لا يفتر ولا يبرد لا شتاءً ولا صيفاً؟! إنّ الإنسان المفجوع قد يهدأ ويبرد تدريجياً، أمّا الإمام الحجة عليه
السلام فلا يهدأ أبداً بل يندب جدّه ليل، نهار.
ثم إنه عليه السلام قال: "ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً" فإنه ربّما يُقال: الدمع ـ الذي هو بخار الدم في عروق المقلة ـ إذا تدفّق بكثرة، قلل من
قابلية تبخّر رطوبات الدم، فيجري الدم نفسه من عروق الأجفان، أو أنّ الشرايين الدقيقة في الأجفان تتمزّق فيهمل منها الدم.
ويُقال: إن مستودع الدم الذي هو مصدر الدمع ومنبعه، يشبه الكيس الموجود خلف العينين، فإذا جرح يتحوّل الدم الذي فيه إلى دموع، فلو بكى
الإنسان كثيراً وبشدّة تحول بكاؤه على أثر جفاف الدمع إلى دم.
الجدير بالذكر أن الإنسان تارة يفقد عزيزاً له فيبكي عليه يوماً أو يومين أو أسبوعاً بشدة فتخرج من عينيه قطرة من الدم؛ فإن منبع الدمع عندما
يفقد قدرته على بثّ الدموع يتحول البكاء بالدمع إلى دم وتنزل من الإنسان قطرة أو قطرتان من الدم.
وهذا معناه أن الإمام الحجة عليه السلام يبكي على الإمام الحسين عليه السلام دماً كلَّ يوم وليس فقط يوم عاشوراء؛ إذ إن مصيبة سيد الشهداء
عليه السلام وأهل بيته مصيبة استثنائية وشاءت إرادة السماء أن لا يكون لها نظير في الكون منذ الأزل وإلى يوم يُبعثون.
آلاء السلامي
تم نشره في المجلة العدد64
تعليق