ومن وصية له للحسن بن علي عليهما السلام كتبها إليه بحاضرين منصرفا من صفين من الوالد الفان المقر للزمان المدبر العمر المستسلم للدهر الذام للدنيا الساكن مساكن الموتى والظاعن عنها غدا إلى المولود المؤمل مالا يدرك السالك سبيل من قد هلك غرض الاسقام ورهينة الايام ورمية المصائب وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا وأسير الموت وحليف الهموم وقرين الاكياس العقلاء جمع كيس كسيد والانكاس جمع نكس بكسر النون الدنئ الخسيس نكب عدل وجار مال وخبط مشى على غير هداية والتيه الضلال أجريت مطيتك مسرعا إلى غاية خسران أولجتك أدخلتك وأقحمتك رمت بك في الغي ضد الرشاد أوعرت أخشنت وصعبت حاضرين اسم بلدة في نواحي صفين المعترف له بالشدة يؤمل البقاء وهو مما لا يدركه أحد هدفها ترمى إليه سهامها والرهينة الاحزان ونصب الآفات وصريع الشهوات وخليفة الاموات أما بعد فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني وجموح الدهر علي وإقبال الآخرة إلى ما يزعني عن ذكر من سواى والاهتمام بما ورائي غير أني حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي فصدفني رأيي وصرفني عن هواي وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب وصدق لا يشوبه كذب ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي فكتبت إليك مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت فإني أوصيك بتقوى الله أي بني ولزوم أمره وعمارة قلبك بذكره والاعتصام بحبله وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به أحي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة وقوه باليقين ونوره المرهونة أي أنه في قبضتها وحكمها والرمية ما أصابه السهم من قولهم فلان نصب عيني بالضم أي لا يفارقني والصريع الطريح جموح الدهر استعصاؤه وتغلبه ما مفعول تبينت من أمر الآخرة صدفه صرفه والضمير في صرفني للرأي ومحض الامر خالصه مفعول كتب هو قوله فإني أوصيك الخ وقوله بالحكمة وذلله بذكر الموت وقرره بالفناء وبصره فجائع الدنيا وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي والايام واعرض عليه أخبار الماضين وذكره بما أصاب من كان قبلك من الاولين وسر في ديارهم وآثارهم فانظر فيما فعلوا وعما انتقلوا وأين حلوا ونزلوا فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الاحبة وحلوا ديار الغربة وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فاصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لم تكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الاهوال وأمر بالمعروف تكن من أهله وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك وجاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم وخض الغمرات للحق حيث كان وتفقه في الدين وعود نفسك التصبر على المكروه ونعم الخلق التصبر وألجئ نفسك في الامور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز وأخلص في المسألة لربك فإن مستظهرا به أي مستعينا بما أكتب إليك على ميل قلبك وهوى نفسك اطلب منه الاقرار بالفناء وبصره أي اجعله بصيرا بالفجائع جمع فجيعة وهي المصيبة تفزع بحلولها باين أي باعد وجانب الذي يفعل المنكر الغمرات الشدائد الكهف بيده العطاء والحرمان وأكثر الاستخارة وتفهم وصيتى ولا تذهبن عنها صفحا فإن خير القول ما نفع واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه أي بني إني لما رأيتني قد بلغت سنا ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إليك وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي وأن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا فتكون كالصعب النفور وإنما قلب الحدث كالارض الخالية ما ألقي فيها من شئ قبلته فبادرتك بالادب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته فتكون قد كفيت مؤونة الطلب وعوفيت من الملجأ والحريز الحافظ الاستخارة إجالة الرأي في الامر قبل فعله لاختيار أفضل وجوهه صفحا أي جانبا أي لا تعرض عنها لا يحق بكسر الحاء وضمها أي لا يكون من الحق كالسخر ونحوه أي وصلت النهاية من جهة السن والوهن الضعف أفضى ألقى إليك وأن أنقص عطف على أن يعجل أي يسبقني بالاستيلاء على قلبك غلبات الاهواء فلا تتمكن نصيحتي من النفوذ إلى فؤادك فتكون كالفرس الصعب غير المذلل والنفور ضد الآنس ليكون جد رأيك أي محققه وثابته مستعدا لقبول الحقائق التي وقف عليها أهل التجارب وكفوك طلبها والبغية بالكسر الطلب علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك ما ربما أظلم علينا منه أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضرره فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله وصرفت عنك مجهوله ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر ذو نية سليمة ونفس صافية وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله وشرائع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه لا أجاوز ذلك بك إلى غيره ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم فكان استبان ظهر إذا انضم رأيه إلى آراء أهل التجارب فربما يظهر له ما لم يكن ظهر لهم فان رأيه يأتي بأمر جديد لم يكونوا أتوا به النخيل المختار المصفى وتوخيت أى تحريت أجمعت عزمت عطف على يعني الوالد أن يكون مفعول رأيت لا أتعدى بك كتاب الله إلى غيره بل أقف بك عنده أشفقت أي خشيت وخفت مثل صفة لمفعول مطلق محذوف أي التباسا مثل الذي كان لهم إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك وأن يهديك لقصدك فعهدت إليك وصيتي هذه واعلم يا بني أن أحب ما أنت آخذ به إلي من وصيتي تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك والاخذ بما مضى عليه الاولون من آبائك والصالحون من أهل بيتك فإنهم لم يدعوا أن نظروا لانفسهم كما أنت ناظر وفكروا كما أنت مفكر ثم ردهم آخر ذلك إلى الاخذ بما عرفوا والامساك عما لم يكلفوا فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم لا بتورط الشبهات وعلو الخصومات وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك والرغبة إليه في توفيقك وترك كل شائبة أولجتك في شبهة أو أسلمتك إلى ضلالة فإذا أيقنت أن أي أنك وإن كنت تكره أن ينبهك أحد لما ذكرت لك فإني أعد إتقان التنبيه على كراهتك له أحب إلي من اسلامك أي إلقائك إلى أمر تخشى عليك به الهلكة لم يتركوا النظر لانفسهم في أول أمرهم بعين لا ترى نقصا ولا تحذر خطرا ثم ردتهم آلام التجربة إلى الاخذ بما عرفوا حسن عاقبته وإمساك أنفسهم عن عمل لم يكلفهم الله إتيانه الشائبة ما يشوب الفكر من شك وحيرة وأولجتك أدخلتك قد صفا قلبك فخشع وتم رأيك فاجتمع وكان همك في ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت لك وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك وفراغ نظرك وفكرك فاعلم أنك إنما تخبط العشواء وتتورط الظلماء وليس طالب الدين من خبط أو خلط والامساك عن ذلك أمثل فتفهم يا بني وصيتي وأعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة وأن الخالق هو المميت وأن المفني هو المعيد وأن المبتلي هو المعافي وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم فإن أشكل عليك شئ من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول ما خلقت خلقت جاهلا ثم علمت وما أكثر ما تجهل من الامر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك فاعتصم بالذي خلقك العشواء الضعيفة البصر أي تخبط خبط الناقة العشواء لا تأمن أن تسقط فيما لا خلاص منه وتورط الامر دخل فيه على صعوبة في التخلص منه حبس النفس عن الخلط والخبط في الدين أحسن لا تثبت الدنيا إلا على ما أودع الله في طبيعتها من التلون بالنعماء تارة والاختبار بالبلاء تارة وأعقابها للجزاء في المعاد يوم القيامة على الخير خيرا وعلى الشر شرا ورزقك وسواك وليكن له تعبدك وإليه رغبتك ومنه شفقتك واعلم يا بني أن أحدا لم ينبئ عن الله كما أنبأ عنه الرسول صلى الله عليه وآله فارض به رائدا وإلى النجاة قائدا فإني لم آلك نصيحة وإنك لم تبلغ في النظر لنفسك وإن اجتهدت مبلغ نظري لك واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لاتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه لا يضاده في ملكه أحد ولا يزول أبدا ولم يزل أول قبل الاشياء بلا أولية وآخر بعد الاشياء بلا نهاية عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره وقلة مقدرته وكثرة عجزه وعظيم حاجته إلى ربه في طلب طاعتك والرهبة من عقوبته والشفقة من سخطه فإنه لم يأمرك إلا بحسن ولم ينهك إلا عن قبيح شفقتك أي خوفك الرائد من ترسله في طلب الكلا ليتعرف موقعه والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا فهو رائد سعادتنا لم أقصر في نصيحتك فهو أول بالنسبة إلى الاشياء لكونه قبلها إلا أنه لا أولية أي لا ابتداء له خطره أي قدره يا بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وزوالها وانتقالها وأنبأتك عن الآخرة وما أعد لاهلها فيها وضربت لك فيهما الامثال لتعتبر بها وتحذو عليها إنما مثل من خبر الدنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب فأموا منزلا خصيبا وجنابا مريعا فاحتملوا وعثاء الطريق وفراق الصديق وخشونة السفر وجشوبة المطعم ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم فليس يجدون لشئ من ذلك ألما ولا يرون نفقة مغرما ولا شئ أحب إليهم مما قربهم من منزلهم وأدناهم من محلهم ومثل من اغتر بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب فنبا بهم إلى منزل جديب فليس شئ أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه إلى ما يهجمون عليه ويصيرون إليه يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم وأحسن كما تحب أن يحسن إليك واستقبح من نفسك خبر الدنيا عرفها كما هي بامتحان أحوالها والسفر بفتح فسكون المسافرون ونبا المنزل بأهله لم يوافقهم المقام فيه لوخامته والجديب المقحط لا خير فيه وأموا قصدوا والجناب الناحية والمريع بفتح فكسر كثير العشب وعثاء السفر مشقته والجشوبة بضم الجيم الغلظ أو كون الطعام بلا أدم هجم عليه انتهى إليه بغتة ما تستقبح من غيرك وأرض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ولا تقل مالا تعلم وإن قل ما تعلم ولا تقل ما لاتحب أن يقال لك واعلم أن الاعجاب ضد الصواب وآفة الالباب فاسع في كدحك ولا تكن خازنا لغيرك وإذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك واعلم أن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة ومشقة شديدة وأنه لا غنى لك فيه عن حسن الارتياد قدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك فيكون ثقل ذلك وبالا عليك وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمله إياه وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تطلبه فلا تجده واغتنم من استقرضك إذا عاملوك بمثل ما تعاملهم فارض بذلك ولا تطلب منهم أزيد مما تقدم لهم الاعجاب استحسان ما يصدر عن النفس مطلقا وهو خلق من أعظم الاخلاق مصيبة على صاحبه ومن أشد الآفات ضررا لقلبه الكدح أشد السعي لا تحرص على جمع المال ليأخذه الوارثون بعدك بل أنفق فيما يجلب رضاء الله عنك هو طريق السعادة الابدية الارتياد الطلب وحسنه إتيانه من وجهه والبلاغ بالفتح الكفاية الفاقة الفقر وإذا أسعفت الفقراء بالمال كان أجر الاسعاف وثوابه ذخيرة تنالها في القيامة فكأنهم حملوا عنك زادا يبلغك موطن سعادتك يؤدونه إليك وقت الحاجة وهذا الكلام من أفصح ما قيل في الحث في حال غناك ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك واعلم أن أمامك عقبة كؤودا المخف فيها أحسن حالا من المثقل والمبطئ عليها أقبح حالا من المسرع وأن مهبطك بها لا محالة على جنة أو على نار فارتد لنفسك قبل نزولك ووطئ المنزل قبل حلولك فليس بعد الموت مستعتب ولا إلى الدنيا منصرف واعلم أن الذي بيده خزائن السموات والارض قد أذن لك في الدعاء وتكفل لك بالاجابة وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ولم يعاجلك بالنقمة ولم يعيرك بالانابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى ولم يشدد عليك في قبول الانابة ولم يناقشك بالجريمة ولم يؤيسك من الرحمة بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة وحسب سيئتك واحدة وحسب على الصدقة صعبة المرتقى واالمخف بضم فكسر الذي خفف حمله والمثقل بعكسه وهو من أثقل ظهره بالاوزار ابعث رائدا من طيبات الاعمال توقفك الثقة به على جودة المنزل المستعتب والمنصرف مصدران والاستعتاب الاسترضاء ولا انصراف إلى الدنيا بعد الموت حتى يمكن استرضاء الله بعد إغضابه باستئناف العمل الانابة الرجوع إلى الله والله لا يعير الراجع إليه برجوعه نزوعك رجوعك حسنتك عشرا وفتح لك باب المتاب فإذا ناديته سمع نداءك وإذا ناجيته علم نجواك فأفضيت إليه بحاجتك وأبثثته ذات نفسك وشكوت إليه همومك وأستكشفته كروبك واستعنته على أمورك وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطاء غيره من زيادة الاعمار وصحة الابدان وسعة الارزاق ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته فلا يقنطنك إبطاء إجابته فإن العطية على قدر النية وربما أخرت عنك الاجابة ليكون ذلك أعظم لاجر السائل وأجزل لعطاء الآمل وربما سألت الشئ فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا أوصرف عنك لما هو خير لك فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له واعلم أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا وللفناء لا للبقاء المناجاة المكالمة سرا والله يعلم السر كما يعلم العلن أفضيت ألقيت وأبثثته كاشفته وذات النفس حالتها طلبت كشفها الشؤبوب بالضم الدفعة من المطر وما أشبه رحمة الله بالمطر ينزل على الارض الموات فيحييها وما أشبه نوباتها بدفعات المطر القنوط اليأس وللموت لا للحياة وأنك في منزل قلعة ودار بلغة وطريق إلى الآخرة وأنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه ولا بد أنه مدركه فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك وشددت له أزرك ولا يأتيك بغتة فيبهرك وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها وتكالبهم عليها فقد نبأك الله عنها ونعت لك نفسها وتكشفت لك عن مساويها فإنما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية يهر ببعضها بعضا ويأكل عزيزها ذليلها ويقهر قلعة بضم القاف وسكون اللام وبضمتين وبضم ففتح يقال منزل قلعة أي لا يملك لنازله أو لا يدري متى ينتقل عنه والبلغة الكفاية أي دار تؤخذ منها الكفاية للآخرة الحذر بالكسر الاحتراز والاحتراس والازر بالفتح القوة بهر كمنع غلب أي يغلبك على أمرك إخلاد أهل الدنيا سكونهم إليها والتكالب التواثب نعاه أخبر بموته والدنيا تخبر بحالها عن فنائها ضارية مولعة بالافتراس يهر بكسر الهاء وضمها أي يمقت ويكره بعضها بعضا كبيرها صغيرها نعم معقلة وأخرى مهملة قد أضلت عقولها وركبت مجهولها سروح عاهة بواد وعث ليس لها راع يقيمها ولا مقيم يسيمها سلكت بهم الدنيا طريق العمى وأخذت بأبصارهم عن منار الهدى فتاهوا في حيرتها وغرقوا في نعمتها واتخذوها ربا فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراءها رويدا يسفر الظلام كأن قد وردت الاظعان يوشك من أسرع أن يلحق واعلم أن من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان واقفا ويقطع المسافة وإن كان مقيما وادعا واعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك وأنك في سبيل من كان قبلك فخفض في الطلب وأجمل في المكتسب فإنه عقل البعير بالتشديد شد وظيفه إلى ذراعه والنعم بالتحريك الابل أي إبل منعها عن الشر عقالها وهم الضعفاء وأخرى مهملة تأتي من السوء ما تشاء وهم الاقوياء أضلت أضاعت عقولها وركبت طريقها المجهول لها السروح بالضم جمع سرح بفتح فسكون وهو المال السائم من إبل ونحوها والعاهة الآفة أي أنهم يسرحون لرعي الآفات وادي المتاعب والوعث الرخو يصعب السير فيه أسام الدابة سرحها إلى المرعى يسفر أي يكشف ظلام الجهل عما خفي من الحقيقة عند انجلاء الغفلة بحلول المنية الاظعان جمع ظعينة وهو الهودج تركب فيه المرأة عبر به عن المسافرين في طريق الدنيا إلى الآخرة كأن حالهم أن وردوا على غاية سيرهم الوادع الساكن المستريح خفض أمر من خفض بالتشديد أي رفق وأجمل في كسبه أي سعى سعيا جميلا لا يحرص فيمنع الحق ولا يطمع فيتناول ما ليس بحق رب طلب قد جر إلى حرب فليس كل طالب بمرزوق ولا كل مجمل بمحروم وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا وما خير خير لا ينال إلا بشر ويسر لا ينال إلا بعسر وإياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل فإنك مدرك قسمك وآخذ سهمك وإن اليسير من الله سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإن كان كل منه وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء وحفظ ما في يديك أحب الحرب بالتحريك سلب المال إن رغائب المال إنما تطلب لصون النفس عن الابتذال فلو بذل باذل نفسه لتحصيل المال فقد ضيع ما هو المقصود من المال فكان جمع المال عبثا ولا عوض لما ضيع يريد أي خير في شئ سماه الناس خيرا وهو مما لا يناله الانسان إلا بالشر فإن كان طريقه شرا فكيف يكون هو خيرا إن العسر الذي يخشاه الانسان هو ما يضطره لرذيل الفعال فهو يسعى كل جهده ليتحامى الوقوع فيه فإن جعل الرذائل وسيلة لكسب اليسر أي السعة فقد وقع أول الامر فيما يهرب منه فما الفائدة في يسره وهو لا يحميه من النقيصة توجف تسرع والمناهل ما ترده الابل ونحوها للشرب التلافي التدارك لاصلاح ما فسد أو كاد إلى من طلب ما في يد غيرك ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور والمرء أحفظ لسره ورب ساع فيما يضره من أكثر أهجر ومن تفكر أبصر قارن أهل الخير تكن منهم وباين أهل الشر تبن عنهم بئس الطعام الحرام وظلم الضعيف أفحش الظلم إذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا ربما كان الدواء داء والداء دواء وربما نصح غير الناصح وغش المستنصح وإياك واتكالك على المنى فإنها بضائع الموتى والعقل حفظ التجارب وخير ما جريت وما فرط أي قصر عن إفادة الغرض أو إنالة الوطر وإدراك ما فات هو اللحاق به لاجل استرجاعه وفات أي سبق إلى غير صواب وسابق الكلام لا يدرك فيسترجع بخلاف مقصر السكوت فسهل تداركه وإنما يحفظ الماء في القربة مثلا بشد وكائها أي رباطها وإن لم يشد الوكاء صب ما في الوعاء ولم يمكن إرجاعه فكذلك اللسان إرشاد للاقتصاد في المال فالاولى عدم إباحته لشخص آخر وإلا فشا قد يسعى الانسان بقصد فائدته فينقلب سعيه بالضرر عليه لجهله أو سوء قصده أهجر إهجارا وهجرا بالضم هذا في كلامه وكثير الكلام لا يخلو من الاهجار إذا كان المقام يلزمه العنف فيكون إبداله بالرفق عنفا ويكون العنف من الرفق وذلك كمقام التأديب وإجراء الحدود مثلا والخرق بالضم العنف المستنصح اسم مفعول المطلوب منه النصح فيلزم التفكر والتروي في جميع الاحوال لئلا يروج غش أو تنبذ نصيحة المنى جمع منية بضم فسكون ما يتمناه الشخص لنفسه ويعلل نفسه باحتمال الوصول إليه وهي بضائع الموتى لان المتجر بها يموت ولا يصل إلى شئ فإن تمنيت فاعمل ما وعظك بادر الفرصة قبل أن تكون غصة ليس كطالب يصيب ولا كل غائب يؤوب ومن الفساد إضاعة الزاد ومفسدة المعاد ولكل أمر عاقبة سوف يأتيك ما قدر لك التاجر مخاطر ورب يسير أنمى من كثير لا خير في معين مهين ولا في صديق ظنين ساهل الدهر ما ذل لك قعوده ولا تخاطر بشئ رجاء أكثر منه وإياك أن تجمح بك مطية اللجاج أحمل نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة وعند صدوده على اللطف والمقاربة وعند جموده على البذل وعند تباعده على الدنو وعند شدته على اللين وعند جرمه على العذر حتى كأنك له عبد وكأنه ذو نعمة عليك وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه أو أن تفعله بغير لامنيتك أفضل التجربة ما زجرت عن سيئة وحملت على حسنة وذلك الموعظة زاد الصالحات والتقوى أو المراد إضاعة المال مع مفسدة المعاد بالاسراف في الشهوات وهو أظهر مهين إما بفتح الميم بمعنى حقير فإن الحقير لا يصلح لان يكون معينا أو بضمها بمعنى فاعل الاهانة فيعينك ويهينك فيفسد ما يصلح والظنين بالظاء المتهم وبالضاد البخيل القعود بالفتح من الابل ما يقتعده الراعي في كل حاجته ويقال للبكر إلى أن يثنى وللفصيل أي ساهل الدهر مادام منقادا وخذ حظك من قياده اللجاج بالفتح الخصومة أي أحذرك من أن تغلبك الخصومات فلا تملك نفسك من الوقوع في مضارها صرمه قطيعته أي ألزم نفسك بصلة صديقك إذا قطعك الخ جموده بخله أهله لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة وتجرع الغيظ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ مغبة ولن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية ترجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما ومن ظن بك خيرا فصدق ظنه ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك ولا ترغبن فيمن زهد فيك ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته ولا تكونن على الاساءة أقوى منك على الاحسان ولا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرته ونفعك وليس جزاء من سرك أن تسوءه المغبة بفتحتين ثم باء مشددة بمعنى العاقبة وكظم الغيظ وإن صعب على النفس في وقته إلا أنها تجد لذته عند الافاقة من الغيظ فللعفو لذة إن كان في محله وللخلاص من الضرر المعقب لفعل الغضب لذة أخرى لن أمر من اللين ضد الغلظ والخشونة ظفر الانتقام وظفر التملك بالاحسان والثاني أحلى وأربح فائدة بقية من الصلة يسهل لك معها الرجوع إليه إذا ظهر له حسن العودة صدقه بلزوم ما ظن بك من الخبر مراده إذا أتى أخوك بأسباب القطيعة فقابلها بموجبات الصلة حتى تغلبه ولا يصح أن يكون أقدر على ما يوجب القطيعة منك على ما يوجب الصلة وهذا أبلغ قول في لزوم حفظ الصداقة واعلم يا بني أن الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن أنت لم تأته أتاك ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى إن لك من دنياك ما أصلحت به مثواك وإن جزعت على ما تفلت من يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك استدل على ما لم يكن بما قد كان فإن الامور أشباه ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلا إذا بالغت في إيلامه فإن العاقل يتعظ بالآداب والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين من ترك القصد جار والصاحب مناسب والصديق من صدق غيبه والهوى شريك العناء رب قريب أبعد من بعيد ورب بعيد أقرب من قريب والغريب من لم يكن له حبيب من تعدى الحق ضاق مذهبه ومن اقتصر على قدره كان أبقى له وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله ومن لم يبالك فهو عدوك قد يكون اليأس إدراكا إذا منزلتك من الكرامة في الدنيا والآخرة تفلت بتشديد اللام أي تملص من اليد فلم تحفظه فالذي يجزع على مافاته كالذي يجزع على ما لم يصله والثاني لا يحصر فينال فالجزع عليه غير لائق فكذا الاول القصد الاعتدال وجار مال عن الصواب يراعى فيه ما يراعى في قرابة النسب الغيب صد الحضور أي من حفظ لك حقك وهو غائب عنك الهوى شهوة غير منضبطة ولا مملوكة بسلطان الشرع والادب والعناء الشقاء لم يبالك أي لم يهتم بأمرك باليته وباليت به أي راعيت واعتنيت به وفي نسخة والهوى شريك العمى كان الطمع هلاكا ليس كل عورة تظهر ولا كل فرصة تصاب وربما أخطأ البصير قصده وأصاب الاعمى رشده أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل من أمن الزمان خانه ومن أعظمه أهانه ليس كل من رمى أصاب إذا تغير السلطان تغير الزمان سل عن الرفيق قبل الطريق وعن الجار قبل الدار إياك أن تذكر في الكلام ما يكون مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك وإياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن فإن شدة الحجاب أبقى عليهن وليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن وإن اسطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ولا تعد بكرامتها نفسها ولا تطمعها في أن تشفع بغيرها وإياك لان فرص الشر لا تنقضي لكثرة طرقه وطريق الخير واحد وهو الحق من هاب شيئا سلطه على نفسه الافن بالتحريك ضعف الرأي والوهن الضعف أي إذا أدخلت على النساء من لا يوثق بأمانته فكأنك أخرجتهن إلى مختلط العامة فأي فرق بينهما القهرمان الذي يحكم في الامور ويتصرف فيها بأمره ولا تعد بفتح فسكون أي لا تجاوز بإكرامها نفسها فتكرم غيرها بشفاعتها أين هذه الوصية من حال الذين يصرفون النساء في مصالح الامة والتغاير في غير موضع غيرة فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم والبريئة إلى الريب واجعل لكل إنسان من خدمك عملا تأخذه به فإنه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير ويدك التي بها تصول أستودع الله دينك ودنياك وأساله خير القضاء لك في العاجلة والآجلة والدنيا والآخرة والسلام
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
عاجل 00عاجل وصية الامام علي الى الامام الحسن
تقليص