(ضوء خافت يتحرك بزوايا المسرح، والصمت لمدة 30 ثانية ثم يبدأ أنين خافت لوجع يئن وصوت سوط يجلد مع إيقاعات تضخم.
ظل لرجل يُجلد، وجلاد وصوت أنين متقطع / الرجل المجلود يرتدي ملابسَ قادة ووزراء سلطة فهو ابن الطبقة الحاكمة أو ذيولها، يرتدي ملابسا أنيقة، عاري الصدر مكشوف الظهر مكتوف الأيدي)
-الشاهد:
يغمرني المشهد الذي أرى بالدهشة، ابن سلطة يجلد بسياطها / والآهة تطلع من وجع وكأنها من أعماق العرش العباسي
-الفضل بن يحي (مع الشاهد)
هل جئت لتمتع ناظريك بوجعي؟
(مع الجمهور) أنا لست نقيا إلى الحد الذي يترك أثرا لخاطرٍ في قلوب الناس
-الشاهد:
وما هو جرمك لتعاقب بأنياب السياط؟
-أنا الفضل بن يحي:
حين يعبث العابثون بمصير الكون يضيع الهدى ويكثر النفاق
-الشاهد:
ولمَ يقسو الجلاد لهذا الحد وكأنه يقتص من قاتل أبيه؟ الفضل بن يحي:
احذر.. إياك أن تسمعه ما يغضبه فيوشي بك عند الخليفة هارون.
-الشاهد:
أنا رجل من جيل آخر، جاء بعدكم بقرون، جئت لأقرأ أحداث سجن إمامي موسى بن جعفر عليه السلام، وأرحل إلى زمني، جئتكم أبحث عن مرارة الحبس التي نقرأ عنها، وعن معاناته والألم الصارخ الموجع الذي لا يسمعه أحد، من أي البشر أنتم يا عبيد الملوك؟
-الفضل بن يحي:
ما دمت ضيفا سترى بعينك وتعرف ما نحن فيه، أحمل الآن الوجع بصرخة مكتومة بين الأضلاع وإياك أن تعلن ما يغضب السلطان فعبيده يعشون على مقل الشر، يستجوبون الماء خشية أن تذكر قطرة منه عطش الحسين.
-الجلاد:
(يلوح بالسوط عاليا ويضرب ظهر الفضل) أنت مع من تتحدث؟
وكأنك تحدث نفسك؟
هل أنت تشتمني.. أم تشتم الخليفة هارون؟
-الفضل بن يحي:
هل سمعتني قلت شيئا؟
-الجلاد:
لا، لكني أعرف أنك قلت أشياءً كثيرةً
الفضل بن يحي:
-لكل واحد منا اسمه ولونه وهويته وميزة الوجدان هوية تسمو على كل انتماء
-الجلاد:
أنت مع من تتكلم؟
-الفضل بن يحي:
لا أحد، أنت شغلك هنا هو جلدي تنفيذا لا وأمر الخليفة هارون
-الجلاد:
ومن أين يدري الخليفة هارون ما يجري بينك وبين موسى بن جعفر لولا يخبره الناس؟
الفضل بن يحي:
النفاق
-الجلاد:
وأنتم لم تقصروا
-الفضل بن يحي:
المنافق ظل الحاكم في كل زمان ومكان.. أنت أجلد، لا عليك بهذه الأمور، مهمتك الجلد فقط..
-الجلاد:
(يشحذ همته بالجلد بقوة والآهات تتعالى)
-الشاهد:
الغريب أنك جزء من هذا العرش، لعنة من لعنات التأريخ، وبيت البرامكة زعيق بأناقة صمت
(الجلاد يجلد بصوت مسموع) هل مات في مزاياك الحلم فمددت يد الجشع إلى عرش هارون؟
هل أردت أن تقوم بثورة.. هل أردت أن تكون الرشد الملتف على أحداق العروش.. وإلَّا فما هو جرمك؟
-الجلاد:
لم يعملها أحد قبلك وأنت تعرف كره هارون الخليفة لموسى بن جعفر، خنت راعي النعمة كل هذا ليقولَ الناس أنك صاحب موقف نبيل مع إمام الرافضة
ولكنك لو كنت تملك عقلا بما يحتاجه رجل السياسة لعرفت أنك لا يمكن أن تحب موسى بن جعفر أكثر من مولاي الخليفة؟
-الفضل بن يحي:
هل رأيت من قبل ابتسامةً نادبة؟
-الجلاد:
ماذا؟
-الفضل بن يحي:
حلم أعور
-الجلاد:
ماذا؟
-الفضل بن يحي:
ابتسامة ثكلى
-الجلاد:
فهمت تسخر مني (يشد الضرب بقوة)
-الفضل بن يحي:
هذا كل الذي تعرفه في الحياة
(مع الشاهد) هل سمعت من قبل خادما ذليلا لعرشِ سلطان يجلد وزيرا لكونه لاطف سجينا، والبغل ظن شحيجه صهيلا فصال
-الشاهد:
عبرتُ القرون وتجاوزتُ سيطرات الشرطة عند كل عرش بليد،
جئت لأبحثَ في ذاكرة الأمس عن إمامي موسى بن جعفر عليهما السلام
-الفضل:
حنايا من صلب السماوات.. وجبهة النور.. والشمس في محنة حين تراه، سأحتفظ بالصمت الذي بين محياه، سأبحر معك إليه طيفَ محبة، أصحو على عيون الحق في فضاء الأمنيات
-الشاهد:
أخذتني الدهشة في معناك، من أنت وماهي جنايتك كي تجلد بهذا الشكل المروع
-الفضل بن يحي:
أنا الفضل بن يحي البرمكي
-الشاهد:
ابن عائلة كانت من ألد أعداء الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، ابن من تسكع وتفرد بحقد الإمام، ابن بيت تربى على حقد أهل البيت عليهم السلام
حتى فقدتم الصوت وصار البيت أخرس،
صدقني يا بن يحي ليس في الكون كله تجد من سار على دروب الحقد بأمان
-الفضل بن يحي:
أنا حملت ذاتي هوية، وتركت في أفق التأريخ واحة تسقي الظامئين سبيل ماء،
شهقة القلب نادت يا إمامي يا موسى بن جعفر.
-الشاهد:
سلام الله عليك سيدي يا موسى بن جعفر
-الفضل بن يحي:
كان بين ضلوعي أسراب أمنيات تستيقظ بين الحين والآخر،
من يدلني سبيل الشفعة كي تجد على يديه انتمائنا للصلاة، لهذا أنا أطمع بالشفاعة من حكمتهِ ومن صبرهِ، ومن هيبةِ الولاء التي تسكنني لحظة أناديه سيدي
-الجلاد:
إذا كنتم توالون ابن جعفر لهذا الحد فلماذا قبلتم أن تكون بيوتكم سجنا له،
-الفضل بن يحي:
وأنت ماذا تفعل في بيتي الآن؟
الجلاد:
أنا لا أجيد مثلك فلسفة الكلام والتمنطق بالحجج وتقارب الأسباب، أنا جلاد وجودي في بيتك يعني أنفذ أوامرَ مولاي هارون جئت أنفذ الأمرَ بأحسن صورة ولم أتعاطف معك بشيء، كوني لا أحب النقائض،
أما أن أكون للخليفة أو أكون لك، وما يدري الخليفة أني أقمت عليك العقوبة، مجرد ادعاء سيصدقني الخليفة وينتهي الأمر، بل سأضع أمامك رجلَ سياسة مثلك هو عيسى بن جعفر وليّ مولاي هارون في البصرة.
فتح المعتقل مدرسة تخرج منها الكثير من العلماء اللذين كان يعلمهم الأحاديث وهو في السجن، حتى خشى مولاي هارون من حدوث الفتن، وقيام الاضطرابات في المدينة فأوعز إلى عيسى باغتيال الإمام (عليه السلام) ليستريح منه ويطمئن باله،
-الفضل بن يحي:
أنا أفهم مسألة واحدة أن سجن موسى بن جعفر ليست عقوبة وإنما تحصين أمان، لهذا لم تكن رعايتي له خيانة مثلما حسبها الخليفة.
-الجلاد:
عندما شعر الخليفة هارون بعدم تنفيذ طلبه في اغتيال الإمام من قبل عيسى عامله على البصرة، خاف منه أن يطلق سراح موسى بن جعفر
-الفضل بن يحي:
يبدو أنك تريد أن تمتهن السياسة
-الجلاد:
دعني أكمل، وكأنك غضبت عندما كشفت لك معناك الذي تريد أن تزيفه ليصلَ إلى الشيعة باعتبارك قدمت تضحية كبيرة
لذلك أمر الخليفة بنقل سجنه إلى بغداد مقيدا بالحديد،
أعرف معنى مقيدا بالحديد.. إنها عقوبة تقواه، وابتعاده عن خط السلطة وعدم خشيته من السلطان
فأمر بحبسه في بيت وزيره الفضل بن الربيع.
لم يعتقله في السجون العامة لمكانة الإمام العالية في المجتمع، وسمو شخصيته لأن الشخصيات الهامة تعتقل في بيوت وزرائه وليس في السجون العامة،
-الفضل بن يحي:
لو كانت يداي طليقتان لصفقت لك
-الجلاد:
لأني عرفت الحقيقة؟
الجميع هنا يدرك الحكاية ويعرف معناها لقد أرسل الخليفة إلى الفضل بن الربيع يأمره بالقتل وكان الفضل يقول للخليفة لا أفعلها حتى لو قتلتني،
الفضل بن يحي:
هذا يعني أنك تتهمني بالجبن؟
-الجلاد:
أنا أريد أن أعرفك على الأمور التي لا تعرفها وأنت بمكانتك.
كان الخليفة هارون يشرف على السجن بنفسه لكونه لم يثق بالعيون التي وضعها عليه في السجن، فأخذ يراقبه بنفسه، ويتطلع على شؤونه خوفاً من أن يتصل به أحد من الناس، وأزيدك علما بأنه هارون كأن يحسد موسى بن جعفر
-الفضل بن جعفر:
يحسده بسجنه وهو يحتكم العرش كله؟
-الجلاد:
كان متأثرا بصلابته
(مشهد جانبي في احدى زوايا المسرح)
-هارون:
هل تعرف يا بن الربيع أن موسى بن جعفر من رهبان بني هاشم!!
الفضل بن الربيع:
ما لك يا مولاي ضيّقت عليه في السجن؟!!
-هارون:
(هيهات.. لابدّ من ذلك).
-الحاجب:
لذلك تراني لم أتعاطف معك بل تطربني الآه التي تلسع ظهرك،
وأتبع أحد الحيل كي أتعب، أجلدك بروحي قبل السوط
-الشاهد:
(يتحرك في زوايا البيت بحثا عن الإمام) سيدي يا موسى بن جعفر
-صوت (بأداء)
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَصَلِّ عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَصِيِّ الأبْرارِ، وَإِمامِ الأَخْيارِ، وَعَيْبَةِ الأنْوارِ، وَوَارِثِ السَّكِينَةِ وَالوَقارِ وَالحِكَمِ وَالآثَارِ، الَّذِي كانَ يُحْيِي اللَيْلَ بِالسَّهَرِ إِلى السَّحَرِ بِمُواصَلَةِ الاسْتِغْفارِ
-الشاهد:
أنا ضيفك سيدي، افتح لي باب القلوب على مصراعيه أحمل لك ضوء السلام،
ومواساة دمع صبور..
على ضلوعي يا أمامي أسراب الدعاء، أنت وطن الشيعة في كل جيل، سلاما مولاي يا موسى بن جعفر
السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها المَقْتُولُ الشَّهِيدُ السَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ رَسُولِ الله وَابْنَ وَصِيِّهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ مُوْسى بْنَ جَعْفَرٍ وَرَحمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.
-الفضل بن يحي:
مواساة يضرمها الأسى تستنهض الألم من قلب مولاي، وهذا هو السجن السادس في فحواه، أخفضُ الصوت عند مرتقاه
-الشاهد:
أنا تخطيت كل تلك الأزمنة وقصدت يا سيدي نداك، أتألم حين أرى خيول الطف تشعل عند سجنك الصهيل
عيون أغمضتها المنافي، تسبح في ذاكرة الهداية أيها القمر،
دمانا تسبقنا إليك مولاي لعيونك توقد القلوب سلاما من أرواحنا قبسا لزيارة معناك
-صوت:
السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها المَقْتُولُ الشَّهِيدُ السَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ رَسُولِ الله وَابْنَ وَصِيِّهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ مُوْسى بْنَ جَعْفَرٍ وَرَحمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.
-الشاهد:
مولاي عطر الشفاعة وابتهالات ترفل بالحنين،
سجنك في كل قلب ينزف دمًا، ويسافر في كل جيلٍ بسملة مطرزة بالهدى، تشرق من القباب العالية، جئتك عبر تلك القرون أحمل إليك دمع العيون ومهج القلوب ورود الدعاء
كي لا يذبل الوجد يوما وكي لا تطفأ في الأرواح يا حسينُ
-صوت:
(أداء) السلام عليك أيها المعذب في قعر السجون وظلم المطامير
-الفضل بن يحي:
جنايتي أني قررت ألا يساومني العرش بجور يخذل الوجدان..
قلبي يرفض أن يسجن سيدي موسى بن جعفر، صرت أطوف بعينيه محاريب الصلاة، لهذا قررت أن أفتح باب الحبس، لأنه وحاشاه ليس من الجناة، سجنوه ليعزلوه، ليبعدوا الناس عن هداه، وللناس في حب موسى بن جعفر حكايات..
-الشاهد:
هل السياط مؤلمة
-الفضل بن يحي:
مؤلمة جدا، أحسها تسري بدمي حرابا.. تمزق القلب وتذوب في روحي قيحا..
وهذا الجلاد لا يعرف سوى الليل المخبوء في صبحه
-الجلاد:
لا ترتعد فالقادم من السياط أكثر وجعا لأني أعتقد أنك تشتمني بدل أن تتوسلني الرحمة.. خذ (يجلد بقوة)
-الفضل بن يحي:
لا أعتقد أن الرحمة مرت يوما على ظل هذا الرجل، مع كل جلدة أرى الشرر يتطاير من عينيه، أرى الموت أجدى له من حياة تولد ميتة (يعلو صوت الأذان)
الصوت الله أكبر ــ الله أكبر
-الشاهد (مع الجلاد):
الأذان يا رجلا
-الفضل:
لو كانوا يستشعرون أذان الله لما كرهوا الإمام موسى بن جعفر، هؤلاء قوم ينامون في نهارات الله ويصحون في الليالي بلا وجه، كي لا توقظ في العتمة كسرة ضوء.
-الجلاد:
لو أعرف فقط ماذا تحدث نفسك لكنت ارتحت
-الفضل بن يحي:
لا شيء.. قلت ربما لم يسمع الأذن ليتركنا نصلي..
الله أكبر ـ الله أكبر
-الجلاد:
لو تتركوه أحسن
-الشاهد:
لماذا؟
الجلاد غضب الخليفة هارون يبطل الصلاة
-الفضل:
لعنة الله عليك وعلى هارون
-الشاهد:
لماذا هذا الإصرار على قتل مولاي الإمام الكاظم.
-الفضل:
بدأت شرارة الحقد منذ أول زيارة هارون إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(تنتقل الإنارة إلى أحدى زوايا المسرح) (الخليفة هارون وحوله رجاله) ----هارون:
السلام عليك يا بن العم يا رسول الله صل الله عليك وسلم
-الفضل بن يحي:
هذا السلام بمثابة هوية تشريع لخلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
-الإمام موسى بن جعفر:
(يزور) السلام عليك يا أبت يا رسول الله
-هارون:
(مع نفسه) أ تحتج علي بأنك أولى بالنبي صلى الله عليه وآله ومن جميع المسلمين، أنا أعرف أنك أحد أسباطه ووريثه لا حاجة أن تذكرني، وأعرف أنك أولى بالخلافة.
- (مع الفضل بن الربيع)
لقد دمر لي هيبتي أمام القادة والأشراف والوجوه التي تحفني، ألا يعلم موسى بن جعفر أني لو سكت له عنها اعترفت له بالخلافة، صدقني يا بن الربيع الخلافة لا تنفعه، هؤلاء أهل البيت عليهم السلام دونها أكبر، الخلافة سياسة قتل.. دمار.. مؤامرات.. كذب.
حياة الخلافة كلها دسائس ألم، يأخذ عبرة مما عانى منها علي بن أبي طالب عليه السلام.
ألا يعلم أن الناس لا تريد الدين بصدقه ومعناه وإنما كل ما تحتاج إليه هو ظل الدين
-الإمام الكاظم ع:
لو ظهر النبي صلى الله عليه وخطب منك ابنتك هل ستزوجه
-هارون:
سبحان الله لكنت أفتخر بذلك على العرب والعجم
-الإمام ع:
لكنه لا يخطب مني ولا أزوجه لأنه والدنا لا والدكم
-هارون:
يا بن الربيع اسجنه وأنا سأستأذن من جده النبي صلى الله عليه وإله كي لا يثير الشغب ويصنع لنا المتاعب، اسجنه يا بن الربيع
-الشاهد:
أفول، والأفول لا يؤذي إلا للخراب..
لكل هذا الخريف المعشعش في العقولِ، والذي يحاصر الفصولَ، والكثير الذي يرى السراب ماءً زلالا، وإذا بالأحلام تسحق تحت سنابك الخيول.
-هارون:
يا بن الربيع قل لموسى بن جعفر لو نازعني جده رسول الله على السلطة لأخذت الذي فيه عيناه.
-الجلاد:
الخاطر الله أنت مع من تتحدث، ذبحتني وكأني أسمعك تشتمني وتشتم هارون وتشتم أمي وأبي (يشدد الجلد على ظهره والفضل يستغيث)
-الفضل:
هارون يحمل الخوفَ حبلا يشنق أنفاسَه ويفترش أسرَّة الموت مغنما ينجيه، يدور بين الناس متخفيا ومتنكرا بزي آخر ووجه آخر
-هارون:
يا بن الربيع شظايا ألم تقضم روحي، أنا عرشي شرطة وذهب، وموسى بن جعفر يجلس في محراب سجنه والناس تبني له في قلوبها ألف عرش، ويطلع لي ألف ألف من الغفاة يلومني على سجني لموسى بن جعفر، ويقول لي اطمئن فالناس يخافون القوة والسلطان وهو لا يدري أن بإمكان موسى بن جعفر أن يكون الجيوش بإيماءة واحدة، لهذا لا تستغرب إذا ما رحت إليه بنفسي لأذبحه كما ذبح ابن سعد جده الحسين
-الفضل بن الربيع:
إن كان الناس في يقظة ونحن الغافين فلنمنح أنفسنا الفرصة لليقظة في حين قريب، وإذا كان الناس في غفلة علينا أن نوقظ الشمس كي تطهّر الأرض من وبال قريب.
-هارون:
أنا مددت لك القلب لتنفض عن كاهله التعب المتراكم من كل الجهات،
-الفضل بن الربيع:
وهل قلت ما يخذلني يا مولاي
-هارون:
أنا يا بن الربيع أكره ما يفزعني، ومن يعبث في روحي غصة خوف
-الفضل ابن الربيع:
وهذا حق العرش والسلطان والحق الشرعي لكل إنسان
لا يمكن أن أرحم في يوم من الأيام علويا يدثره الأمل، ويأويه الانتماء إلى العروش، كان أبي يوصيني أن أبغض كل علوي كي أقدر أن أعيش، كان يقول لي إياك أن ترحم فيهم كفنا أو مرثية تتغنى بمجد لهم حتى لو مات، اقتل - شرد - اسجن - اقبر من شئت بلا رحمة
اقبرهم أحياءً ليخاف حتى ميتهم من بئسك الشديد، طاردهم واجعلهم يهيمون في صحراوات، لا تمنحهم شربة ماء
-الفضل بن الربيع:
ألم تعده بأنك ستعطيه فدكًا
-هارون:
وماذا سيبقى لنا وأهل البيت عندهم فدك أوسع من عرش بني العباس
-الفضل بن الربيع:
أعرف حدودها عند موسى بن جعفر تبدأ من عدن. إلى سمرقند و: (إفريقيا). و(سيف البحر ممّا يلي الجزر وأرمينية).
لم يبق لكم شيء!!
-هارون:
أمنيتي أن أرى في كل بيت علوي الحزن والبكاء والعويل ليلا نهارا
وأن أن تلهب فيهم جذوة الضياع، يا بن الربيع كان أبي يوصيني أن لا حق لأحد منهم عندي حتى لو كان مهضوم حق وألَّا أرحم مظلوما أبدا، واليوم أرى الناس لا يرضيهم هذا العزّ ويتبعون سفر الهالك في سحنه موسى بن جعفر والذي سأجعله يعيش البؤس كل عمره حتى يأتيه الموت..
سأقتله يا بن الربيع وليكظمَ ما شاء من غيظ احتضاره، وأن لم أقتله بنفسي سأجعله وحده من ضيم يموت،
-الشاهد:
من رفيف الجرح جئت لأقرأَ حياة هذا الإمام المحبوس من سجن إلى سجن..
اندهشت لعرش يضمر الحرب في غزوات تريد أن تفتح العالم على مصراعيه، عرش يواجه دولا وأمما واساطين جيوش ويخشى من سجين يقبع في أقاصي الجرح وحيدا
-هارون:
ـ (مع الشاهد)
أوقدتُ النار وحملتُ جيوش الأرض خضت معركة (كيلوبيد أندوس) ضد الدولة البيزنطية وأنا الذي أركعت ملك الروم الإمبراطور (نقفور)، لم يرعش لي قلب يوما من سطوة جيش، إلا أني ما زلت مع كل هذا الجبروت ومع كل هذه السطوة والمنعة أخاف موسى بن جعفر، منفردا بسجنه، أعرف أنه لا يملك أسطولا بحريا ولا جنديا فارسا أو مشاة، لكنه يملك الكون بإصبع متى شاء،
-الفضل بن الربيع (مع الشاهد)
الوشاية هي الليل المسكون بالعتمات، سواد القلب بأهداب لا ترعبني إلا عند الموت.
الوشاية تثير كوامن الحقد المتنامي لقلب أهدرته التفاصيل، وهو يحمل أديم الحقد صوتا.. يبحر بالظنون تأملا.. كي تحمل زوادة الرحيل
معنى يقدر أن يقرأ قيامة التواريخ.. لتكن أنت الشاهد الذي "رأى كل شيء"
(مشهد جلسة يقودها يحي البرمكي)
-يحي البرمكي:
أنا يحي البرمكي وفدت إليك أبحث عن رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا ـ فأوسع له فيها
-علي بن اسماعيل:
أنا ابن أخ موسى بن جعفر علي بن إسماعيل بن جعفر، (موسى بن جعفر) عمي
-يحي البرمكي:
اخبرني عن عمل موسى بن جعفر وعن شيعته والمال الذي يصل إليه
-علي بن إسماعيل:
عندي الخبر الذي يعجبك
-يحي البرمكي
هيء نفسك بعد يومين سآخذك معي إلى بغداد
-الشاهد:
عرفت أن الإمام موسى بن جعفر أرسل على ابن أخيه علي بن إسماعيل
(مشهد في بيت مولاي موسى بن جعفر)
-الإمام ع:
علمت أنك تريد السفر؟
-علي بن إسماعيل:
نعم
-الإمام ع:
إلى أين؟
علي بن إسماعيل:
إلى بغداد
-الإمام:
ماذا تصنع
-علي بن إسماعيل:
عليَّ دين وأنا مملق
-الإمام ع:
أنا أقضي لك دينك وأكفيك أمورك
(علي بن إسماعيل ينصرف)
-الإمام ع:
والله ليسعى في دمي وييتم أولادي
-الشاهد:
جعلني الله فداك، فأنت تعلم هذا من حاله، وتعطيه؟!!
-الإمام ع:
حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال:
(إن الرحم إذا قطعت فوصلت... قطعها الله).
-الفضل بن الربيع:
وقابل علي بن إسماعيل الخليفة هارون
-علي بن إسماعيل:
ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتى رأيت عمي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة، والأموال التي تحمل إليه من كل النواحي وأن له بيوتا وأموالا واشترى ضيعةً بثلاثين ألف ألف دينار سماها "بيسيرية"
-الشاهد:
وما الذي حدث؟
-الفضل بن يحي:
وصل الموت إلى علي بن إسماعيل قبل أن تصله الأموال التي باع روحه من أجلها وأهدر حياة عمه الإمام
-الجلاد:
(يعمل حركات بهلوانية ساخرا من الفضل بن يحي، يؤلمه بالضرب الشديد، والجلاد هو أيضا يصرخ من غضب) ماذا تقول لنفسك؟
إنك تشتمني وتشتم خليفتي، وأعرف أنك تخافني أكثر مما تخاف الخليفة هارون باعتباري أذن، وأنا لست ممن وشى بك، وطوال عمري أعمل جلادا أفعل ما أؤمر به لأعيش لم أوش بأحد، هي الناس تحسد بعضها البعض وتمكر بعضها بالبعض، حتى موسى بن جعفر لم يخلص من شركم وهو يتنقل من سجن إلى سجن، وكأنكم تستخسرون عليه السجن أيضا، يجوز يحسدونك للنعمة التي فيها ويحسدونه لمكانته وعلمه وأنا أرى فيك ظل خائن مهما فعلت، لأنك لو كنت تحبه حقا ما قبلت أن يسجن عندك. وكأنك لا تعرف أن هارون الرشيد يزرع حولك الأفواه والعيون، كنت تتمنى لو يعاقبك هارون بتهمة التساهل مع موسى بن جعفر لأنك أنت أيضا لديك مصلحة وغاية بما حدث.
-الفضل بن يحي:
هل تعتقد أن كلامك منطقيا، هل ثمة إنسان في الكون يفعلها مثلما تؤمن، لو كان لي مطمح في الحياة، لما ملت عن هارون وغاضبته من أجل سجين منفرد، ومن المؤكد سينهي هارون الخليفة حياته بعد حين، أيعقل أن ابن دنيا يترك هارون ويذهب ليتعاطف مع موسى بن جعفر وهو سجين
التعاطف معه شيء والنصرة شيء آخر
القضية ليست قضية حرب، بل قضية إنسانية لا أكثر ونحن نمثل دولة الإسلام.
-الجلاد:
(يشد الضرب) تريد أن تحسِّن صورتك وصورة بيتكم عند شيعة أهل البيت، وكأنك لا تدري أن أباك هو من سجنه، يحي البرمكي أكبر مجرم حارب الشيعة وأهل البيت
-الشاهد:
الحقول حين تبتسم بالشجر وبالثمر والفواكه الندية بالصباحات المترعة بالخير، وروحه خضراء تعشق السماء، لا يمكن أن يسجنها سقفا بليدا، الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أكبر من الدنيا كيف تحتويه طامورة أو بضع سجون؟
-الشاهد:
(يزور) السلام عليك يا صاحب العلم اليقين صوت:
ـ (اداء) السلام عليك يا صاحب العلم
-الفضل بن الربيع:
كلهم نهلوا من علم موسى بن جعفر، وكلهم تمثلوا بورعه وتقواه، كلهم أحبوه لكرمه وسخائه
-الشاهد:
حتى أعداءه.. ومن حاربوه.. ومن سجنوه؟
-الفضل بن الربيع:
نعم كانوا يحبونه.. يحترمونه.. ويبجلونه
-الشاهد:
كيف
-المأمون:
أتدري من شيعني؟
-الشاهد:
لا، من أنت؟
-المأمون:
ـ أنا المأمون بن الرشيد
-الشاهد:
هل أنت شيعي؟
-المأمون:
وأبي أيضا
-الشاهد:
وهارون أباك شيعيا؟
-المأمون:
كان يعرف أن موسى بن جعفر الإمام وأنه أولى بالعرش منه
-الشاهد:
كنت أقرأ عنك بأنك كنت ذكيا، ورجل علم وفكر وثقافة، واليوم تقدم نفسك شيعيا ومعك هارون الذي كان يقتل أهل البيت عليهم السلام وانصارهم
-المأمون:
الملك عقيم
-الشاهد:
تبرير عور، أينما أقرأ أجد هذه العبارة التي تزيد عليكم الوبال،
الشيطان لا يأتي إلا مع كل حلم جميل
-المأمون:
الحكم عقيم
-الشاهد:
كل يحمل في شليله حفنة تبريرات عساها تنجيه.
فإن كان الظالم لا يدري تلك أهون، مثل من يتيه في براري لا يعرف مثواها، لكن من تتيه خطواته بعلمه تلك هي الجريمة، سلام الله عليك مولاي موسى بن جعفر
-صوت (اداء)
لعن الله أمة ظلمتك، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به
-الفضل بن يحي:
لم يرق لهارون أن يسمع الناس يتحدثون عن أي شخص بجميل حتى لو كان من حواشيه، لذلك كان يكره موسى بن جعفر لأن الناس كل الناس تبجله حينما تسمع طاريه
-الشاهد:
تسلحت بالصبر منذ أول خطوة مشيتها وقررت أن أجوب كل تفاصيل الحكاية قريبها وبعيدها لهذا قررت أن أزور المعلم الشيخ موسى بن إبراهيم المروزي
-الفضل بن يحي:
لن تجد عنده أكثر مما حدثناك
-الشاهد:
هاجس في داخلي يقو بل ستجد عنده كل الحقيقة
-المعلم (مع الشاهد):
كن كالفراشة تقطف رحيق الندى من أي وردة تكون
-الشاهد:
لهذا جئت إليك أسعى
-المعلم:
من الأرض تبدأ الخطوة الأولى للارتقاء إلى شامخ النخيل
-الشاهد:
ومنك بدأت
-المعلم:
السندي له ولد أنا أعلمه دون أن آخذ أجرا، أعلمه القراءة والكتابة والقرآن، مقابل هذا سمح لي أن أزور مولاي موسى بن جعفر متى أشاء لأنهل من علومه ما ينفع ولده
(في أحدى زوايا المسرح يقبع سجن الإمام، يدخل المعلم دائما بصحبة بن السندي الذي أحب الإمام وكان يقبل يديه ويتودد له)
-الشاهد:
كل الذين قابلتهم رجال سياسة وأبناء دولة وأهل غايات
-المعلم:
أنا لا أريد سوى خدمة مولاي لأكسب رضا الله ورضا جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
عرفت أشياءً كثيرة وخطيرة من خلال تلميذي الذي صار يكره مهنة أبيه كرئيس لشرطة الخليفة، رجل قاسِ القلب، تحويل سجن الإمام عليه السلام من بيوت الوزراء إلى الشرطة غير متعارف عليه، ولكنه النقطة الأقرب للقتل، كل الوزراء رفضوا الإطاعة وتمردوا على هارون
(تنتقل الإنارة إلى زاويا أخرى من زوايا المسرح / عرش هارون وحوله الوزراء ومعه يحي البرمكي)
-هارون
أتعبني كثيرا أمر موسى بن جعفر فجد لي يا يحي بن خالد وسيلة تخلصني منه لأصل بر الأمان
-يحي البرمكي:
لا بد أن نغير أسلوبنا معه، لقد حاربناه وعذبناه دون أن ننفتح عليه ونكسب وده.
-هارون:
ما الذي نفعل جربنا كل الوسائل أرسلنا له غانية جميلة، لتغريه عادت لي الخبيثة عابدة
لم يبق أمامنا إلا القتل، تضع بيديه أرطال حديد والحرس يقسمون يمين أنهم يجدونه خارج السجن في المسجد يصلي..
مع كل قسوة شاهك السندي كان السندي يخاف منه.
-السندي (مع الإمام ع)
أرجوك لا تورطنا
-الإمام ع:
لا تخف أنا لا أهرب ليس من طبعنا هذا لكني أصلي أينما أريد
-يحي البرمكي (مع هارون)
دعنا نغير في الأسلوب فنتصرف معه بلين
(تسلط الإنارة على مشهد السجن)
-يحي البرمكي (مع السندي)
ارفع عن كاهله الحديد
(مع الإمام) سلام عليكم، ابلغك سلام ابن عمك الخليفة هارون، ويقول لك ابن عمك:
ـ لقد سبق مني فيك يمين ألا اخليك حتى تقر بالإساءة وتسألني العفو، وأنا أعتقد أن ليس في إقرارك عار ولا في مسألتك إياه منقصة
-الإمام ع:
عليك أن تعرف أولا سيجزي عليك وعلى أسرتك وأهل بيتك من زوال النعمة والفتك على يد هارون
-يحي البرمكي:
(غير مصدق) أنا؟
-الإمام عليه السلام:
احذر من بطشه واخبره جوابي (إنه لم ينقض عني يوم من البلاء، إلا انقضى عنك يوم من الرخاء، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون)
(في أحدى زوايا المسرح وبزوايا متفرقة تجري الأحداث)
-المعلم موسى بن إبراهيم وفي يده ابن السندي:
كنت أرى في كل يوم من أيام سجن الإمام موسى بن جعفر طفا جديدا
أرى جيش ابن سعد يقتحمون الطامورة ليقتلوه، والإمام عليه السلام يعيش حالة الاطمئنان بأمان العابدين
(في زاوية أخرى / عرش هارون)
-هارون:
لم يبق أمامي سوى الموت ليستريح منا ونستريح منه، والموت هو أقرب الحدود، ما دامت جميعها عجزت لتبعث لنا الخلاص، قدموا له السم في الأكل وانهوا الموضوع
(قاعة السجن فيها الإمام مسجى وهو يحتضر)
-المعلم:
استدعاني ذات يوم السندي مع مجموعة كبيرة من وجهاء القوم
-السندي:
انظروا إليه هل حدث له شيء أثر التعذيب كما تقوّل البعض، البعض يزعمون إنا قتلناه، رحل الرجل وهو راض عنا، والخليفة كان ينتظره ليناظره في بعض الأمور الفكرية.
-المعلم:
ونحن نتفحص الجثمان وإذا بمولاي موسى بن جعفر، يتكلم
-الإمام ع:
سقيت السم في تسع تمرات وأنا بعد يومين سأموت
-صوت (أداء) والجمهور يرد خلفه:
السلام عليك مولاي موسى بن جعفر
-الجمهور:
السلام عليك مولاي موسى بن جعفر
-الصوت:
اشهد انك أديت الامانة
-الجمهور:
اشهد انك أديت الامانة
-الصوت:
ـوأقمت الصلاة وأتيت الزكاة
-الجمهور:
واقمت الصلاة وأتي الزكاة
-الصوت:
لعن الله امة قتلك
-الجمهور:
لعن امة قتلتك
-الصوت:
لعن الله امة ظلمتك
-الجمهور:
لعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به
**
(ناعيا على المنبر ينعي الجنازة وقضية الجسر ونداء هذا أمام الرافضة)
(الختام مجلس لطم وقصائد)
(الختام.. سورة الفاتحة إلى شهداء جسر الكاظمية من الزوار / وشهداء حشدنا المق