نصَّ عدد من الروايات على وجوب زيارة أبي عبدالله الحسين ؏ ، منها ما روي في كامل الزيارات عن ابن قولويه عن أم سعيد الأحمسية ، قالت : " قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : يا أم سعيد ، تزورين قبر الحسين ( عليه السلام ) ؟ قالت : قلت نعم . قال : يا أم سعيد زوريه فإن زيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) واجبة على الرجال والنساء " .
ولفظ ( واجبة ) نصُ بالوجوب ..! علماً بأنها مستحبة حسب رأي أكثر الفقهاء ..؟! حيث يوجد من الفقهاء - غير المعاصرين - من قال بالوجوب العيني وبعضهم بالوجوب الكفائي .
سأحاول معالجة الموضوع فكرياً فيما يخص القول بالإستحباب معتمداً على شيء من الثقافة الفقهية :
١. لدى الفقهاء القائلين بالإستحباب كم هائل من الروايات والقرائن التي يُستظهر منها استحباب زيارة أبي عبدالله ؏ وبمختلف الألسنة ، وعند جمع هذه الروايات المتظافرة على الإستحباب مع روايات الوجوب وحسب قواعد الجمع الدلالي فإنه قد تخرج النتيجة عند الفقيه بأن زيارة الحسين ؏ مستحبة بالإستحباب المؤكد .
٢. يوجد في علم أصول الفقه ما يصطلح عليه بالواجب المعلّق والمشروط .. ، وهو عندما تتأخر فعلية الواجب ومنجزيته لسبب معين ، فالحج واجب ولكنه يصبح واجباً فعلياً على المستطيع ، وصلاة الظهر واجبة عند الصباح ولكن وجوبها الفعلي يكون بعد الزوال .. وهكذا .
من هذا المفهوم ممكن أن تكون زيارة الحسين ؏ واجباً معلقاً على بعض الأمور التي لها علاقة بالحفاظ على العقيدة مثلاً ، أو عندما يصل الانقطاع عن زيارة الحسين ؏ الى حد الجفاء من قبل المكلّف والمنهي عنه في روايات أخرى .. الخ
٣. بعض روايات الوجوب خصصت الواجب بمن يعتقد بإمامة الحسين ؏ ، مما يوحي بأنه من الواجبات الأخلاقية لأتباع أهل البيت ؏ أو من أدبيات وأبجديات إتّباع مذهب الحق والالتحاق بمدرسة ائمة أهل البيت ؏ . مثل ما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام ، قال : ( مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي عليهما السلام ، فإن زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع ، وزيارته مفترضة على مَن أقر للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عز وجل ) .
أو لنقل أن الزيارة جزء من واجب مركب للمنظومة العقائدية التي تبتني على عقيدة ومنهج أهل البيت كدين يُدان الله به عز وجل ، فالجزء بنفسه وبحد ذاته ليس واجباً وإنما يكون واجباً لإكتمال اللوحة العقائدية ، ولدينا رواية في هذا المعنى ، عن الإمام الصادق "عليه السلام" : مَن لم يأتِ قبر الحسين "عليه السلام" حتى يموت كان منتقص الإيمان ، منتقص الدين ، إن أدخل الجنة كان دون المؤمنين فيها .
٤. يستعمل لفظ الواجب أحيانا بمعنى ( الحق ) ، وتوجد روايات صريحة تصف زيارة الإمام الحسين ؏ بأنها حق ، في كامل الزيارات عن علي بن ميمون قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : " لو أن أحدكم حج ألف حجة ثم لم يأت قبر الحسين ابن علي عليه السلام لكان قد ترك حقا " . وهنا يمكن أن نتحرر عن المعنى الفقهي للواجب .
٥. ربما تتحدث روايات الوجوب عن مستويات عالية من الورع والتقوى والالتزام الديني ، أي من قبيل : حسنات الأبرار سيئات المقرّبين .
والموضوع يفتح شهية العقل لكثير من المعالجات والأفكار ، وفقنا الله وإياكم لزيارة الحسين ؏ في الدنيا وشفاعته في الآخرة .
تعليق