بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ «33» ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «34»﴾ [آل عمران: 33 - 34]
صدق الله العلي العظيم
النسب الرفيع.
كل زيارة من زيارات الحسين تُفتتح بالنسب «السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين، السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء» مع أن الحسين معروف نسبه ولكن ذكر النسب في هذه الزيارات كلها إشارة إلى شجرة الاصطفاء، شجرة الاصطفاء التي ذكرها القرآن الكريم حيث قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ «33» ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾ الحسين ينحدر من شجرة الاصطفاء، الحسين من آل إبراهيم الذين اصطفاهم الله وقال عنهم في آية أخرى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [الحديد: 26]
وهذه الشجرة هي التي أشارت إليها زيارة وارث «أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها» الحسين كان نوراً محيطاً بالعرش، ثم ذلك النور التحق بالأصلاب، فكان يمر من صلب إلى صلب حتى بزغ ذلك النور من بين الإمام أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء صلوات الله عليهما، فكان الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه وآله الطاهرين.
المضمون الثاني: وراثة الأنبياء.
نقرأ في زيارات الحسين: السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، يا وراث نوح نبي الله، يا وراث إبراهيم خليل الله، يا وراث موسى كليم الله، يا وارث عيسى روح الله، يا وارث محمد حبيب الله، يا وراث أمير المؤمنين علي ولي الله. ماذا تعني وراثة الحسين للأنبياء؟
إن وراثة الحسين لها معنيان: معنى عام يشترك فيه المعصومون، ومعنى خاص يختص بالحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه.
المعنى الأول: المعنى العام.
المعنى الذي يشترك فيه كل الأئمة من الإمام أمير المؤمنين إلى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو وراثة كتب الأنبياء ومواثيقهم وعهودهم، فإن كتب الأنبياء وصلت جيلاً بعد جيل إلى النبي وذهبت إلى الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، فقد ذكر الإمام الباقر إن عندنا عصا موسى، إن عندنا ألواح موسى ونحن ورثة النبيين.
وورد عن الإمام الصادق قال: ورث سليمان داوود، وورث النبي محمد سليمان، وورثنا نحن النبي محمداً فعندنا علم التوراة وعلم الإنجيل، وعلم الزبور، وتبيان الألواح. فكل الكتب والمواثيق والعهود وصلت إلى أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهذا هو معنى وراثة الأنبياء.
المعنى الثاني: المعنى الخاص بالحسين .
أن الحسين بن علي اختص بإرث لم يحصل عليه أحد غيره لا من الأنبياء ولا من الأوصياء، الحسين بن علي ورث آدم صفوة الله، آدم اصطفي بخصوصية لم تعطَ للأنبياء لأن آدم أمر الله الملائكة بالسجود له، وهذه خصوصية واصطفاء تميز بها آدم دون غيره من الأنبياء، حتى قال بعض العلماء طبقاً لبعض الروايات إنما سجدت الملائكة لآدم لأن نور محمد وآل محمد تشعشع في شخص آدم.
وكما أن آدم تميز بخصوصية الاصطفاء وهو سجود الملائكة له فإن الحسين اصطفي بخصوصية لم يحصل عليها نبي ولا رسول ولا وصي، إن الحسين أعطاه الله درجة الشهادة التي لم يحصل عليها أحد من الأنبياء والأوصياء كما حصل عليها الحسين بن علي.
الحسين بن علي جمع مضامين الشهادة ومعاني الشهادة فكان للحسين بن علي الشهادة النورية، وكان للحسين بن علي الشهادة الملكوتية، وكان للحسين بن علي الشهادة الاصطلاحية، الحسين بن علي كان في عالم الأنوار روحاً تسبح الله وتهلله، وهذه هي الشهادة النورية، تقول الزيارة المباركة: خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين.
والحسين بن علي حصل على الشهادة الملكوتية وهي الشهادة على صحائف الأعمال كما كان جده رسول الله حيث يقول القرآن الكريم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143] وهذه الشهادة الملكوتية التي ورثها الحسين بن علي، ولكن الحسين بن علي حصل على أعظم وسام من الشهادة في أرض المعركة أيضاً لم يحصل عليه نبي ولا وصي نبي، فاستشهد يوم عاشوراء أثناء المعركة التي أججها البغاة ضد آل بيت رسول الله، فكانت له الشهادة بالمعنى الفقهي وأن حكمه حكم الشهداء الذي لا يغسل ولا يكفن بحكم الشارع، كما كانت له شهادة نورية وشهادة ملكوتية، فهو سيد الشهداء بتمام المعاني.
الحسين بن علي ورث نوحاً نبي الله، إنما عبرت الروايات عن نوح بأنه نبي الله مع أن كلهم أنبياء الله، لأن نوح كان أول أولي العزم فعُبِّر عنه بنبي الله، نوح اختص بصفة أنه عاش وحيداً غريباً بين أبناء قومه حتى أنقذه الله، ورزقه سفينة النجاة، وكان الحسين وحيداً غريباً محاصراً من قبل أجلاف بني أمية وأذنابهم إلى أن رُزق الشهادة فوهبه الله الوسام العظيم، فكان الحسين الرحمة الواسعة وسفينة النجاة.
الحسين بن علي ورث إبراهيم خليل الله، إبراهيم صفته أن الله ابتلاه وامتحنه بأمره بذبح ابنه إسماعيل وسلم الأمر لله، وصبر على الامتحان، فقال الله عز وجل: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ [البقرة: 124] والحسين ابتلي بأن أمره الله بالتضحية بنفسه وأفلاذ كبده وأهل بيته فقدمهم للموت ووهب كل ما عنده في سبيل الله صابراً محتسباً حتى حصل على الشهادة العظمى والدرجة الكبيرة عند الله تبارك وتعالى.
الحسين بن علي ورث موسى كليم الله فإن موسى من بين الرسل كان معارضاً لطاغية زمانه فرعون وقد كلفه ذلك الكثير، وأوجبت هذه المعارضة أن يخرج موسى من وطنه الذي ولد فيه وعاش فيه وهو مصر، وأن ينشر رسالته في منطقة أخرى، وهذا ما حصل للحسين بن علي، فالحسين بن علي قاوم طاغية زمانه ورفض بيعته وقال: إنا أهل بيت النبوة وموطن الرسالة ومهبط الوحي، ويزيد رجل فاسق شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله. وأوجب ذلك أن يفارق وطنه المدينة وأن يترك مكة وأن يختار لرسالته موطن آخر ألا وهو كربلاء.
الحسين بن علي ورث عيسى روح الله، عيسى خصوصيته أنه حصل على صفوة الأنصار، يقول القرآن الكريم: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 52] وهذا ما حصل عليه الحسين بن علي، إذ لبى صرخته صفوة من الأنصار، خُلّص كرام، قال عنهم الإمام الحسين: والله ما رأيت أصحاباً أوفى وخيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي. هؤلاء الصفوة المنتخبة الذين نصروا الحسين هم الذين عندما نزور الحسين نقول: السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت برحلك واستشهدت بين يديك.
الحسين بن علي ورث النبي رسول الله حيث إن الدين محمدي الحدوث، حسيني البقاء، لو لا صرخة النبي بقوله: والله لو جعلوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه. لو لا صرخة النبي ما وُلد الدين ولا انتشر، ولولا صرخة الحسين بن علي يوم كربلاء: ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجذور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبيه أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. لو لا صرخة الحسين لماتت رسالة السماء واندثرت كل جهود الأنبياء تحت أقدام بني أمية، الرسول أسس الدين والحسين أحيا الدين.
الحسين بن علي ورث من أمير المؤمنين علي ولي الله أن الإمام علي نقل الرسالة إلى العراق حيث منطلقها الذي اختاره الله للإمام أمير المؤمنين، كما أن الإمام علي نقل العاصمة من المدينة إلى الكوفة إلى العراق لأنه أُمر بذلك، واختار مرقده في العراق لأنه أمر بذلك، كذلك الحسين بن علي أمر بأن يجعل منطلق الرسالة العراق، وأن تكون بقعته الشريفة وقبره المبارك في كربلاء، في هذا الموطن لولا انتقال الإمام علي والحسين إلى العراق لما وُلد التشيع، التشيع انطلق من هناك، التشيع عم إيران والشام ولبنان والهند وباكستان وأفغانستان، وانتشر في الأرض وتأسست الحوزات العلمية في العراق وإيران وأنتجت فطاحل العلماء ونبع منها العطاء العلمي الوافر منذ زمن الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ببركة انتقال الإمام أمير المؤمنين والحسين صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما إلى تلك المنطقة بالذات.
الحسين ورث الأنبياء والأوصياء والرسل واختص بهذه الوراثة من كل نبي ومن كل وصي صفة محددة.
تعليق