(2)
لهفة رقية
_
_ ابي ..نور عيني ..لماذا غبت عني ..اريد ان ارتمي في حجرك .واشكو لك ما ألم بعماتي يوم عاشوراء ..
اشتاق لقربك، لصوتك الرحيم ولمسات يديك الحنونتين ..
يقولون لي بانك سافرت، أتسافر دون وداعي ..؟!
كل يوم وعند الاذان افرش مصلاتك وانتظر قدومك، لكنك لا تأتي .
كل يوم اراك في منامي ، فأصحو دونك وأتحرق شوقا لرؤياك دون جدوى،
بَعدك يا والدي لا أمان يرتجى ولا خير يؤمل والقوم منا في اذانا بارعون.
عد يا نور عيني ، فلن أَكل او أَمل عن الانتظار.
لم تبلغ السادسة من العمر بعد، حينما التحقت بموكب مهيب من الصالحين والقادة، لم يكونوا قادة في الحكم او سلاطين في الجاه، بل كانوا قادة في الفكر وزعماء في الإصلاح
وقد توجه ذلك الموكب بعز تتصدره رايات السلام وتخفق أعلام الرفعة والسمو، متوجها لمنازلة كبرى بين قوى الخير والشر وبين اهل الحق وزمر الباطل البغيض .
وبرغم سنينها الخمس الاولى شهدت هي الاخرى فصول تلك المنازلة، عاشت بكل دقائقها، وتفاعلت معها بخوف وهلع وقد هجم الاوغاد الى الخيام، فارعبوا النساء وافزعوا الاطفال.
ابصرت الطفلة رقية من خلف الخيام المحترقة في تلك الليلة الظلماء غبار المعركة وقد كفكفها الليل الوخيم، وسمعت صرخات الشهداء وهم ينازلون غرابيل الظلام بكل قوة وعزم، فيتساقطون الواحد تلو الاخر نجوما ونيازك على ارض الطف.
سمعت نواح عماتها وانينهن المرير على فلذات قلوبهن الذين باتوا صرعى على رمضاء كربلاء، فتصدع قلبها الصغير وراح يشاركهن الحسرة والاهات ويزفر زفرات الحزن الأليم
وذات ليله وعندما اخلدت للنوم بعد طول بكاء طاف في اروقة حلمها شخصه الكريم وتقدم نحوها بهالة وجهه النوراني الجميل ، اقبل نحوها بابتسامته المعهودة وراح يمسح على راسها بحنو فريد،
وسرعان ما انقطع الحلم وتبخرت لحظات اللقاء المرتقب وكم تمنت لو طالت مدة اللقاء، لكنها صحوتها قطعت فرط الاماني وايقظتها على وقع الحقيقة المرة. فبكت بشدة وبكى الجميع لأجلها.
صاح الطاغي الظالم وسأل عما يدور فقيل ان الطفلة رقيه تطلب اباها فما كان منه الا ان يأمر زبانيته بوضع راس ابيها المنحور في طشت ويرفع اليها
ظنت الطفله ان في الطشت طعاما فابت ذلك عندها قهقه الظالم وازداد نشوة وشماتة طالبا من حاشيته الكشف عن الراس الشريف، فما كان من الطفلة الا ان تشهق شهقة عميقه وترتمي على ذلك الراس وتسلم روحها الزكية الى بارئها.
طارت روحها الى اعنان السماء وصفقت بجناحي البراءة، لتسجل في طابور شهداء الطف حمامة بيضاء تغتالها يد الغدر والجريمة بكل وحشية ولؤم ، ليكون صرحها بعد الف واربعمائة عام مزارا تهوي اليه القلوب من كل حدب وصوب ، ولتظل حفيدة امير المؤمنين مزارا ومنارا في ارض الشام التي شهدت جور حكام بني امية المتغطرسين