(1)
دون كيشوت (وهم التميز)
تعد قصة دون كيشوت من القصص المشهورة, فقد دبجها ببراعة الكاتب الإسباني المعروف سرفانتس، واخذت قصة دون كيشوت مأخذاً كبيراً فقد تناقلها الناس فيما بينهم وانتشرت في مشارق الأرض ومغاربها وترجمت إلى لغاتٍ عديدة ومختلفة.
هذه القصة تعطينا صوراً مختلفة عن الطبيعية البشرية، وتصور لنا الاختلاجات النفسية وما ينتابها من توهم وأحلام.
وحسب رواية سرفانتس، دون كيشوت كان يعيش في اسبانيا قبل ثلاثمائة وخمسون سنة عامًا, وكان المجتمع الإسباني في ذلك الحين يعج بقصص الفرسان والأشاوس والمغاوير الذين يرتدون الحديد والدروع ويقاتلون الاعداء ويدافعون عن الضعيف والمرأة, وقد أعجب دون كيشوت بهؤلاء الفرسان وكيف أنهم كانوا تحت أنظار الجميع وقدوة وعلى مستوى رفيع.
وكان يقرأ عن الفرسان كثيراً ويتخيلهم في ذهنه وخياله ويود أن يصبح واحداً منهم كان دون كيشوت هزيلًا ضعيف الحول والقوة, وكان حصانه هزيلًا مثله، ثم بعد ذلك وجد في أحدى زوايا البيت درعًا قديمًا غير مناسب للقيام بأي مجازفة.
أخذ الدرع فأصلحه، ثم ركب حصانه الهزيل وخرج إلى الناس يتحداهم ويريد مبارزتهم, وهنا تبدأ احلام كيشوت، حيث أصبح يتخيل إنه أعظم فارس على وجه الأرض.
وانقلبت حياته إلى حلم مدهش ورائع, فصار يتخيل أي شيء يريد أن يراه، ويفسر كل ظاهرة بما يشتهي، فإذا نفخ احد الرعاة في بوقه ليستدعي أغنامه، يظن إنه بوق جندي، وإذا رأى قطيعًا من الغنم ظنه جيشًا ويقطع الطريق عليه, وفي أحدى الأيام رأى طواحين هوائية، فظنها عمالقة تتحدى للمعركة والقتال فأخذ يهجم عليها ويقاتلها قتلًا عنيفًا حتى سقط عن حصانه هو مضرجًا بالدماء.
وبقى دون كيشوت على هذا الحال, ويعتقد بأن الناس أخذوا يلهجون بذكره ويمدحون بمفاخره، بينما كانت الحقيقة يضحكون عليه.
إن قصة دون كيشوت ليست لضحك وتسلية، فكلنا دون كيشوت، لو درسنا أنفسنا دراسة موضوعية.
إن هذه القصة ماهي إلا صورة مضخمة لكل إنسان، فكل واحد منا يملك صورة خيالية حقيقية أكبر مما هي عليه، ولكنها تكون مدفونه أو مندثرة في أعماق نفسه ولا يحب أحد أن يطلع عليها, وتختلف هذه الصور من شخصًا لأخر حسب العقد واختلاجاته النفسية, فمثلًا يظن الشاب المراهق إنه بجماله وأناقته يأسر قلوب الفتيات, بينما الأستاذ الجامعي يتعقد أنه وصل إلى مرحله من العلم والمعرفة ولا يمكن لأحد ان يجاريه في ذلك، والوزير يظن أنه من أعظم الوزراء وساسة العالم والكل يهابه، وهذا ينطبق على كل المناصب والحرف والصناعة, حتى الكاتب يعتقد أنه أفضل الكتاب بما يخط قلمه بعض الكلمات وان القراء يذوبون إليه شوقًا وهيامًا.
وكل واحد من هؤلاء يحفظ المديح الذي قيل في حقه، بينما يتناسى الأقوال التي قيلت في ذمه، فإذا جامله الناس ومدحوه قال أنهم أناس افاضل يعرفون الحق، أما إذا وجه له النقد قال أنهم حساد لا خير فيهم, ومثل هؤلاء لديهم منظار معكوس لأنهم أصحاب عقدة النقص المكبوتة، إذ لا يفهمون من الظواهر الطبيعية إلا ما ينسجم مع أخيلتهم, وإن تلقوا الأذى والاحتقار لا يعدونه سوى مخططات أبعد ما تكون عن التصويب، ويعجبون بأنفسهم لدرجة كبيرة, ويعتقدون بأنهم خلقوا في غير زمانهم وأن الناس لا تقدرهم حق قدرهم, ويدفعهم هذا إلى الانفصام عن الحياة الواقعية وتحليق في الأحلام الكيشوتية، وهذه العقد والأوهام يجب أن تُعالج من قبل أصحاب العلم والاختصاص.
&&&&
(2)
بيضة كولومبس.. أزمة الأبداع
تعد قصة بيضة كولومبس من أحدى المشاكل التي يواجهونها المخترعين والمفكرين والمستكشفين.
كريستوفر كولومبس هو رحالة إيطالي ينسب إليه أكتشاف العالم الجديد (القارة الأمريكية).
ولكن حينما أكتشف كولومبس تلك القارة الأمريكية،أستهان به خصومه وجردوا أكتشافه من كل الفضل.وأدعوا قائلين:إن القارة الأمريكية كانت موجودة ولو لم تكتشفها أنت لأكتشفها القراصنة الذين يتجولون في البحار المجاورة والقربية.
وفي أحد المرات كان كولومبس في حضرة الملك وجابهه أحد الحاضرين بالنقد المرير بأنه لم يأت بشي جديد من أكتشافاته.فأخذ كولومبس بيضة وتحدى الحاضرين أن يوقفوها على رأسها،فعجزوا عندها أخذ البيضة كولومبس وكسر قليلًا من رأسها ثم أوقفها.
َوهنا ضج الحاضرين بالضحك والسخرية.
أن مشكلة الأبداع وكل أكتشاف عظيم في حد ذاته بسيط كبساطة إيقاف البيضة على رأسها. لكن المشكله في أن الناس لايدركون بساطة الأمر إلا بعد القيام به. وعندها يأخذون بأحتقاره وتقليل من شأنها وكذلك صاحبها.
ويقول علماء الاجتماع إن المبدع لايأتي بشيء جديد،وإنما هو يربط ويوظف بين الأشياء القديمة. ومعنى هذا أن كل فكرة جديدة تقوم على أساسها على فكرة سابقة قديمة ويعيد تأليفها وتوظيفها في الوقت المناسب والمكان الصحيح.
لكن هذا لايعني أن فضل المبدع قليل،فالربط يحتاج إلى اطلاع ودراسة وشروع وكلما أوغل المرء بالدراسة والقراءة تعددت لديه الأفكار وقد تأتيه لحظية يستطيع أن يربط بين الفكرتين، وهنا يظهر الأختراع.
وأن الفرق بين المبدع والعادي هو أن أحدهما يعرف متى يخطو خطواته الحاسمه ويستننج بينما الآخر يبقى رقيعًا لايعرف من دنيا غير الانتقاد والحسد.
وهذا هو شأن كل مخترع أو مفكر أو مبدع، فهم لايكادون أن يأتوا بنظرية أو فكرة حتى ينبري له النقادون ويستصغرون أمره وينكرون فضله.
وهذا ماحدث للأنبياء والعباقرة في كل زمان ومكان وإلى الآن.
فمشكلة الأبداع مشكلة أزلية تحتاج لتسيط الضوء عليها حتى لايغبن المبدع ويتساوى مع الأنسان العادي.