بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قرآننا عزنا وشرفنا
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[1].
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((لا ترجعنَّ بعدي كفاراً، مرتدين، متأولين للكتاب على غير معرفة، وتبتدعون السُنّة بالهوى لاَن كل سُنّة وحدث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل))[2].
البدعة الخاصّة والعامّة:
والمقصود بالبدعة الخاصة هو ما ورد النهي عنها في الآيات القرآنية كما في قوله تعالى: ﴿..ورَهبَانِيَّةً ابتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيهِمْ إلاّ ابتِغَاءَ رِضوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا..﴾[3].
وروايات المعصومين (عليهم السلام) فقد ورد في النصوص ذمّ العامل بها والمبتدع لها، فقد وردعن النبي (صلى الله عليه وآله): ((من أدى إلى أُمتي حديثاً يُقام به سُنّة، أو يثلم به بدعة، فله الجنة))[4].
وهذه البدعة هي ما وصفها علماء الدين في تعريفها بأنّها:
(إدخال ما ليس من الدين في الدين)[5].
فممّا لا شك فيه أنّ هذا النوع من البدعة حرام، وقد أقام المرحوم الشيخ الأنصاري رحمه الله في كتابه القيم (الرسائل) في بحث حجيّة الظن أربعة أدلة من القرآن والروايات والعقل والإجماع على حرمة هذا اللون من البدعة.
والملفت للنظر أنّ أحد علماء أهل السنّة ألف كتاباً حول البدعة وقسم البدعة إلى خمسة أقسام: البدعة المحرمة، البدعة الواجبة، البدعة المكروهة: البدعة المستحبة، البدعة المباحة، وضرب مثالًا لكل واحد منها مع شرحها وبيان تفاصيلها، في حين أنّ البدعة التي بمعنى (إدخال ما ليس من الدين في الدين) ليس لها أكثر من حكم واحد وهو الحرمة، ولا يمكن تقسيمها إلى أقسام أربعة أخرى، (واجب ومستحب ومكروه ومباح).
وعلى هذا الأساس فالبدعة الخاصّة حرام، والمقصود من البدعة الواردة في المعارف والأحكام الدينية هو هذا القسم منها .
وأمّا المقصود من البدعة العامّة، فهي كل نوع من الإبداع الفكري والعلمي والأدبي والصناعي، الاقتصادي، النظامي، الاجتماعي، الطبي وأمثال ذلك من العلوم والفنون المختلفة، ولا أحد يعتقد بحرمة هذا النوع من البدعة والإبداع، لأنّ ترقي العلوم وتطور المعارف البشرية يتوقف على هذه الإبداعات، فالبلدان المتطورة هي البلدان التي تعيش كمّاً هائلًا من هذه الإبداعات في المجالات العلمية المختلفة ويتحرك الخبراء والعلماء في تلك البلدان على مستوى اكتشاف واختراع الوسائل والأجهزة المختلفة كل يوم، ومن هنا عندما يبتكر علماؤنا الشبّان ابتكاراً علمياً جديداً فنشعر بالفرح الشديد يستولي على كل وجودنا .
وعملية الإبداع هذه ربّما تمتد إلى المسائل الدينية أيضاً، ولكن لا ينبغي أن ننسب ذلك إلى دين اللَّه تعالى، وحينئذٍ لا إشكال فيه، إنّ مسجد النبي في المدينة المنورة عندما بناه رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) لم يكن سوى أربعة جدران بارتفاع قامة الإنسان فلا سقف ولا عمود ولا أسطوانة ولا فراش ولا مكان للوضوء، ولا مكان للتطهير، ولا يوجد فيه أجهزة التبريد والتدفئة، وليس هناك أقفاص ورفوف للقرآن، ولا أحجار مرمر، ولا أبواب مرصعة وجميلة، ولا مآذن عالية، ولا قبة خضراء، ولا ساعة، ولا سماعة ولا أي شيء آخر ممّا هو متوفر الآن، وبعد عصر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وعصر الأئمّة (عليهم السلام) وبعد الأعصار الأخرى إلى زماننا هذا فإنّ هذا المسجد يشهد إضافات كل يوم، حتى أصبح في هذا الزمان من أضخم مساجد الدنيا، ولم يطرح القائمون على هذا المسجد والذين أضافوا إليه تلك الإضافات الكثيرة أنّ ذلك من أحكام الدين وأنّ عملهم هذا من أمر الدين والشرع المقدّس، ولذلك لا إشكال في عملهم المذكور، لأنّ ما يحرم إحداث التغيير فيه هو الأحكام الإلهية والحلال والحرام في الشريعة، وأمّا اجراء التغيير في الأمور العرفية وفي إطار الابداعات والاختراعات الجديدة فلا إشكال فيه .
النتيجة أنّ البدعة بالمعنى الخاص هي حرام شرعاً ولا حكم آخر لها، أمّا البدعة بالمعنى العام فهي حلال وإن كان من المحتمل وجود أحكام أخرى لها باختلاف العناوين.
______________________________
[1] سورة الأنعام، الآية: 159.
[2] خصائص الاَئمة، للشريف الرضي، ص: 75.
[3] سورة الحديد، الآية: 27.
[4] بحار الانوار، للمجلسي، ج 2، ص: 152، 43 باب 19.
[5] كشف الارتياب للسيد محسن الأمين العاملي، ص: 143.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
تعليق