أشرقت الدنيا فرحا ..وفاضت عطرا بولادة خاتم الأنبياء والمرسلين ،سيد الاولين والآخرين .
الكون عمه الأفراح واستبشرت الجنان ،تزينت واخضرت الأركان ، كيف لايكون ذلك وهو حبيب الله (جل جلاله) ، دعوة جده ابراهيم الخليل وبشارة عيسى روح الله الجليل .
مخلصا للبشرية من ظلام ،جهل وعبودية .
بولادته انعطفت الدنيا إنعطافا حقيقيا ، نقطة تحول كبرى تقود الإنسانية نحو الخير والصلاح...والرضا والفلاح.
فهو نور الله الذي يستضاء به ..سراجا منيرا ، سابق الى طاعة الله مكين أمين .
احمد عن الاوصاف ، المحمد لسائر الاشراف ،غمسه الله تعالى في بحر الفضيلة ...وأودعه تلك الأصلاب الطاهرة الجليلة .
بولادته كشف الله تعالى ظلم الاستار
فتهللت الدنيا بحلل الأنوار..
سيدي يارسول الرحمه :
بدأتَ في نشر دين اليقين ، مرابطا على طاعة الله في ارجاء البرية ، تجرعت منهم الغصص،وأخفيت الزفرات ..أسررت الحسرات ، ولبست ثوب البلوى امتثالا لأمر الله ..وإعزازا لدين الله .
صبرت وتحملت ثقل النبوة على قلبك ،كالجبال الراسيات لتوصل الإنسانية الى مرافئ الأمن والنعيم برسالتك ..
وبعد أن اتممتها على أكمل وجه ..ورفعت عن كاهلك تلك الأمانة ...
بعد أن جلجل صوتك ..في الغدير من كنت مولاه ..
فهذا علي مولاه ..
اكتمل الدين ..وتمت النعمة
وحان آذان الرحيل ..و المَلكْ واقف على بابك ...مستأذناً للدخول عليك .
وكواكب السماوات تتلألئ نحيباً ، وتغير نسيم الجنان ..لا أدري لم اختلط بدخان ؟!
تململ المَلكْ بين جنبات نفسه ..لا يعرف كيف سيدبر أمره ؟!...فالمهمة عظيمة عليه ، شاقة على إدراكه، تأججت المشاعر بأنفاس إبنته الزهراء ( عليها السلام) الحارقة فتبكي لأجلها ملائكة الرحمن .
حبيب الله مسجى على فراش المرض ، تتلجلج أنفاسه في صدره ، تدور عيناه الى أحبته .
كيف سيودع هذه الأنفس النورانية التي تعلقت بخيوط متشابكة بِشغاف قلبه ؟؟
يفتح عينيه بين الحين والآخر يرى حبيبته تجود بنفسها مغرورقة العينين ...تتهادى بِحَملها ..
تتحير عيناه أي كلمات يتحدث بها لِيهدئ روعها ؟
يهمس اليها بكلمات فيزداد وجعها ..ثم يهمس باخرى فيعلو وجهها بشرا فيسكن انينها .
يفتح ذراعيه ليضم الى صدره حَسناه ، يتزود منهما ويتزودان منه عطرا ودفئ..
وبعبراته المتكسرة يوصي ابن عمه وصهره امير المؤمنين ( عليه السلام) بوصاياه ..وان يتحمل الرزايا بعده ويستعد للعزاء والفراق ..
تناجيا طويلا ، أختلط الدمع بالدمع ..وكشف (صل الله عليه وآله) النقاب عن الفتنة التي تصيب المسلمين بعده ..وبأسماء المنافقين من الأصحاب ..
يوصيه بالصبر وتحمل المشاق ..
كانت حقا لحظات عصيبة ، أختنق بعبرته وكأن دخان باب الزهراء (عليها السلام) قد استشعره في رئته ..
وكان آخر اللقاء على صدر امير المؤمنين ...
توشح الكون سواد ، واعلنت في السماوات العلى الحداد ، اقبلت ملائكة الرحمن صفوفا لحمل روح الحبيب مجللة بأنوار القداسة ..يزفون روح الطهر ومعنى الرحمة والإنسانية ليوصلوها الى الملك الديان .
وجسده الطاهر مسجى بلاحراك ..وطِبقا لِوصيته غسله وكفنه وصلى عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) ....(١)
فنزلت ملائكة الجنان صفوفا متراصة تقيم الصلاة ...دُفِنَ الطهر في حجرته، وأُهيل التراب على قسمات وجهه...
قال الصادق (عليه السلام) : (( إن الله لما قبض نبيه (صل الله عليه وآله )) دخل على الزهراء (عليها السلام) من الحزن مالايعلمه إلا الله ( عزوجل ) ....(٢)
فأي حُزن عليك لايتصل ؟؟
وأي دمعة لفراقك لاتنهمل ؟؟وأي خطب ألم بالدين ؟؟
وأي نازلة وقعت على رؤوس المسلمين ، المحراب خلى من شخصه ، والدنيا حرمت من فيض أنواره..
ما أعظم فقدك سيدي يارسول الله
فإنا لله وإنا إليه راجعون .
(١).....الإحتجاج للطبرسي.
(٢)....بحار الانوار : ج ٢٢ ص ٥٧٠
.