بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قرآننا عزنا وشرفنا
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[1].
نتائج البدعة وعواقبها!
للبدعة نتائج سلبية وعواقب وخيمة، ونحن نشير هنا إلى جملة منها:
أ - تقاطع البدعة مع التوحيد
إنّ أغلب الأعمال والسلوكيات الذميمة والصفات القبيحة في الإنسان ناشئة من نقصان أصل التوحيد ومعرفة اللَّه، وللتوحيد فروع مختلفة:
توحيد الذات، توحيد الصفات، وتوحيد الأفعال .
وتوحيد الأفعال بدوره يتفرع إلى فروع وأقسام متعددة من قبيل: توحيد الحاكمية، توحيد المالكيّة، توحيد الخالقيّة وأمثال ذلك .
أمّا توحيد الحاكميّة التشريعيّة والتي هي أحد فروع التوحيد الأفعالي، فالمقصود بها أنّ وضع الأحكام التشريعية منحصر بالذات المقدّسة، ولا أحد غير اللَّه تعالى يحق له تشريع الأحكام، حتى النبي الأكرم صلى الله عليه و آله ليس له جعل الحكم إلّا باذن اللَّه، والإمام المعصوم أيضاً لا يحق له ذلك إلّا باذن اللَّه تعالى، وعليه فجميع الأحكام الشرعية صادرة عن اللَّه تعالى فهو الحاكم المطلق على عباده .
وضمن هذا المنحى فإنّ صاحب البدعة يبيح لنفسه جعل القانون والتشريع، ثم ينسبه إلى اللَّه تعالى، وعمله هذا يتقاطع مع التوحيد في حاكمية التشريع، ولا ينسجم مع هذا الأصل العقائدي .
ب - البدعة عامل الفرقة!
إذا قرأتم الكتب المؤلفة في موضوع المذاهب الإسلامية والمختلفة ومنها كتاب «الملل والنحل» للشهرستاني، فسوف ترون كثرة ما تفرع عن الإسلام من مذاهب وتيارات ومدارس، والسبب في كل هذه الفرقة والاختلاف في المذاهب، وبعضها لم تسمعوا بها لحدّ الآن هو ظهور البدع المختلفة في الدين .
ج - البدعة وفناء الدين
إذا تقرر أن تقوم كل جماعة وفرقة في أي منطقة وضع الأحكام الدينية طبقاً لأفكارها وأذواقها، وتنتقل هذه البدع من جيل إلى جيل فبعد عدّة أجيال ستتغير معالم الدين كلياً وتضمحل أصوله وتمسخ تعاليمه الحقيقية من جراء هذه البدع، ولهذا يقول الإمام علي (عليه السلام):
((ما هَدَمَ الدّينَ مِثْلُ الْبِدَعِ))[2] .
د - البدعة واتباع الأهواء
ويقول الإمام علي (عليه السلام) طبقاً للرواية الواردة في كنز العمال:
((وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدْعَةِ فَالْمُخالِفُونَ لأمر اللَّهِ وَلِكِتابِهِ وَلِرَسُولِهِ، الْعامِلُونَ بِرَأْيِهِمْ وَأَهْوائِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا))[3] .
فأهل البدع هؤلاء يعتقدون بأنّ في الإسلام نقصاً وقصوراً عن تلبية حاجات الناس وإيجاد الحلول لمشاكلهم وأنّ الأحكام الشرعية قاصرة عن رفد الإنسان والمجتمع بالأحكام الشرعية في جميع مناحي الحياة، ولذلك يتحركون من موقع جعل القوانين والأحكام والبدع المختلفة.
ومع الأسف أنّ أهل البدع في عصرنا الحاضر وتبعاً لتسويلات أنفسهم وأهوائهم، قد خلقوا بدعاً كثيرة ومتنوعة، وأخيراً أخذوا يتلون القرآن مع أصوات الموسيقى التي لا تتناسب مع جو القرآن، وقد تحقق ما تنبأ به رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) حيث قال:
«أَنْ تَتَّخِذُوا الْقُرْآنَ مَزاميرَ»[4] .
ونموذج آخر لهذه البدع ما يقوم به بعض المدّاحين الجهلاء من العوام، فنحن نكنّ احتراماً خاصّاً للمدّاحين المخلصين لأنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام كانوا يعاملونهم باحترام وتقدير ويؤيدون عملهم ويشجعون عليه، ولكن للأسف فهناك جماعة نفذت في أوساط هؤلاء المداحين كما هو الحال في كل طائفة وفئة من الناس، وقامت هذه العناصر الدخيلة بقراءة الأشعار والمراثي بألحان الأغاني المتحللة وغير المناسبة، هؤلاء يسمعون هذه الألحان والأنغام الموسيقية من الإذاعات الأجنبية ويصبون المراثي في قوالبها، وهذه البدعة الشائنة أدت إلى تحويل مجالس العزاء والمصيبة إلى مجالس طرب وفرح.
إنّ جميع الناس يتحملون المسؤولية في مواجهة هذه البدع وأصحابها والتصدي لهم من موقع النهي عن المنكر، وطبعاً فإنّ وظيفة العلماء والفقهاء أشد .
________________
[1] سورة الأنعام، الآية: 159.
[2] بحار الأنوار، ج75، ص92.
[3] كنز العمال: (1095 - 1126).
[4] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج 4، ص: 275.
أعظم الله لكم الأجر بذكرى وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله
تعليق