🔰أُمية النبي الأعظم بين القبول والرفض
واحدة من المسائل المرتبطة بشخص النبي الأكرم(صلوات الله عليه) هي مسألة أميته
هل كان رسول الله أميا بمعنى أنه لايقرأ ولايكتب ،هل مات رسول الله صلى الله عليه وآله وهو لايقرأ ولايكتب ؟
في الواقع هذه المسألة تعد من المسائل الجدلية التي للمسلمين فيها مجموعة من الاراء نحاول أن نستعرض البعض منها مع عرض النقوض التي تعرضت لها
الرأي الأول: هو الذي تبناه الدكتور عبد اللطيف الهندي في مقالته الخاص المعنونة (أمية النبي)
التي ألقاها باللغة الإنكليزية في المؤتمر الإسلامي المنعقد في مدينة حيدر آباد سنة (١٩٦٤)
حيث ذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله لم يكن أُميا، بل كان يقرأ ويكتب منذ حداثة سنه الشريف
إلا أنه بعد أن رأى أن رأيه مخالف لنص القرآن الكريم حاول أن يوؤل النص الوارد في سورة العنكبوت الذي ينفي الكتابة والقراءة عن النبي الأكرم
(وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)
حيث قال أن المراد من قوله (من كتاب)
هو إشارة الى الكتب الأخرى التي لم تكن باللغة العربية بل كانت بالعبرانية وهي التوراة والإنجيل وعدم معرفة النبي بهذه اللغات لايعني أنه لايقرأ ولايكتب بالعربية
وقد ناقش بعض الأعلام هذه المقالة بثلاث مناقشات نستعرض منها أثنتين
المناقشة الاولى:قالوا لو كان المراد من الآية المباركة هو نفي معرفة النبي بهذه الكتب لكان الأصوب أن يقول القرآن
وماكنت تتلوا من قبله من الكتب
مشيرا إلى الكتب المعهودة
المناقشة الثانية : قالوا أن الآية المباركة ورد فيها نفي وهو لفظة ( ما ) وورد فيها نكرة وهي لفظة (كتاب)
وقد عرف في القواعد أن النكرة في سياق النفي تفيد سلب العموم أي أنتفاء الحكم عن كل الافراد
ومعنى ذلك أن القرآن نفى عن نبيه مطلق التلاوة والكتابة
هذا هو الرأي الأول مع النقوض الواردة عليه
الرأي الثاني : هو الرأي الذي تبناه أكثر جمهور المسلمين
حيث ذهبوا إلى أن معنى كون النبي أميا ، هو أنه لايقرأ ولايكتب
وقد أستدل أصحاب هذا الرأي على مدعاهم بجملة من آيات الكتاب العزيز
منها : الاية المباركة من سورة العنكبوت
(وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (48) وقد تقدم وجه الاستدلال بها
أضف إلى ذلك ان أصحاب هذا الرأي قالوا إن الله عز وجل علل سبب نفي الكتابة والقراءة عن النبي الأعظم بمصلحة أولى وألزم وهي نفي ريب المبطلين وشك المشككين
حيث قالوا لو كان رسول الله صلوات الله عليه يقرأ ويكتب في برهة من الزمن
لكان ذلك بمثابة الحجة التي يتهمون من خلالها النبي (صلوات الله عليه ) بأنه هو من كتب القرآن
وبما أنه لايقرأ ولايكتب إذن لايجد المشككون طريقا لاتهام النبي بهذه التهمة
ثم انهم جاءُوا بمؤيد على دعواهم وهو قوله تعالى في سورة البقرة
(وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)
الدليل الثاني : الذي أستدلوا به على أمية النبي صلى الله عليه وآله
هو قوله تعالى
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
وقد إستعانوا بأقوال اللغويين على ذلك
إلا أن هذا الرأي هو الآخر واجه عدة اعتراضات نحاول أن نشير إليها تباعا
منها : قوله تعالى في سورة الجمعة
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
فقالوا كيف يعلمهم من لايقرأ ولايكتب
وقد رُد هذا القول بان الآية المباركة تتحدث عما بعد البعثة لاقبلها ولاشك أنه صلوات الله عليه يقرأ ويكتب بعد البعثة
ومنها : الرواية التي ذكرها شيخنا الصدوق في علل الشرائع ومعاني الاخبار عن جعفر بن محمد الصوفي
قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام فقلت: يا ابن رسول الله لم سمي النبي صلى الله عليه وآله الأمي؟ فقال: ما تقول الناس؟ قلت: يزعمون أنه إنما سمي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب، فقال عليه السلام: كذبوا عليهم لعنة الله، أنى ذلك والله يقول في محكم كتابه: " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة " فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن والله لقد كان رسول الله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين، أو قال: بثلاثة وسبعين لسانا، وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة، ومكة من أمهات القرى، وذلك قول الله عز وجل: " لتنذر أم القرى ومن حولها "
والرواية ضعيفة السند بجعفر بن محمد الصوفي
ومنها : مانقل في الخبر أنه صلوات الله عليه طلب دواة وقلم ليكتب كتابا
وقد ردت الرواية بأن هذا قد حصل بعد البعثة
كذلك ماورد في قصة صلح الحديبة وقد رُد بان ماحصل إنما هو بعد البعثة
الرأي الثالث :تبناه العلامة الطبرسي
حيث ذهب إلى أن معنى أمية النبي أنه لم يُفعل الكتابة والقراءة لا أنه لايحسنهما ، ولايعرفهما وقد تبنى البعض هذا الرأي
وهو وجيه بحد ذاته
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الغر الميامين
تعليق