بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الصورة الأولى: ملامح القيادة الروحية.
كيف كان النبي يجسد القيادة الروحية؟ هنا يتحدث لنا الإمام أمير المؤمنين عن حبيبه محمد -صلى الله عليه وآله-، قال: «كان لي أخ فيما مضى...» يقصد النبي، «كان لي أخ فيما مضى وكان رأس ما عظم به في عيني ، صغر الدنيا في عينه» – ما جعلني أعظمه هو أن الدنيا صغيرة في عينه – «وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه، لقد قضم الدنيا قضمة ولم يعرها طرفه وكان أهضم أهل الدنيا كشحًا وأخمصهم بطنًا لقد عرضت عليها الدنيا فأبى أن يقبلها – كيف إذًا عاش؟ قائد يقود رقعة كبيرة من الأرض، بيده السلطة، بيده القوة، كيف كان يعيش هذا القائد؟ – كان يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد ويخصف نعله بيده ويتلحف بالوثير ويركب الحمار العاري ويردف خلفه» هكذا كان .
انظر إلى هذه الصورة الرائعة، الإمام علي يتحدث لنا عن شمائل القيادة الروحية، القيادة الروحية ينبغي أن تكون متواضعة، تواضع القيادة الروحية ينبغي أن يظهر في لباسها، في أكلها، في شربها، في تعاملها، في علاقاتها مع الدنيا، من أعظم شمائل القيادة الروحية التواضع في المعيشة كما قال الإمام أمير المؤمنين ×: «إن الله فرض على أئمة العدل أن يساووا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره»، هكذا تعامل النبي محمد -صلى الله عليه وآله- مع الدنيا تعامل مع الدنيا معاملة الوسيلة، كلنا نحب الدنيا.
لا يوجد إنسان يقول والله أنا ما أحب الدنيا، كلنا نحب الدنيا، ولكن هل نتعامل مع الدنيا وسيلة أم نتعامل معها كغاية؟ من تعامل مع الدنيا كغاية استغرق في متعها وفي لذائذها ومظاهرها وزخارفها وشغلته الدنيا عن الآخرة، ومن تعامل مع الدنيا وسيلةُ للآخرة لم تهمه الثروة ولم تهمه المظاهر، «يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد ويخصف نعله بيده ويركب الحمار العاري ويردف خلفه» لأن الدنيا بنظره ما هي إلا وسيلة للآخرة وليست هدفًا مطلوبًا في حد ذاته.
الصورة الثانية: كيف كانت علاقته مع الله؟
هنا يتحدث الإمام الحسن الزكي سلام الله عليه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول: «كان متواصل الأحزان – ضحكه قليل، فرحه قليل – دائم الفكر طويل الصمت لا يتكلم في غير حاجة، وكان إذا تكلم جمع جوامع الكلم فلا يقول إلا فصلا لا فضول فيه ولا تقصير، كان إذا جلس على مصلاه يبكي كثيرًا حتى يبتل مصلاه بالدموع من غير جرم، وكان يبكي حتى يغشى عليه فقيل له: يا رسول الله لماذا هذا البكاء وقد غفر الله لك ذنبك ما تقدم منه وما تأخر؟ فيبكي ويقول: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟» هذا هو محمد -صلى الله عليه وآله-، سيد الخلق يعلمنا على مبدأين :
1- مبدأ الخلوة.
2- ومبدأ المحاسبة.
الأول : - نحن مقصرون في هذين المبدأين- ، كل إنسان منا يحتاج على خلوة، أن يخلو مع نفسه، ليس كل الوقت مع زوجتي وأولادي وتجارتي وأسهمي وأعمالي، لا، الوقت يضيع، العمر قصير، الموت آتٍ لا محالة، أنا أحتاج كل يوم إلى أن أخصص وقتًا لي يسمى الخلوة، أن أخلو بنفسي، أن أفكر بعيوبي، أن أفكر في أخطائي، أن أفكر في مصيري، أن أفكر في نهايتي، الخلوة مع النفس مبدأ محمدي ضروري لتربية كل إنسان.
الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وقف على أهل السوق ورآهم مشغولين -تعرف الناس في السوق مشغولين بالدنيا والتجارة-، لما رآهم بكى، قال: «يا أهل السوق، يا عبيد الدنيا، إذا كنتم في النهار تحلفون وبالليل تنامون وما بين ذلك أنتم غافلون فمتى تهيئون الزاد وتفكرون في المعاد؟!»، إذًا مبدأ الخلوة ضروري.
والمبدأ الثاني -مبدأ محاسبة النفس- : قال النبي محمد -صلى الله عليه وآله-: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا»، مراقبة النفس ومحاسبة النفس كما يقول علماء العرفان: عليك بالمحاسبة والمراقبة والمعاتبة والمحاربة والمجاذبة، هناك طرق لتربية هذه النفس، محاسبة النفس.
إذن النبي صلى الله عليه وآله يؤكد على مبدأين: مبدأ الخلوة، ومبدأ محاسبة النفس.
نأتي إلى الصورة الثالثة: علاقته بأهل بيته.
هنا يتحدث الحسين بن علي عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول: «إذا دخل بيته جزَّأ وقته ثلاثة أجزاء: فجزء لله، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، وجزَّأ جزءه الذي لنفسه إلى جزأين: فأدرج الناس في جزئه، وكان لا يؤثر العامة على الخاصة»، جزء لله وجزء لأهله، ورد عنه صلى الله عليه وآله: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله»، «أحب من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وقرة عيني الصلاة».
كان يهتم بأهله، كثير منا يعرض عن أهله، كثير منا لا يهتم بشؤون أهله، كثير منا قد يعتدي على زوجته بالظلم، بالكلام النابي، بالأعمال المشينة، كل ذلك بعدي عن سيرة النبي صلى الله عليه وآله، «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله».
وجزء لله، لابد أن تعلم البيت الذي أنت فيه أن هناك نافلة، أنت لابد أن يراك أبناؤك تصلي النافلة، لابد أن يراك أبناؤك تقرأ القرآن، لابد أن يراك أبناؤك تحيي المناسبات الدينية داخل بيتك، تزور الحسين أيام زيارة الحسين، تزور النبي أيام زيارة النبي، إذا رآك أبناؤك داخل المنزل تعنى بالدين وبالمبادئ ترسخت هذه المبادئ في نفوس أبنائك، جزءًا لله داخل المنزل، وجزءًا لأهله، وجزءًا لنفسه.
الصورة الرابعة من صور رحمته العظيمة صلوات الله وسلامه عليه وآله: علاقته مع الناس.
يقول الإمام أمير المؤمنين ×: «كان لا يجلس ولا يقوم إلا بذكر الله وإذا أتى قومًا يجلس حيث ينتهي به المجلس – يعني لا يركز على مجلس معين، أين ما انتهى به المجلس يجلس – ويأمر بذلك، وكان يعطي كل جلسائه نصيبًا منه – يتحدث مع جميع جلسائه – ولا يحسب أحد أنه أكرم عنده من صاحبه – الجميع يعاملهم بشكل متساوي – وكان إذا جلس بين أصحابه جلس كجلسة أحدهم حتى إذا أتى الغريب لم يعرف من هو محمد» لأنه يجلس مع أصحابه كجلسة أحدهم، لا يتميز عليهم.
الصورة الأخيرة: كيف يتحدث النبي؟
نستفيد من هذه الكلمات في مجالسنا إذا جلسنا كيف نتحدث، الصورة الأخيرة ما تحدث عنه الإمام الحسن الزكي سلام الله عليه عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: «كان دائم البشر – يعني مبتسم، غالبًا مبتسم – سهل الخلق لين الجانب...» يعني تستطيع بسرعة أن تأتلف معاه، بعض الناس تحتاج شهر حتى ينكسر حاجز الجليد، يالله ، ويوجد واحد من خلال خمس دقائق تشعر بأنه إنسان أليف حسن المعشر، هكذا كان النبي «لين الجانب سهل الخلق...» يعني سريعًا ما يؤلف.
وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله: «أفاضلكم أحاسنكم أخلاقًا الموطؤون أكنافًا الذي يألفون ويؤلفون» هكذا كان النبي، «دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا بصخاب ولا بفحاش ولا بعياب...» يعني ما في ألفاظه ذكر عيوب الآخرين، ما في ألفاظه فحش، ما في ألفاظه بذاءة، «ليس بصخاب ولا فحاش ولا عياب، وقد ترك من نفسه ثلاث...» ثلاث يلتزم بها إذا جلس، «المراء» يتركه فلا يأتي بمراء، لا يراوغ ولا يلف ويدور، صادق في كلامه، «الإكثار» لا يثرثر حديث، يتكلم فيما يعنيه، «وما لا يعنيه» الشيء الذي لا يعنيه لا يتحدث فيه.
«وقد ترك من الناس ثلاث» أمور ثلاثة تركها في حديثه مع الناس، «لا يعيب أحدًا ولا يعيره» حتى إذا فعل عيب لا يعيره أمام الناس، «لا يعيب أحدًا ولا يعيره» وإن فعل عيبًا، «ولا يتتبع عثرة أحد ولا عورته» ما يسأل فلان وش سوى، وش فعل، ما يتتبع، «ولا يتحدث إلا فيما يرجى ثوابه» يعني إذا يتحدث عن إنسان يتحدث بالمقدار الذي ينفع ذلك الإنسان، «ولا يتحدث إلا فيما يرجى ثوابه، دمث الخلق لا بالمهين ولا بالجاف» كان سهلاً، وهذا الذي تحدث عنه القرآن الكريم: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} وقال القرآن الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
الرسول الأعظم محمد -صلى الله عليه وآله- كانت رحمته حتى لأعدائه، حتى لمناوئيه، المدينة كانت مجتمع فيه يهود، فيه مسيح، فيه مسلمين، وهذه سمة الدولة الإسلامية، الدولة الإسلامية كل الديانات فيها، كل ديانة تأخذ قسطها من حرية العبادة، جميع الديانات تأخذ قسطتها وحريتها من العبادة ضمن إطار الدولة الإسلامية، كان هناك يهود، كان هناك مسيح، كان هناك مسلمين، كل بحريته الدينية ضمن عقد، عقد ميثاق بين هذه الديانات كلها.
كان أحد اليهود يؤذيه فيرمي القمامة في طريقه، النبي فقد هذا اليهودي يومًا من الأيام فسأل عنه فقالوا إنه مريض، فزاره النبي في بيته وعاده من مرضه، فلما رأى ذلك اليهودي انكب على يديه يقبلها وقال: « الله أعلم حيث يجعل رسالته فيك يا محمد».
ولما ذهب إلى الطائف أمروا صبيانهم وسفهاءهم بأن يقذفوه بالحجارة فقذفوه بالأشواك والحجارة والأوساخ حتى دميت رجلاه، فاستند إلى حائط ولم يبكِ ولم يولول ولم يدعو عليهم وإنما قال: «اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون» خرج له مـَلـَكٌ قال: «إن شئتَ أطبقت عليهم الأخشبين» – يعني الجبلين – قال: «لا، إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا».
هذا القائد المحنك، القائد المحنك دائمًا عنده أمل التغيير، أمل التجديد، أم الانطلاق، لا يصيبه اليأس ولا يصيبه الانخذال، «إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا».
كان منصفًا للجميع، أقبل له أعرابي وكانت أيام شتاء، الرسول لابس بردة غليظة، شدها الأعرابي على عنق النبي وجرها وقال: يا محمد! أعطني من مال الله فإنه ليس مالك ولا مال أبيك، التفت إليه، قال: «يا أعرابي، أنا أعطيك، ولكن من الذي يقود منك ما فعلت بي؟» يعني من الذي يقتص منك ما فعلت بي؟ قال: لا أحد، قال: «لِمَ؟»، قال: لأنك لا تقابل السيئة بالسيئة وإنما تقابل السيئة بالحسنة {إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فابتسم رسول الله صلى الله عليه وآله.
تعليق