بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]
صدق الله العلي العظيم
انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث عن دور القصيدة الحسينية، وذلك من خلال عدة محاور:
عندما نقرأ الآية المباركة وهي قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125] نجد أن الآية تعرضت لثلاثة أساليب: الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال الأحسن.
وقد وقع بحث بين المفسرين هل أن هذا التنوع عرضي أم طولي، فهنا رأيان: الرأي الأول:
أن هذا التنوع عرضي؛ أي هي أساليب ثلاثة في عرض واحد، وإنما تنوعت لأن كل أسلوب منها يخاطب قوة من قوى الإنسان، الإنسان يمتلك ثلاث قوى: قوة العقل، وقوة القلب، وقوة النفس. ولكل قوة أسلوب يناسبها.
فقوة العقل الذي وظيفته التفكير والتحليل يناسبه أسلوب الحكمة لأن الحكمة هي عبارة عن الفكر المبرهن؛ الفكر الذي يستند إلى الدليل والبرهان، ولذلك لم توصف الحكمة بأنها حسنة، لأنه لا يوجد حكمة سيئة، الحكمة هي الحسن.
والقوة الثانية ألا وهي قوة القلب، القلب شأنه السكون أو الاضطراب أو القلق أو الهدوء، هذه القوة وهي قوة القلب التي قد تضطرب وقد تسكن يناسبها أسلوب الموعظة الحسنة لأن الموعظة إذا صدرت من شخص متعظ بها وصدرت بأسلوب هادئ مؤثر تكون موعظة حسنة فتؤثر على القلب، وتدخل القلب في حالة من الهدوء والسكينة والاطمئنان، قال تبارك وتعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]، وقال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 89]
والقوة الثالثة هي قوة النفس، والنفس هي مجمع النزعات، الإنسان عنده نزعات تجتمع في قوة تسمى النفس، ومنها نزعة الإلحاح على العمل؛ وهي ما يعبر عنها القرآن الكريم بالنفس الأمارة ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف: 53] ومنها نزعة التقريع وهي التي يعبر عنها القرآن الكريم بالنفس اللوامة ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [القيامة: 2] ومنها نزعة المغالبة، الإنسان يصر على رأيه ويصر على أن يغلب الآخرين ويدافع عن رأيه ومتبناه، وهذه النزعة يعبر عنها القرآن الكريم: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: 54]، ويقول القرآن الكريم: ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا﴾ [النحل: 111]
مقابل هذه القوة وهي قوة المغالبة والجدال الجدال الأحسن ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125] عندما يكون الجدال مبني على الأدب ويكون الحوار مبنياً على المنطق العلمي حينئذ يكون جدالاً أحسن فيقتلع نزعة المغالبة ويطوي أثرها، ويهدئ من وخامتها بالنسبة للإنسان. الرأي الثاني:
يقول هذه الأساليب طولية؛ أي كلها تشترك في منهج واحد وإنما بعضها يمهد للبعض الآخر، هي خطوات يمهد بعضها لبعض:
ذكرنا أن للدعوة إلى الله ثلاثة أساليب: الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال الأحسن. وكل أسلوب من هذه الأساليب الثلاثة يحتاج إلى أداوت التأثير، إذا رجعنا إلى علم النفس الإعلامي والثقافي نجد أن أدوات التأثير بالنسبة إلى الجمهور المتلقي خمس أدوات:
الأداة الأولى: قوة الكلمة.
يقول القرآن الكريم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ «24» تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ «25» وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ «26»﴾ [إبراهيم: 24 - 26] يقول العالم النفساني السويسري كارل يونغ: إن الكلمات مليئة بالرموز ويعني أن الكلمة تحمل أصداء فاعلية تنفذ إلى أعماق اللاوعي عند الإنسان وتؤثر عليه سواء كان التأثير سلباً أو إيجاباً. ويذكر هاري ميلز في كتابه «فن الإقناع» يقول: في إحدى دور السينما الكهرباء مطفأة، المشاهدون ينتظرون الشاشة، خرجت على الشاشة كلمة بحروف كبيرة وهي «بدون أمل» انهار الناس، فمنهم من خرج، ومنهم من تسارع نبض قلبه، ومنهم من تأذى، كلمة لعلها لم تكن مقصودة ولكنها غرست التأثير لمن يشاهدها.
مثال آخر يحكى أن بعض الملوك رأى في منامه أن أسنانه تتكسر واحداً بعد الآخر، فاستخدم المعبرين للرؤيا، فجاء أحدهم وقال له: تفسير رؤياك أن أهلك يموتون واحداً بعد الآخر وتبقى بعدهم وحيداً. فأمر الملك بقتله لأنه انزعج من كلامه، فاستخدم معبراً آخر، قال له: أنت تشيع أهلك بشكل تدريجي. فأمر بقتله أيضاً، جاء المعبر الثالث للرؤيا وقال: تفسير رؤياك أيها الملك أنت أطول أهل بيتك عمراً. ففرح بكلامه وأعطاه الجائزة مع أن المعنى لم يتغير، ولكن الكلمة لها أصداء فاعلية تنفذ إلى عمق اللاوعي في نفس الإنسان سواء أراد أم لم يرد، الكلمة لها تأثير.
لأجل ذلك تذكر بعض الدراسات أن من بين نصف مليون كلمة هناك ستة عشر كلمة محبوبة لدى الإنسان حتى لو تكررت لا يمل من سماعها وتنفذ إليه بحب، مثل كلمة أموال، مجاني، فائدة، سهولة، حب، نجاح، جمال، تفوق، أمن... كلها كلمات يتحبب الإنسان أن يسمعها فتنفذ إلى أعماقه وحتى لو تكررت لا يمل من سماعها لأنها تعني شيئاً بالنسبة إليه.
الأداة الثانية: الاستعارة.
علم البلاغة من علوم العرب، وهو ثلاثة علوم: علم المعاني، علم البيان، علم البديع.
علم البيان من جملة مفرداته الاستعارة؛ وهي نوع من المجاز يقصد مجاز يبتني على علاقة المشابهة مع حذف أدوات التشبيه والاقتصار على أحد طرفي التشبيه، ويقسمون الاستعارة إلى: استعاره تصريحية، استعارة مكنية، واستعارة تخيلية.
يشبه الموت بالسبع الذي له أظفار فينقض على الإنسان.
هذا الشعر الرائع يشتمل على الاستعارة التخيلية بأجمل صورها؟ أو كما يقول السيد رضا الهندي أحد شعراء أهل البيت:
هذه الصورة الرائعة من التشبيه تشبيه السيوف العاكفة بالصلوات أو بمن يصلي تشبيه على نحو الاستعارة التخيلية.
الأداة الثالثة: التمثيل.
التمثيل المسرحي أو من خلال الأفلام والمسلسلات أداة مؤثرة، لأن التمثيل أداة تخاطب العاطفة، والعاطفة مؤثرة على كيان الإنسان، كثير من قناعاتنا جاءت عبر العاطفة وليست عبر المنطق العقلي، بل إذا اقتنعنا بشيء بالمنطق العقلي فإن المحرك لنا نحو تفعيل ذلك الشيء عادة يكون محرك عاطفي، العاطفة لها أثر كبير على قناعات الإنسان ودوافعه وشخصيته، لذلك يُذكر في علم النفس الإعلامي والثقافي مدى تأثير العاطفة، وأن العاطفة لها أثران مهمان:
في الولايات المتحدة في فلم «الفك المفترس» صوروا سمك القرش وهو يأكل إنسان، ونتيجة هذا الفلم قل عدد السياح في شواطئ كاليفورنيا مع أن نسبة الخطر من السباحة أقل بكثير من نسبة الخطر من حوادث السيارات، لكن الفلم أثَّر أثره.
قبل أن ينتشر مسلسل يوزر سيف ما كان هذا الصدى لهذه المعارف التاريخية، ولكنه بعد أن انتشر أصبح حتى الأطفال يتناقلون المعارف التاريخية عن قصة النبي يوسف .
وأيضاً يقول أحد المسؤولين عن مرقد مسلم بن عقيل : لما انتشر فلم المختار الثقفي أصبح عدد الزوار لمرقد المختار الثقفي الذي هو بجوار مسلم بن عقيل أكثر بالأضعاف مما كان قبل أن ينتشر هذا الفلم، فإذن التمثيل له أثر واضح على الجمهور
. الأداة الرابعة: الرسم.
الرسم محرك فني خلاب جداً لأن الرسم يخاطب البصر، والتفاعل البصري عادة يكون تأثيره على شخصية الإنسان أكثر من أي محرك آخر، لذلك تبرز هنا مهارات الفنان وإبداعه في مجال الفن، أشهر صورة للوحة فنية هي لوحة الموناليزا للفنان البريطاني دافينشي، انتشرت هذه الصورة في العالم واشتُريت بأغلى الأثمان، وهناك من الفنانين المسلمين من أبدع في رسم معركة كربلاء، وفي التعبير عن تاريخ الإمام الحسين ، وهما الفنانان الإيرانيان حسن روح الأمين، ومحمود فرجيان.
والقطيف أبدعت أيضاً في رسم كربلاء عبر الفنان منير الحجي، عمل على رسم كربلاء لمدة ثلاث سنوات، منذ عام 1440هـ إلى عام 1443هـ، وعندما أبرز هذه الصورة الحائطية الفنية العظيمة لمعركة كربلاء شهد الفنانون ذوو الخبرة بأنها كانت رسماً بديعاً ينم عن شخصية فنانة رائعة في هذا المجال، وأصبحت الصورة معبرة جداً عن قضايا كربلاء ومبادئ كربلاء، وصور كربلاء.
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]
صدق الله العلي العظيم
انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث عن دور القصيدة الحسينية، وذلك من خلال عدة محاور:
- أساليب الدعوة إلى الله.
- أدوات التأثير في نفوس الجماهير.
- عناصر التأثير في الشعر الحسيني.
- دور القصيدة الحسينية.
عندما نقرأ الآية المباركة وهي قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125] نجد أن الآية تعرضت لثلاثة أساليب: الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال الأحسن.
وقد وقع بحث بين المفسرين هل أن هذا التنوع عرضي أم طولي، فهنا رأيان: الرأي الأول:
أن هذا التنوع عرضي؛ أي هي أساليب ثلاثة في عرض واحد، وإنما تنوعت لأن كل أسلوب منها يخاطب قوة من قوى الإنسان، الإنسان يمتلك ثلاث قوى: قوة العقل، وقوة القلب، وقوة النفس. ولكل قوة أسلوب يناسبها.
فقوة العقل الذي وظيفته التفكير والتحليل يناسبه أسلوب الحكمة لأن الحكمة هي عبارة عن الفكر المبرهن؛ الفكر الذي يستند إلى الدليل والبرهان، ولذلك لم توصف الحكمة بأنها حسنة، لأنه لا يوجد حكمة سيئة، الحكمة هي الحسن.
والقوة الثانية ألا وهي قوة القلب، القلب شأنه السكون أو الاضطراب أو القلق أو الهدوء، هذه القوة وهي قوة القلب التي قد تضطرب وقد تسكن يناسبها أسلوب الموعظة الحسنة لأن الموعظة إذا صدرت من شخص متعظ بها وصدرت بأسلوب هادئ مؤثر تكون موعظة حسنة فتؤثر على القلب، وتدخل القلب في حالة من الهدوء والسكينة والاطمئنان، قال تبارك وتعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]، وقال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 89]
والقوة الثالثة هي قوة النفس، والنفس هي مجمع النزعات، الإنسان عنده نزعات تجتمع في قوة تسمى النفس، ومنها نزعة الإلحاح على العمل؛ وهي ما يعبر عنها القرآن الكريم بالنفس الأمارة ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف: 53] ومنها نزعة التقريع وهي التي يعبر عنها القرآن الكريم بالنفس اللوامة ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [القيامة: 2] ومنها نزعة المغالبة، الإنسان يصر على رأيه ويصر على أن يغلب الآخرين ويدافع عن رأيه ومتبناه، وهذه النزعة يعبر عنها القرآن الكريم: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: 54]، ويقول القرآن الكريم: ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا﴾ [النحل: 111]
مقابل هذه القوة وهي قوة المغالبة والجدال الجدال الأحسن ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125] عندما يكون الجدال مبني على الأدب ويكون الحوار مبنياً على المنطق العلمي حينئذ يكون جدالاً أحسن فيقتلع نزعة المغالبة ويطوي أثرها، ويهدئ من وخامتها بالنسبة للإنسان. الرأي الثاني:
يقول هذه الأساليب طولية؛ أي كلها تشترك في منهج واحد وإنما بعضها يمهد للبعض الآخر، هي خطوات يمهد بعضها لبعض:
- الخطوة الأولى: الحكمة؛ وهي وضع الأشياء في مواضعها والتخطيط السليم لأي مشروع وأي منهج يريد أن يسلكه الإنسان.
- الخطوة الثانية: الموعظة الحسنة التي تستثير العاطفة تمهيداً للوصول إلى الخطوة الثالثة.
- الخطوة الثالثة: المناقشة والحوار بالأسلوب الأحسن وهو المعبر عنه ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
ذكرنا أن للدعوة إلى الله ثلاثة أساليب: الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال الأحسن. وكل أسلوب من هذه الأساليب الثلاثة يحتاج إلى أداوت التأثير، إذا رجعنا إلى علم النفس الإعلامي والثقافي نجد أن أدوات التأثير بالنسبة إلى الجمهور المتلقي خمس أدوات:
الأداة الأولى: قوة الكلمة.
يقول القرآن الكريم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ «24» تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ «25» وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ «26»﴾ [إبراهيم: 24 - 26] يقول العالم النفساني السويسري كارل يونغ: إن الكلمات مليئة بالرموز ويعني أن الكلمة تحمل أصداء فاعلية تنفذ إلى أعماق اللاوعي عند الإنسان وتؤثر عليه سواء كان التأثير سلباً أو إيجاباً. ويذكر هاري ميلز في كتابه «فن الإقناع» يقول: في إحدى دور السينما الكهرباء مطفأة، المشاهدون ينتظرون الشاشة، خرجت على الشاشة كلمة بحروف كبيرة وهي «بدون أمل» انهار الناس، فمنهم من خرج، ومنهم من تسارع نبض قلبه، ومنهم من تأذى، كلمة لعلها لم تكن مقصودة ولكنها غرست التأثير لمن يشاهدها.
مثال آخر يحكى أن بعض الملوك رأى في منامه أن أسنانه تتكسر واحداً بعد الآخر، فاستخدم المعبرين للرؤيا، فجاء أحدهم وقال له: تفسير رؤياك أن أهلك يموتون واحداً بعد الآخر وتبقى بعدهم وحيداً. فأمر الملك بقتله لأنه انزعج من كلامه، فاستخدم معبراً آخر، قال له: أنت تشيع أهلك بشكل تدريجي. فأمر بقتله أيضاً، جاء المعبر الثالث للرؤيا وقال: تفسير رؤياك أيها الملك أنت أطول أهل بيتك عمراً. ففرح بكلامه وأعطاه الجائزة مع أن المعنى لم يتغير، ولكن الكلمة لها أصداء فاعلية تنفذ إلى عمق اللاوعي في نفس الإنسان سواء أراد أم لم يرد، الكلمة لها تأثير.
لأجل ذلك تذكر بعض الدراسات أن من بين نصف مليون كلمة هناك ستة عشر كلمة محبوبة لدى الإنسان حتى لو تكررت لا يمل من سماعها وتنفذ إليه بحب، مثل كلمة أموال، مجاني، فائدة، سهولة، حب، نجاح، جمال، تفوق، أمن... كلها كلمات يتحبب الإنسان أن يسمعها فتنفذ إلى أعماقه وحتى لو تكررت لا يمل من سماعها لأنها تعني شيئاً بالنسبة إليه.
الأداة الثانية: الاستعارة.
علم البلاغة من علوم العرب، وهو ثلاثة علوم: علم المعاني، علم البيان، علم البديع.
علم البيان من جملة مفرداته الاستعارة؛ وهي نوع من المجاز يقصد مجاز يبتني على علاقة المشابهة مع حذف أدوات التشبيه والاقتصار على أحد طرفي التشبيه، ويقسمون الاستعارة إلى: استعاره تصريحية، استعارة مكنية، واستعارة تخيلية.
- الاستعارة التصريحية: أن تذكر المشبه به وتحذف المشبه، الإمام علي يتكلم عن الدنيا يقول: قد اجتمع الناس على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل. هذه استعارة تصريحية لم يذكر المشبه وهو الدنيا، وذكر المشبه به وهو المائدة.
- الاستعارة المكنية: أن تذكر لوازم المشبه به وإن لم تصرح بالمشبه به، كما في قول الشاعر: وإذا المنية أنشبت أظفارها... ألفيت كل تميمة لا تنفع.
يشبه الموت بالسبع الذي له أظفار فينقض على الإنسان.
- الاستعارة التخيلية: أن تذكر صورة للمشبه به قد تكون خيالية لا واقع لها ولكن تذكرها بتفصيل فتثير العواطف وقوة الخيال، يقول الشيخ صالح الكواز أحد شعراء أهل البيت في حق الإمام الحسين :
لَم أنْسَ إذ تَرَكَ المدينةَ وارداً | لا ماءَ مَدْيَنَ بل نَجيعَ دماءِ | |
وله تجلّى الله جلَّ جلالُهُ | من طُورِ وادي الطفِ لا سيناءِ | |
فهُناكَ خرَّ وكلُّ عضوٍ قد غدا | مِنه الكليمَ مُكلَّمَ الأحشاءِ | |
مُلقًى على وجهِ الصَّعيدِ مجرَّداً | في فِتيةٍ بيضِ الوجوهِ وِضاءِ | |
تلك الوجوهُ المُشرِقاتُ كأنَّها | الأقمارُ تَسبَحُ في غديرِ دِماءِ |
هذا الشعر الرائع يشتمل على الاستعارة التخيلية بأجمل صورها؟ أو كما يقول السيد رضا الهندي أحد شعراء أهل البيت:
صلَّتْ على جسمِ الحسينِ سُيوفُهم | فغدا لساجدةِ الظُبى محرابا |
هذه الصورة الرائعة من التشبيه تشبيه السيوف العاكفة بالصلوات أو بمن يصلي تشبيه على نحو الاستعارة التخيلية.
الأداة الثالثة: التمثيل.
التمثيل المسرحي أو من خلال الأفلام والمسلسلات أداة مؤثرة، لأن التمثيل أداة تخاطب العاطفة، والعاطفة مؤثرة على كيان الإنسان، كثير من قناعاتنا جاءت عبر العاطفة وليست عبر المنطق العقلي، بل إذا اقتنعنا بشيء بالمنطق العقلي فإن المحرك لنا نحو تفعيل ذلك الشيء عادة يكون محرك عاطفي، العاطفة لها أثر كبير على قناعات الإنسان ودوافعه وشخصيته، لذلك يُذكر في علم النفس الإعلامي والثقافي مدى تأثير العاطفة، وأن العاطفة لها أثران مهمان:
- الأثر الأول: أن التفكير العاطفي أقل جهداً من التفكير المنطقي، تصل إلى الفكرة عبر العاطفة بأقل جهد ممكن من التفكير المنطقي.
- الأثر الثاني: أن العاطفة تحرك الدوافع المبدئية والاجتماعية والوطنية أكثر مما يحركها المنطق والحقائق والشرح، عندما تستثار عاطفة الإنسان نحو دينه أو مبادئه أو نحو قيمه الوطنية يكون تحركه نحوها أعظم مما لو استُخدم معه المنطق العقلي التحليلي، لذلك التمثيل يضع بصماته من خلال العاطفة.
في الولايات المتحدة في فلم «الفك المفترس» صوروا سمك القرش وهو يأكل إنسان، ونتيجة هذا الفلم قل عدد السياح في شواطئ كاليفورنيا مع أن نسبة الخطر من السباحة أقل بكثير من نسبة الخطر من حوادث السيارات، لكن الفلم أثَّر أثره.
قبل أن ينتشر مسلسل يوزر سيف ما كان هذا الصدى لهذه المعارف التاريخية، ولكنه بعد أن انتشر أصبح حتى الأطفال يتناقلون المعارف التاريخية عن قصة النبي يوسف .
وأيضاً يقول أحد المسؤولين عن مرقد مسلم بن عقيل : لما انتشر فلم المختار الثقفي أصبح عدد الزوار لمرقد المختار الثقفي الذي هو بجوار مسلم بن عقيل أكثر بالأضعاف مما كان قبل أن ينتشر هذا الفلم، فإذن التمثيل له أثر واضح على الجمهور
. الأداة الرابعة: الرسم.
الرسم محرك فني خلاب جداً لأن الرسم يخاطب البصر، والتفاعل البصري عادة يكون تأثيره على شخصية الإنسان أكثر من أي محرك آخر، لذلك تبرز هنا مهارات الفنان وإبداعه في مجال الفن، أشهر صورة للوحة فنية هي لوحة الموناليزا للفنان البريطاني دافينشي، انتشرت هذه الصورة في العالم واشتُريت بأغلى الأثمان، وهناك من الفنانين المسلمين من أبدع في رسم معركة كربلاء، وفي التعبير عن تاريخ الإمام الحسين ، وهما الفنانان الإيرانيان حسن روح الأمين، ومحمود فرجيان.
والقطيف أبدعت أيضاً في رسم كربلاء عبر الفنان منير الحجي، عمل على رسم كربلاء لمدة ثلاث سنوات، منذ عام 1440هـ إلى عام 1443هـ، وعندما أبرز هذه الصورة الحائطية الفنية العظيمة لمعركة كربلاء شهد الفنانون ذوو الخبرة بأنها كانت رسماً بديعاً ينم عن شخصية فنانة رائعة في هذا المجال، وأصبحت الصورة معبرة جداً عن قضايا كربلاء ومبادئ كربلاء، وصور كربلاء.
تعليق