آلت منابرُنا منذ الوهلة الأولى لبزوغ الإسلام على توحيد الصفوف، وزرع الوئام والتآخي بين كل الشرائح والقوميات، وإقرار حق الآخرين في التمتع بحقوقهم، وحرياتهم الأساسية، على أساس الفطرة المقتضية للتآلف، واجتماعية الإنسان، ونزوعه لحب الخير لبني جنسه...
ما نشاهده الآن على بعض المنابر الإعلامية للعالم العربي في نظرتهم إلى الدين الإسلامي على أساس الجهة والفئة، والإستغراق في دهاليز ضيقة من التفكير السطحي الذي لا يخدم عالمية الإسلام وتعاليمه السامية في قيادة العالم نحو سبل الخير السلام. تلك النظرة السوداوية أتاحت الفرصة لمتصيدي الفتن وشذاذ الأحزاب في أن ينالوا من المذهب الحق مذهب أهل البيت عليهم السلام ورجالاته الأحرار الذين شربوا من معين مدرسة القيم والفضيلة، ولكن أنى للآخرين في أن يستمعوا للقول فيتبعوا أحسنه؟
فمنذ بزوغ فجر الإسلام وبقيادة الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) جسّد هذا الدين فكرة إعمال العقل وإيقاظ ملكة التفكر، ورسّخ عدة مفاهيم منها المحبة والسلام والتآلف والرحمة والتعايش السلمي. وجاءت آيات القرآن لتؤكد ذلك يقول الله تعالى: "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم". وكذلك ما بيّنه الإمام علي عليه السلام عندما وضح طريقة التعامل بين بني البشر قائلا: "إن لم يكن أخ لك في الدين فهو نظير لك في الخلق".
فلسفتنا الحقيقية تصب في خلق جسور التوافق مع بقية الأديان، فكيف الحال في مذاهب الدين الواحد التي يجب أن تسعى إلى ترسيخ مفهوم الحوار والتعايش فيما بينها، وأن لا تخرج من اطار القيم والمفاهيم التي انبثقت من روح الإسلام وفلسفته التي كلما ابتعدنا عنها كان لزاما على أجيالنا مضاعفة الجهود لتدارك ما لم يدركه الآباء والأجداد...
إن ترسيخ لغة الحوار وأصوله الدينية والحضارية، وأثر الحوار في التعايش السلمي، وفي العلاقات الدولية، وفي مواجهة دعوات الصراع ونهاية التاريخ نابع من وجود مشترك إنساني في مجالات الحوار، كالواقع الأخلاقي في المجتمع الإنساني المعاصر، وأهمية الدين والقيم في مكافحة الجرائم والمخدرات والفساد، وعلاقة الدين والأسرة في استقرار المجتمع، ومسؤولية الإنسانية في حماية البيئة. فعملية تقويم الحوار وتطويره، يتم بجهود الدول والمنظمات العالمية في تعزيزه، ومواجهة معوّقاته، ومهمة الإعلام وأثره في إشاعة ثقافة الحوار والتعايش بين الشعوب. فالتسامح ممارسة يمكن أن تكون على مستوى الأفراد والجماعات والدول، وهو مبدأ ينبثق عنه الاستعداد للسماح بالتعبير عن الأفكار والمصالح التي تتعارض مع أفكارنا ومصالحنا،
مع وجود رقابة نزيهة وحيادية تمنع أساليب التشنيع وألفاظ التفرقة والبعضاء... وتكمن أهمية التسامح والتعايش في كونه مفتاحا للتخلص من الخلافات، وهو شرط ضروري للسلام والتقدم الاجتماعي، ومن خلاله نستطيع التغلب على التعصب والتمييز والكراهية.
إن ترك الأبواق الضالة تعيث فسادا في أنفاقها المظلمة خاصة في هذه الفترة التي استشرى العداء فيها لمنهج أهل البيت عليهم السلام وأتباعه، قد يهدم ما بناه العلماء السابقون من توحيد المذاهب وتقريب المبتنيات الفقهية، فقديما كان هناك من يسمع ويناقش ويحاور بالتي هي أحسن فإن اقتنع فبها ونعمت، وإن لم يقتنع نتعاهد على الإحترام المتبادل، أما اليوم مع انتشار رقعة الفضائيات، فأساليب الإيقاع والترويج للإطاحة بآراء ومذاهب الآخرين تكون أسرع، وهي مدعومة بتوجهات سياسية تستخدم الدين وسيلة لقتل روح الإسلام ووجهه الناصع.
أعجبني
تعليق