تويت
نحن نُدرك حقيقة إن الذي يقترب من شعلة النور لابد أن ينعكس عليه شيء من إشعاعاتها، فكيف إذا كان الاقتراب والارتباط بمن هو مصدر النور الإلهي الأتم؛ المتمثل بصاحب العصر والزمان(عج)، أليس هذا موجب لتحقق هذه الحقيقة بشكل أكبر في المقترب والمرتبط به ؟
إذ إن الإنسان الذي يؤمن بإن له إمام يأتم به، وإنه تحت قيادته وولايته، لابد أن يكون فيه وجه او أوجه شبه منه، وإلا فهو لم يبلغ القيمة الحقيقية من ارتباطها به(صلوات الله عليه) بَعد! وهذا مَطلب لابد أن نسعى إليه جميعاً.
ومن أوجه الشبه التي يمكن تحصيلها هي ما ورد في زيارة يوم الجمعة المخصوصة بذكره(عج) والتي نقول في أحدى فقراتها: [اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ الَّذي يَهْتَدي بِهِ الْمُهْتَدُونَ](١)، فبعد أن نلقي هذا السلام، لابد أن يتردد على مسامع قلوبنا سؤال استفهام هو: وماذا بعد الاهتداء بنوره؟ هل اكتسبنا من الموصوف شيء من وصفه، ومن الفاعل شيء من فعاليته، هل نحن إشعاعات نور هداية من نوره(عج) الذي فينا منه لغيرنا أم لا؟
مستويات الهداة الثلاث
الاول: الأنبياء الهداة، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}(الأنعام :٩٠)، فهذه الآية تُشير الى مرتبة هداية الأنبياء ودور الهداية المُلقاة إليهم؛ إذ تعالى يخاطب نبيه(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)اي الهداية الالهية الخاصة المعطاة للأنبياء هي متحققة فيه صلى الله عليه واله ايضاً.
الثاني: الأئمة الهداة، وهي الهداية التي تُعطى لأوصياء الأنبياء، فمما ورد عن عبدالله بن عطاء قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في هذه الآية: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}: قال: [رسول الله المنذر، وبعلي يهتدي المهتدون](٢)، وعنه (عليه السلام)إنه قال: "... أنزل الله عزّ وجلّ {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}، فصبر في جميع أحواله، ثمّ بُشّر في عترته بالأئمة (عليه السلام)، ووُصفوا بالصّبر فقال جلّ ثناؤه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(٣)، وهذه الرواية تؤكد شمول خاتم الأئمة المهدي(عج) بهذا الدور الالهي.
الثالث: أتباع الهداة الخُلص، قال تعالى:{وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(الاعراف:١٥٩)، الآية قالت [من قوم موسى(عليه السلام)]، ففي ظاهر الخطاب إنه عام، يراد به الخواص والمقربين من قومه.
إذن يمكن أن نستدل بهذه الآية لإمكانية تحقق وجه التشبه هذا، أي أن كل مهتدي مُخلص صادق وقريب من الإمام المهدي(عج) ممكن أن يَحصل على هذا الدور فيكون [مهتدياً] بإمام الحق، هادياً به واليه.
المهدوي الهادي
إن اكتساب دور الهادي يحتاج الى مقومات أبرزها هو عدم اكتفاء المهتدي بكونه من أهل الاهتداء والنجاة من الظلمات، فكلما كان المهتدي ذو نظرة اوسع، وتفكير أبعد، ويحمل نفس مهمومة بالغير، كلما كان مؤهل وموفق لذلك أكثر.
فكل العشاق في الدنيا سمتهم إنهم يخفون علاقتهم بمعشوقهم، خوفاً أو حرصاً، إلا العشاق في طريق الحق، تراهم يسعون بكل وجودهم أن يفصحوا ويعرفوا الجميع بمعشوقهم، ومحبوبهم، لأنه عشق مقدس، ليس فيه شيء من الآنا..
بالنتيجة كما إن الانسان الكامل هو صاحب الهداية الأتم، وهو سبيل هداية الخلق الأبين، ليس في تعريفهم الطريق فقط بل الأخذ بأيديهم طوال سيرهم في رحلة هذه الحياة، فهو السبيل الذي يُقيل عثراتهم، ويقيم اعوجاجهم، وينير قلوبهم متى ما أصبحت المسارات حالكة، ويزيد من نور قلوبهم كي يزدادوا ثباتا في سيرهم حتى يوصلهم الى بر الأمان.
كذلك الإنسان المهدوي عندما يوجد في نفسه بلوغ مرتبة الهداية والاهتداء بإمامه، يمكنه أن يكون هادي، ومنارة لغيره ممن يسيرون معه، فهو يسير وهو ملتفت لمن حوله، عينه على أولئك الذين لا نور لهم؛ فيعطيهم من نوره الذي اقتبسه من إمامه(عج)؛ يشد على ايدي أولئك الذين يسيرون بلا عضد ومساند كي لا يستوحشوا طريق الهدى، يمد بالقوة من لا قوة لهم في مواصلة الدرب، يسير جنبا لجنب مع من يراهم قد ضعفوا كي لا يتراجعوا او يتوقفوا؛ فيكون لهم خير مؤنس ورفيق وناصح وصاحب، لأنه ليس مهتدي فقط بل هادي.
_________
(١) مفاتيح الجنان: ص٩١.
(٢)اصول الكافى: ج١، ص 192 .
(٣) الكافي: ج3، ص228.
فاطمة الركابي
تعليق