يتجنى المتنبي،وهو يحسب معارك علي بن أبي طالب عليه السلام ،بعد مبايعته بالخلافة ،نزوعا للقتال متأصلا في نفسه ،وهو استمرارية لقتاله في معارك بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين.
فالقتال في جميع احوال الإسلام كان وسيلة للدفاع عن نفسه أو نشر عقيدته،وبالنسبة الى علي بن أبي طالب عليه السلام ،لم يكن القتال بعيدا عن المنظور الإسلامي ،لكن ثمة فارقا كبيرا بين قتالين : القتال في معارك الإسلام ضد المشركين ،في زمن النبي محمد صل الله عليه واله وسلم ،والقتال في زمن خلافته.
وينبغي التميز بين نوعين من القتال
الأول في زمن الرسول صلى الله عليه واله وسلم ،فقد كان الامام علي بن أبي طالب عليه السلام قائدا فدائيا،مأمورا ومتطوعا،وكان النبي محمد صل الله عليه واله وسلم هو الذي يقرر ويخطط لمعارك العقيدة ضد الشرك،فهو القائد والموجه والمشرف الذي يتولى بنفسه قيادة العمليات الإسلامية والإشراف عليها،ولهذه المعارك الفضل الرئيسي في إنتصار الإسلام ،وانتشاره ،وثباته واتساع رقعته .
اما المعارك التي جرت ،في زمن خلافته عليه السلام،كان ينتهج أسلوبا آخر،لأن القتال الدائر كان بين المسلمين انفسهم ،مع مايختلط من مؤثرات مختلفة ،رغم أن الفرق والفئات التي أعلنت الحرب ،كانت في مباداتها وابتدارها ،هي ذروة التصميم على نهجها القتالي ،إلا أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لم تحكمه ردود الفعل ،وأختار الدعوة إلى الموادعة والصلح والسلم ،ومنع إراقة الدماء وطمس الفتنة،فكان عليه السلام لم يكن غريزته المواجهه مع الذين تتحرك فورة غريزة القتال والانصياع للاشهار السيف بوجههم،
ولم يستطع التمرد المسلح أن يخلق خللا في معادلة علي بن أبي طالب عليه السلام التي كانت في جوهرها معادلة الحق الاسلامي .
كان عليه السلام يقدم درسا نادرا بأفعاله وبكلماته الذي نما وشب عليه بالتطابق في القول و الفعل ،وخصوصا ان اعداءه فهموا طبيعته فحاكوا له المؤمرات والمناورات والاكاذيب.
مهما كانت النتائج السلبية التي نجمت عن انعدام التوازن بين حقانية علي بن أبي طالب عليه السلام واضطراب الاجواء السياسية للمسلمين ،لكن اعطت التأريخ درسا اكبر من الربح والخسارة ،الذي لقنه عليه السلام للخصوم ،ماقيمة الربح الذي كسبه خصم علي بن أبي طالب عليه السلام بإزاء الدروس والحكم والادلة الباهرة التي كسبتها البشرية من الامام علي بن أبي طالب عليه السلام
و من تلك الدروس والماثر ،القوة على قوة النفس ، والشجاعة على شجاعة النفس ،والسير - والحرب في غلواء ابتدائها -على هدى السلم إيثارا لحقن دماء المسلمين .