ها هو شهر رمضان قد طل بنفحاته الروحانية؛ لتعرج روح المؤمن الى عالم الملكوت حيث الارتقاء والكمال، فتمضي لياليه المتألقة بنور الرحمة الالهية، وتزداد تألقا كلما أقتربت ليالي القدر العظيمة.
عندها يحبس التاريخ انفاسه؛ ليسجل أعظم حادثة في تاريخ البشرية.
في تلك الليلة الظلماء، السماء غارقة بنجومها التي انكدرت من الحزن، كل شيء في صمت وحذر، سيد الاوصياء جالس في محرابه، قد أوهنه السهر، وقد طال نظره الى السماء،( انها الليلة التي وُعدت).
انبلج عمود الفجر، وهاهو امير القلوب يشق طريقه نحو بيت الله، يستعد للقاء، دخل المسجد، صلى صلاته المعراجية، ثم علا المئذنة واذن؛ اعلانا لفجر حزين، ستنهمر به الدموع، وتأسى به القلوب، فلم يبقى بيت في الكوفة الا واخترقه صوته الملكوتي.
إيه لتلك النبرات التي ستغادر الحياة، ولاحياة بدون سيد السادات ومنير الليالي الحالكات....تفقد النائمين في المسجد وهو يقول :الصلاة يرحمكم الله.
تقدم امير المؤمنين الى المحراب، تأهبت السماء لأعلان الحداد، اضطربت الملائكة، فاطلقت صيحاتها واعتلى ندائها، وهاهو اشقى الأشقياء يهم بشيء تكاد السماوات يتفطرن منه ، تقدم اللعين وهو يردد نداء الشيطان (لله الحكم ياعلي لا لك)، حمل على سيد الأوصياء، فضربه على رأسه الشريف....فأنشق القمر... أهتز ناموس الكون، تدكدكت الجبال، واضطرب الناس وعلت الاصوات... والامير يردد (هذا ما وعدنا الله ورسوله).
هاهي روح علي تتأهب للرحيل، وهاهي صفوف الملائكة تنتظر أوبة الروح العظيمة وعودها الى سبحات التجلي والمثول، فتشيعها الى بارئها، الى مقعد الصدق في كرامة الرضوان وبهجة الخلود..
تعليق