لعل من الضرورات الإنسانية بين الشعوب والأمم والحضارات، أن يتم التبادل الفكري، والثقافي، والفني... لأن النتاج الحضاري بين الشعوب تم نتيجة الصيرورة الحضارية من خلال التلاقح بين الأفكار، والفنون، والآداب، والعلوم، والترجمة.. أضف الى الغزو والاحتلال ونهب آثار الغير على طول التأريخ الانساني من خلال الحروب التي حدثت في الانسانية...
من أجل السلام بين الشعوب، من اجل السلام بين الأمم، من اجل السلام في الاوطان ذاتها التي فيها اكثر من دين كالهند، الباكستان، لبنان، العراق، الصومال، مصر وكل بقاع الارض، القرآن الكريم يخاطبنا آناء الليل وأطراف النهار: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أتقاكم). فالحوار بين الأديان والثقافات هو المرتجى بين الشعوب والأمم؛ فالتنوع بين الحضارات والثقافات والأديان يدعو الجميع للتقارب والتفاهم. فالثوابت الايمان بالخالق الواحد، وبرسالة الأنبياء يأتي من خلال تنوع حاجاتنا الانسانية والثقافية التي تدعو الى التقارب والانسجام والتعاون. فالسنن الكونية التنوع في الاشجار والطيور, والانسان والتنوع العرقي والاثني, فلم يكن الكون بلون واحد, والتأثر والتأثير والاقتباس بين الحضارات جلي يذكر تشومسكي: (ان هناك اسسا صوتية ونحوية ودلالية مشتركة بين جميع لغات العلم بغض النظر عما اذا كانت بين بعضها علاقات تاريخية ام لم تكن ففي جميع لغات العالم مفردات تدل على الاشياء والمشاعر والصفات والافعال والعلاقات المختلفة).
سؤال يوجه هل الاختلاف رحمة أم نقمة؟! لاريب إنه رحمة للعالمين، هذا الاختلاف جعل للحياة طعمها ومذاقها؛ فتنوع الثقافات والحضارات البوذية, الهندوسية, اليهودية, المسيحية, الاسلامية. ورد عن النبي عيسى (عليه السلام) في انجيل لوقا 6:20-21 (مبروك يا فقراء! لكم ملك الله مبروك يا جياع! ستحصلون على وليمة مبروك يا من يبكون الآن! ستضحكون).
يحتم التعاون والتعايش والحوار وايجاد الحلول الناجحة للمشاكل الانسانية؛ فالمشترك الحضاري والانساني واحد من اجل السلم الدولي، ونقاط الالتقاء بين اكبر مكونين انسانيين المسيحية والاسلام كبير جدا منه كلاهما يؤمن بحقوق الانسان، واحترام الرأي والشورى تماثلها الديمقراطية والحريات السياسية. فتطوير صيرورة التكامل والتقارب بين الشعوب هو المفتاح لنزع فتيل الازمات. المفكرون الكتاب المنصفون الاوربيون يؤمنون بفضل الاسلام في تقنين التشريعات التي تحترم حقوق الانسان والمواثيق الدولية. وقد عاش المسيحيون الى جوار المسلمين باحترام ومساواة في الحقوق.
اما العنف والارهاب الذي طال معظم الدول منذ احداث ايلول في الولايات المتحدة، واحداث اسبانيا، وتفجيرات لندن وشرم الشيخ، وتفجيرات الفنادق الثلاثة في عمان، والارهاب اليومي الذي طال العراقيين في تدمير البنى التحتية، والقتل اليومي بالذبح على الهوية من قبل القاعديين والبعثيين، والعنف غير المبرر محليا وعربيا وعالميا.. فالارهاب هو السرطان بين الشعوب وأخيرا حرب الصهيونية على جنوب لبنان قبل أكثر من عام في تموز لاكثر من شهر والصمود الاسطوري لكن استدراك مجلس الامن والامم المتحدة بقرار1701 لايقاف القتل والعدوان (الصهيوامريكي)، وحصار غزة منذ أشهر واستمراره حتى في عيد الاضحى المبارك؛ فالانسانية تدعونا للتعاطف مع اي وطن محتل وشعبه يتعرض للأذى رغم إن مأساتنا وفواجعنا أدمت قلوبنا.
بالطبع هناك اجندة خفية تحاول تصعيد التوتر والتقاطع الحضاري بين الشعوب والأمم. وهناك دوائر تخطط للعنف وإشاعته وإحداث الفوضى. إن استشراف المستقبل بأحداثه الدامية فيما لو وقعت حروب نووية - لا قدر الله ذلك فهو رؤوف بالعباد -.
رغم نوازع الشر في نفوس جنرالات الحروب... فان الحوار في كتاب (كريستوفر نوريس) ترجمة د.عابد اسماعيل نظرية لا نقدية (ما بعد الحداثة المثقفون وحرب الخليج) يدخل سولو من دريدا في حوار (طور في مقالة تتحدث عن موضوعية النقد النووي) بشأن مقالة تقول: اننا مقبلون على حرب الدمار الشامل إذ ان الاخطار المحدقة عظيمة ليس اقلها انقراض الحياة على الارض بما في ذلك الارشيف السينمائي للذاكرة التاريخية برمته، والانجاز التكنلوجي، والمصادر والمراجع الاكاديمية وغيرها... لدرجه بات ان من غير المجدي تصور سباق التسلح ونتائجه المحتملة ضمن صيغ علمية للعالم الحقيقي.
ان صرخات التصادم بين الغرب المتحضر والشرق البربري (ما يدعى من عنصري التفكير) هو محض هراء؛ فالعالم يحتاج بعضه البعض والدول الكبرى بحاجة الى الاسواق الاخرى لتصريف منتجاتها الصناعية والزراعية فان لم يكن هناك حوار دبلوماسي شفاف، وبرتوكولات للتعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي لايمكن للحياة ان تسير بشكل طبيعي... اذا فاطروحة الحوار هي اقرب للتفاعل بين الشعوب من صوت المدفع وصوت القوة والدمار.