منذ سبعة اشهر، وأنا أحلم ان يزورني احد منهم، كل شيء هنا يشير الى الموت، لا حياة في هذه الصحراء المنزوية، ما زلت أحلم مع كل يقظة صبح، صرت اتوقع أن اراهم يبحثون عني، أن أسمع من يناديني باسمي:ـ زين... زين العابدين... ليمسحوا عن وجهي الدم.. كيف يمسحون الدم عن جسد غير الرصاص وعبث المثلة كل شيء فيه حتى ملامح وجهي الانساني.. عبثوا به.
كنت اتمنى ان يجلبوا لي كتبي لأقرأ وكي لا يمرني الوقت دون ان اشاغله بما ينفع، الانتظار مهلك، هناك شيء غريب يحدث اليوم حراكا غير طبيعي رمي مكثف، كنت اسمع الدواعش واستغاثات الموت.
كنت اشعر بهم وهم يهربون، وفرحت كثيرا حين ادركت ان السجارية تثب لتستعيد هويتها فهي تنتمي بزهو الى الحصيبة الشرقية، لقد تركوها اخيرا لتعيش محفل عراقيتها ومع تحريرها سأتحرر انا من حفرتي.
واذا بصوت اعرفه اسمعه يرشدهم، في هذا الموقع كان هناك شاب من اهل البصرة – الزبير.. اسمه زين العابدين وهو من مواليد 1993 طالب في المرحلة الثانية كلية القانون، التحق بنا بعد الامتحانات مع اخيه مصطفى.
استشعر ان الجميع كان يبحث عني ويستمع الى المرشد، اصيح: انا هنا اخوان انا زين العابدين.. انا الذي تمنيت منذ سبعة اشهر ان اراكم، سمعت احدهم يقول:ـ اين انت يا زين؟
صحت:ـ انا هنا، لكنهم لا يسمعونني، قال مرشد القوم واسمه حسن عبد الكريم وهو من كربلاء:ـ كانا مقاتلين شرسين ويشكلان قوة كبيرة هو واخوه.. لقد قاتلا قتال الابطال، حتى اشعر الدواعش بالخذلان، فهم يعلمون ان مقاتلينا ليسوا ممن يرفعون يد ذلتهم سلاما.
رحت احدثهم عن ما دار ساعة المواجهة، كانت اياما مباركة، وكنا نحتفي بشهادة الامام علي (عليه السلام)، وكان هذا اليوم بالنسبة للدواعش يوما لابد ان يستغلوا فيه هذا التعالق الروحي الذي قد يشغلنا عن اداء الواجب بالصورة المطلوبة.
مساكين هم لا يعرفون من نكون، أو ربما ليزيدوا اثر وقع القتل فينا، هكذا كان حساباهم، هجموا واذا بهم يروون ما ليس في الحسبان، قاتلنا بقوة وبسالة وشجاعة، يبدو ان الهجوم كان اكثر من قابلية تسليحنا، ولهذا ادركنا ان علينا الاقتصاد بالعتاد، وتشاورت الامر مع مصطفى الذي كان يرى ان لاشيء يخدمنا سوى تقريب المسافات وتحويل المواجهة الى اشتباك بالسلاح دون الرمي.
عرفنا ان جميع افراد الحضيرة استشهدوا، جمعنا اسلحتهم افرغنا العتاد واعددنا الذخيرة لمواجهة اطول، وفجأة وقع مصطفى وهو ينزف بدمه وانفاسه الاخيرة حيث اشار الى صدري الجريح: أي موقف كان، استحضرت موقف سيدي الحسين (عليه السلام) حين بقى وحيدا في المواجهة، اي رجل كان مولاي الحسين (سلام الله عليه) ما هزته الجراح وكان ينزف دما ولا يدري انه جريح ومصاب.
وحين انتبهت الى جراحي ازددت اصرارا للمواجهة، كنت أغيظ الاعداء بمناجاتي واستغاثاتي بالحسين (عليه السلام) التي هي آخر ما تبقى من هويتي واريد ان اشهرها عن قصد في مسامعهم:ـ يا حسين.. انا معكم في الدنيا والآخرة، ورحت أهزج في لحظاتي الاخيرة:ـ ابد والله ما ننسى حسيناه.
اليوم على ما يبدو ان الحشد قد حرر حصيبة الشرقية وقد هرب الدواعش عن حصيبة، وها هم الصحب يبحثون بقرب حفرتي بحثنا عني:ـ اللهم بحق صاحبة القبر المجهول مولاتي الزهراء (سلام الله عليها) دعهم يستدلون على قبري ليخرجوني من هذه الحفرة، وإذا بأحدهم يمد يده ويقرأ في القرص التعريفي، ثم ينادي فرحا:ـ هذا قبر زين.
لقد عثرت عليه وفعلا بحثوا في قبري ليستدلوا علي وانا دون ملامح، اناديهم نعم انا زين يا جماعة انا هو الرجل الذي ترك ملامحه عن ركب الطفوف المباركة دعوني اعانق فرحتي وانقلوني الى كربلاء؛ لأزور الحسين (عليه السلام)، وأدعو لكم بالنصر الأكيد.