سأترك المحاورة والتحاور؛ لأني أعرفها لا تجدي نفعاً، ولكني سألجأ الى النصيحة؛ علني أقف عند حيثيات تكوين شخصيتك، وسأغمض عين القلب، وأناديك صديقي، وذلك تبعاً لمتطلبات النصح الفاعلة.
مع الأسف، التأريخ أصبح ساحة واسعة للاسقاطات الفكرية والسياسية المشوشة، وأغلبها يعتمد قصدية الطعن، وسأترك أسألتك الساذجة، وأذهب الى نصيحتي التي هي أغنى وأنفع لك.
أكيد انك تجهل من هي سيدتي ومولاتي زنيب (عليها السلام)، على حقيقة معناها، وإلا لما تجرأت عليها بهذا الخواء..! دعني اوضح لك بعض سماتها التكوينية، زينب (عليها السلام) هي سبطة الرسول (ص) ابنة ابنته الزهراء (عليها سلام الله)، هي روح علي (عليه السلام) وصي رسول الله، وأمير المؤمنين، هي ابنة الضلع المكسور، مع أنكم أنكرتم الجريمة رغم اعتراف الجناة، هي ابنة المحراب المفضوخ الرأس، وهي أخت الكبد المسموم، وقائدة كربلاء حيث تسلمت راية قيادة الدين من النحر الوتين، وأشلاء الضحايا شهود.
ذبحت ابن زياد الامير المُنصّب على الكوفة والبصرة من قبل يزيد، بسيف (ما رأيت إلا جميلا). هي زينب (عليها السلام) التي قادت الانقلاب على يزيد في مجلسه الهزيل.. سؤال: لماذا اتخذتَ من مشهد قبرها وسيلة من أحقر وسائل الطعن، وأغلب المصادر التي اعتمدت على وجود قبرها المبارك في مصر هي مصادر تابعة لعلماء أبناء العامة، وثم ماذا لو تعددت المراقد؟
لماذا تنظر اليها كعيب من عيوب التأريخ، وأنت تدري ما عانى التدوين من خنق وتغيير وتزييف منذ أول سقيفة الى اليوم، حتى أحاديث رسول الله قد منعت وزهفت، فمن الطبيعي لمثل هذا الوضع أن تلد العديد من القراءات والمناقشات، ولِمَ لا يكون في الأمر خير انت لا تقدر أن تراه.
إنّ الله تعالى منّ علينا أن يكون للزهراء أكثر من تاريخ نحتفي به في استشهادها، فما الذي يغيظك لو احتفينا بأكثر من تاريخ؟، هل ستعده تجاوزاً، ونحن أحرار بما نفعل ما دمنا لا نتجاوز على أحد، لم نقطع رقاب الناس ولا كفرنا الأمم ولا صنعنا فرقة التكفير وجعل الله تعالى قبر الزهراء هو الكون كله.
وكذلك شاء الله تعالى أن يكون لزينب (عليها السلام) أكثر من مسجد ومزار، وأنت تعلم أن علماء الشيعة كلهم متفقون على أن الأمويين نفوا السيدة زينب الى الشام خشية أن يمتد أثرها لتكون عنصراً فاعلاً من عناصر الثورة، فتم نفيها الى قرية من قرى الشام.
وبما أن زوجها عبد الله بن جعفر رحل من المدينة الى قرية راوية القريبة من دمشق؛ لأنه كان يمتلك ضيعة هناك، والمعروف ان النفي كان بسبب عمرو بن سعد الاشدق الذي كتب الى يزيد يوضح له خطورة بقاء زينب من المدينة.
وأما ان تبحث عن سقطات تعبيرية لبعض الكتاب نحن ولله الحمد ليس لدينا كتب مقدسة، وتجاوزها يعني كفر كبير، فكل تلك الكتب هي آراء لعلماء وليس لدى الشيعة ذلك العنت السلفي المرتكز على وحدانية المنقول، بل لديهم حكم العقل فلا تزعل.
واعلم أن الشيعة يدركون تماماً من هي زينب مصر يا صديقي، لم يرد في كتب العلماء حقيقة ان تكون زينب بنت علي في مصر ولا ذكر مرقدها الرحالة مثل ابن بطوطة ولا ابن جبير ولا ابن شاهين وجميع الشيعة تقريبا يعرفون مرقد السيدة زينب في مصر هو مرقد السيدة الطاهرة زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الانور بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهم، السلام).
ومن منطلقات التحليل العقلي للواقع التاريخي الذي عاشته زينب (عليه السلام) وجه البعض هواجسه ان لا تكون الوفاة إلا شهادة والأسلوب المتبع للتصفية السياسية هو السم، فقد يكون رحيلها عبر هذا السلاح فليس بعيدا أن تُسمم، حالها حال المعالجات الاخرى لمثل عقليات هذه العروش الخاوية..!
فمن قال بأن هذا المرقد زينبي هو الناس التي تبركت بمثواها فأقاموا لها موسما للزيارة والتبرك.. وأخيراً من حق هذه الصداقة أن اقول لك: مهما كنت ومن أي مذهب أو دين، ومن حرصي عليك، اقولها لك: إياك.. إياك.. وزينب (عليها السلام).