كانوا قليلين من حيث العدة والعدد ولا تعتبر هذه العدة القليلة جيشا في تأريخ أي حرب في التأريخ فهم صنعوا بهذه القلة ملحمة ومفخرة ولا يذكر
التأريخ أن هناك شخصا تلألأ مثل شهداء كربلاء ويكفي في عظمتهم أنهم عسكروا بذلك العدد القليل أمام الآلف مؤلفة مسلحة تسليحا جيدا فكانوا
مصداقا للآية القرآنية {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (249) سورة البقرة, فتقيمهم يجدر بالإيمان كانوا راسخين
به واتضحت جوهرة إيمانهم الأصلية يوم عاشوراء حيث ظلوا ثابتين عليه حتى آخر رمق وكانوا جميعا من عباد الله المخلصين وكانوا من أهل
صلاة الليل وتلاوة القرآن والذكر والمناجاة والدعاء وكانوا خاضعين لله. فهم قدموا كل ما لديهم إلى الله بإخلاص وكانوا يرون أنفسهم على الحق
وقاتلوا بكل كيانهم ولم يهتموا للآلام رغم الجراح بل كانوا يفكرون بالتضحية في سبيل الله. كانت لديهم أهدافا مدروسة يرضى بها الله وهي رفع
الظلم واحتقار سياسة القوة وإعلاء كلمة الله ونيل مقام القرب الإلهي. كان الجمع الذي اختار الحسين عليه السلام لنصرته جمعا متنوعا ضم
الطفل والشيخ والشاب فمسلم بن عوسجة وحبيب وبرير كانوا شيوخا وأطفال مثل عمرو بن جنادة ورضع مثل علي الأصغر وشبابا مثل علي
الأكبر وفتية مثل القاسم بن الحسن عليه السلام كان هذا الجمع القليل بمثابة امة عظمى وقد زرعوا رعبا شديدا في قلب الخصم لقد بذل الإمام
عليه السلام جهده وكان دقيقا في اختيار عناصر الثوار على ضوء مشروعه الثوري الكبير وكان يفضل النوعية على كثرة العدد وقد اختار رجالا
كانوا مؤمنين ومن أهل الثبات والتقوى وأهل الحق والإيثار والشعور بالمسؤولية.
لقاء الفتلاوي
تم نشره في المجلة العدد28
تعليق