وكيف لي أن التحق بصفوف المجاهدين وأبي يرقد في فراشه لاحول له ولاقوة ؟!
ياإلهي أكاد أفقد عقلي .. الرفاق هبوا للدفاع عن الارض والعرض وانا امكث هنا !
انا خجِل من أبي لو استطاع الكلام لأدبني على فعلتي هذه ، كيف اتوانى عن الالتحاق بركب المجاهدين ؟!
نعم ، اعرفه جيداً ومعسكرات القتال تعرفه أيضاً ،
بزّته العسكرية وسلاحه المعلق على الحائط في غرفة الاستقبال دليل على ذلك، وشاهد عيان على بطولاته وانتصاراته ، أما تلك الصورة التي وضعنا لها إطاراً ثميناً فهي تحكي للناظر عن ذاك البطل المغوار ، عن الوقفة الشامخة التي وقفها وهو يؤدي التحية العسكرية لسيده ومولاه الحسين صلوات الله وسلامه عليه في الروضة الحسينية المقدسة ، متعهداً أنه سيناصره ، ويلبي النداء وإن فصله عنه الزمن وحالت الأعوام والدهور بينه وبين نصرته في كربلاء ، معتذراً منه أنه لم يكن في الطف ، ويعده بأنه سيكون طفّا ، ذلك قبل ان ينطلق إلى المهمة التي أوكلت إليه ، والتي عاد منها مبتور الساقين ، بالكاد يرى أثر النور دون أن يتعرف إلى الوجوه .
منذ ذاك اليوم وأنا أقوم بخدمته ورعايته ( قال في نفسه ) كيف سيغفر لي تلك الزلة ؟،وكيف أقابل الناس وانا ابن القائد البطل الذي كان يصول ويجول مدافعاً بكل ماأوتي من قوة وإيمان وعقيدة ، وكيف لي أن أقف تلك الوقفة في محضر مولاي الحسين صلوات الله وسلامه عليه؟!
أوَأجرؤ على ان ارفع راسي في حضرته ، ألسنا في كربلاء اليوم ، ونعيش ذاك الصراع المتمثل بمعسكري الحق والباطل ، من يناصر الآن فقد انضم إلى ركب المخلصين ، يإلهي !
لقد غرس ابي فينا كربلاء، فنشأنا نستقي من معين تلك النهضة الحسينية عاماً بعد عام ، حتى سرت في عروقي دماء الشهادة ، التي بذلها الأصحاب الخُلّص في سبيل نصرة سيدهم ومولاهم ونصرة العقيدة والإيمان الحقّ ..
آه . كم أنا متعب ، افكار وأفكار تدور في رأسي ، يكاد رأسي ينفجر .
انا لست جباناً ، أحمل من القوة والثبات مايمرغ انوف الطغاة في التراب ، اوَ أجلس هكذا حبيس الدار ، ولكن من يرعى أبي ومن يقوم على خدمته ؟؟
إنه الفجر .. التراتيل السماوية تملأ الكون بالسكون ، مع انفاس الصباح تكاد كل مفردات الكون تؤدي سجدة الخشوع لله الأحد، ألم يأنِ لهذا القلب أن يسجد في محراب الشهادة .
انطلق إلى أبيه ، القى عليه تحية الصباح والابتسامة تعلو وجهه ، لربما سمعه أو استطاع أن يلمح شيئاَ من قسماته ، قام بتوضئته وتركه يؤدي صلاته بما أوتي من قدرة ، كما دأبه كل يوم .
صوت الماء وهو يتوضأ ادخل السكينة إلى قلبه ، افترش سجاده في موعد للعاشقين ، ادى صلاته على اكمل وجه ثم توجه للدعاء ، كان يتمتم بكلمات غير واضحة إلا أن الدموع كانت تغطي وجنتاه .
ومالبث أن غفى على سجادته ..
"كان المسجد واسعاً , يفوح منه الطيب منتشراً في كل مكان ، دخل إلى المسجد ، صوت الماء مع قدسية المكان ورجع صدى الأذان يجلجل القلوب فترتعش خاشعة ،
وشيخ كبير يجلس جانياً يتمتم بهدوء ، اقترب إليه جلس صامتاً لبضع دقائق ريثما انتهى الشيخ من مناجاته ملتفتاً إليه :
- أود ان أسألك سؤالاً مولانا
- أومأ له بالإيجاب
- أليس من حقي أن اقوم بواجبي وأكون من المجاهدين.؟
نهض الشيخ متوجهاً نحو الباب دون أن ينظر إليه وهو يردد " وأما حق أبيك ، وأما حق أبيك " إلى ان غاب عن الأنظار "
صحا من نومه وهو يرتعش ويردد العبارة ، اسرع إلى رسالة الحقوق نعم هذا ماأريده .
"وأما حق أبيك : فان تعلم أنه أصلك ، وأنك فرعه ، وأنك لولاه لم تكن. فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه ، واحمد اللّه واشكره على قدر ذلك ولاقوة إلا بالله "
ياإلهي كيف لم اعِ ذاك المعنى قبل هذا ، ان أؤدي حق ابي فذلك يعني أني في حالة عبادة ..
يكفيني جهاداً أن أبرّ ابي ، رب اجعلني بارّاً به وتقبل مني .. نهض مستبشراً دخل غرفة والده انحنى على يديه مقبّلاً طالباً رضاه ودعائه .. فمنذ تلك اللحظة بدأت رحلة جهاده .
سوريا دمشق
الكاتب محمد ياسين مصطفى كوسه