هيبة سليمان وموته العبرة1!!
بسم الله الرحمن الرحيم (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ)
[سورة سبأ 12]
نبذة عن تفسير الآية:
تبتدئ الآية الحديث عن سليمان ابن داود (ع)، حيث تشير إلى ثلاث مواهب عظيمة خُصّ بها سليمان(ع) يقول تعالى: (ولسليمان الريح غدوّها شهر ورواحها شهر).
الملفتُ هنا أنّ الله تبارك وتعالى حينما سخّر للأب جسماً خشناً وصلباً جدّاً وهو الحديد، نرى أنّه قد سخّر للإبن موجوداً لطيفاً للغاية، ولكنّ العملين كانا نافعين وإعجازيين، جسم صلب يلين لداود، وأمواج الهواء اللطيفة تجعل محكمة وفعّالة لسليمان!!
ولطافة الريح لا تمنع من أدائه أعمال هامّة، فمن الرياح ما يحرّك السفن الكبيرة على ظهر المحيطات، ومنها ما يدير أحجار الطاحونات الهوائية الثقيلة، ومنها ما يرفع البالونات إلى عنان السماء ويحرّكها كالطائرات.
نعم، هذا الجسم اللطيف بهذه القدرة الإيجابية سُخّر لسليمان.
أمّا كيف تحمل الريح مقعد سليمان، (سواء أكانت كرسياً أم بساطاً)؟ فليس بواضح لنا.
والقدر المتيقّن هو أن لا شيء يمثّل مشكلة أو عقبة أمام قدرة الله، لقد إستطاع الإنسان بقدرته - الحقيرة أمام قدرة الله - أن يحرّك البالونات والطائرات التي تحمل مئات بل آلاف المسافرين والأحمال الاُخرى في عنان السماء، فهل أنّ تحريك بساط سليمان بواسطة الريح يشكّل أدنى مشكلة للباري جلّت قدرته!؟
ما هي العوامل التي تحفظ سليمان ووسيلة نقله من السقوط أو من ضغط الهواء والمشكلات الاُخرى الناشئة من الحركة في السماء؟ هذه أيضاً من المسائل التي خفيت عنّا تفصيلاتها.
ولكن ما نعلمه أنّ تأريخ الأنبياء حافل بخوارق العادة والتي - مع الأسف - إمتزجت نتيجة جهود بعض الجهلة أو أعداء المعرفة بالخرافات حتّى أضحت الصورة الحقيقية لهذه الاُمور مشوشة وقبيحة، ونحن نقتنع بهذا الخصوص بالمقدار الذي أشار إليه القرآن الكريم.
"غدو": بمعنى وقت الصبح من النهار، يقابله "الرواح" بمعنى وقت الغروب من النهار، ويطلق على الحيوانات عند عودتها إلى مساكنها في آخر النهار للإستراحة، ويبدو من القرائن في الآية مورد البحث أنّ "الغدو" هنا بمعنى النصف الأوّل من النهار، و "الرواح" النصف الثّاني منه، لذا يحتمل في معنى الآية أنّ سليمان (ع)يقطع في وقت مقداره من الصبح إلى الظهر - بمركبه - ما يعادل المسافة التي يقطعها المسافرون في ذلك الزمان بشهر كامل، وكذا نصف النهار الثاني.
بعدئذ تنتقل الآية إلى الموهبة الثّانية التي خصّ الله بها سليمان (ع) فتقول الآية الكريمة: (وأسلنا له عين القطر).
"أسلنا" من مادّة "سيلان" بمعنى الجريان، و "القطر" بمعنى النحاس، والمقصود أنّنا أذبنا له هذا الفلز وجعلناه كعين الماء، وذهب البعض إلى أنّ "القطر" يعني أنواع الفلزات أو "الرصاص"، وعلى هذا يكون قد اُلين الحديد للأب، واُذيبت الفلزات بأجمعها للابن، ولكن المشهور هو المعنى الأوّل.
كيف يكون النحاس أو الفلزات الاُخرى كعين الماء بين يدي سليمان (ع)؟ هل أنّ الله علّم هذا النّبي كيفية إذابة هذه الفلزات بكميات كبيرة بطريقة الإعجاز؟ أو جعل عيناً من هذا الفلز المائع تحت تصرفه، تشبه عيون البراكين وقت فعاليتها، حيث تنحدر منها على أطراف الجبل بصورة إعجازية، أو بأي شكل آخر؟ ليس واضحاً لدينا وما نعلمه هو أنّ ذلك أيضاً كان من الألطاف الإلهية على هذا النّبي العظيم.
أخيراً تنتقل الآية إلى بيان الموهبة الإلهية الثالثة لسليمان (ع) وهي تسخير مجموعة كبيرة من الجنّ لخدمته فتقول الآية: (ومن الجنّ من يعمل بين يديه بإذن ربّه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير).
"الجنّ": وكما هو معلوم من إسمه، ذلك المخلوق المستور عن الحسّ البشري، له عقل وقدرة ومكلّف بتكاليف إلهية - كما يستفاد من آيات القرآن -.
لقد صيغت حول "الجنّ" أساطير وحكايات وقصص خرافية كثيرة، لو حذفناها لكان أصل وجودهم والصفات الخاصّة بهم التي وردت في القرآن موضوعاً لا يخالف العلم والعقل مطلقاً.
وعلى كلّ حال، يستفاد من تعبير الآية أعلاه، أنّ تسخير هذه القوّة العظيمة كان - أيضاً - بأمر الله، وأنّهم كانوا يتعرّضون للعقاب لدى تقصيرهم في أداء مهامهم.
قال بعض المفسّرين: إنّ المقصود من "عذاب السعير" هنا، عقوبة يوم القيامة، في حين أنّ ظاهر الآية يشير إلى أنّها عقوبة في الدنيا.
وكذلك يستفاد من الآيات 37 و38 من سورة "ص" بأنّ الله قد سخّر لسليمان(ع) مجموعة من الشياطين لإنجاز أعمال عمرانية هامّة له، وأنّهم كانوا يكبّلون بالسلاسل بأمر من سليمان عند ظهور أي تخلّف منهم (والشياطين كلّ بنّاء وغواص * وآخرين مقرنين بالأصفاد).
والجدير بالملاحظة، هو أنّه لإدارة حكومة كبيرة، ودولة واسعة كدولة سليمان يلزم وجود عوامل عديدة، ولكن أهمّها ثلاثة عوامل ذكرتها الآية أعلاه وهي:
الأوّل:*توفّر واسطة نقل سريعة مهيّأة على الدوام، لكي يستطيع رئيس الحكومة تفقّد جميع أطراف دولته بواسطتها.
الثاني:*مواد أوّلية يستفاد منها لصناعة المعدّات اللازمة لحياة الناس والصناعات المختلفة.
الثالث:*قوّة عاملة فعّالة، تستطيع الإفادة من تلك المواد بدرجة مناسبة، وتصنيعها بالكيفية اللازمة، وسدّ حاجة البلاد من هذه الجهة.
ونرى أنّ الله تعالى قد قيّض لسليمان هذه العناصر الثلاثة، وقد حقّق سليمان منها أحسن الفائدة في ترقية الناس وتعمير البلاد وتحقيق الأمن فيها.
وهذا الموضوع لا يختّص فقط بعصر سليمان (ع) وحكومته، فالإلتفات إليه ومراعاته من الضروريات اليوم وغداً، وفي كلّ مكان لأجل إدارة الدول بطريقة صحيحة.
المصدر: تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل
بسم الله الرحمن الرحيم (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ)
[سورة سبأ 12]
نبذة عن تفسير الآية:
تبتدئ الآية الحديث عن سليمان ابن داود (ع)، حيث تشير إلى ثلاث مواهب عظيمة خُصّ بها سليمان(ع) يقول تعالى: (ولسليمان الريح غدوّها شهر ورواحها شهر).
الملفتُ هنا أنّ الله تبارك وتعالى حينما سخّر للأب جسماً خشناً وصلباً جدّاً وهو الحديد، نرى أنّه قد سخّر للإبن موجوداً لطيفاً للغاية، ولكنّ العملين كانا نافعين وإعجازيين، جسم صلب يلين لداود، وأمواج الهواء اللطيفة تجعل محكمة وفعّالة لسليمان!!
ولطافة الريح لا تمنع من أدائه أعمال هامّة، فمن الرياح ما يحرّك السفن الكبيرة على ظهر المحيطات، ومنها ما يدير أحجار الطاحونات الهوائية الثقيلة، ومنها ما يرفع البالونات إلى عنان السماء ويحرّكها كالطائرات.
نعم، هذا الجسم اللطيف بهذه القدرة الإيجابية سُخّر لسليمان.
أمّا كيف تحمل الريح مقعد سليمان، (سواء أكانت كرسياً أم بساطاً)؟ فليس بواضح لنا.
والقدر المتيقّن هو أن لا شيء يمثّل مشكلة أو عقبة أمام قدرة الله، لقد إستطاع الإنسان بقدرته - الحقيرة أمام قدرة الله - أن يحرّك البالونات والطائرات التي تحمل مئات بل آلاف المسافرين والأحمال الاُخرى في عنان السماء، فهل أنّ تحريك بساط سليمان بواسطة الريح يشكّل أدنى مشكلة للباري جلّت قدرته!؟
ما هي العوامل التي تحفظ سليمان ووسيلة نقله من السقوط أو من ضغط الهواء والمشكلات الاُخرى الناشئة من الحركة في السماء؟ هذه أيضاً من المسائل التي خفيت عنّا تفصيلاتها.
ولكن ما نعلمه أنّ تأريخ الأنبياء حافل بخوارق العادة والتي - مع الأسف - إمتزجت نتيجة جهود بعض الجهلة أو أعداء المعرفة بالخرافات حتّى أضحت الصورة الحقيقية لهذه الاُمور مشوشة وقبيحة، ونحن نقتنع بهذا الخصوص بالمقدار الذي أشار إليه القرآن الكريم.
"غدو": بمعنى وقت الصبح من النهار، يقابله "الرواح" بمعنى وقت الغروب من النهار، ويطلق على الحيوانات عند عودتها إلى مساكنها في آخر النهار للإستراحة، ويبدو من القرائن في الآية مورد البحث أنّ "الغدو" هنا بمعنى النصف الأوّل من النهار، و "الرواح" النصف الثّاني منه، لذا يحتمل في معنى الآية أنّ سليمان (ع)يقطع في وقت مقداره من الصبح إلى الظهر - بمركبه - ما يعادل المسافة التي يقطعها المسافرون في ذلك الزمان بشهر كامل، وكذا نصف النهار الثاني.
بعدئذ تنتقل الآية إلى الموهبة الثّانية التي خصّ الله بها سليمان (ع) فتقول الآية الكريمة: (وأسلنا له عين القطر).
"أسلنا" من مادّة "سيلان" بمعنى الجريان، و "القطر" بمعنى النحاس، والمقصود أنّنا أذبنا له هذا الفلز وجعلناه كعين الماء، وذهب البعض إلى أنّ "القطر" يعني أنواع الفلزات أو "الرصاص"، وعلى هذا يكون قد اُلين الحديد للأب، واُذيبت الفلزات بأجمعها للابن، ولكن المشهور هو المعنى الأوّل.
كيف يكون النحاس أو الفلزات الاُخرى كعين الماء بين يدي سليمان (ع)؟ هل أنّ الله علّم هذا النّبي كيفية إذابة هذه الفلزات بكميات كبيرة بطريقة الإعجاز؟ أو جعل عيناً من هذا الفلز المائع تحت تصرفه، تشبه عيون البراكين وقت فعاليتها، حيث تنحدر منها على أطراف الجبل بصورة إعجازية، أو بأي شكل آخر؟ ليس واضحاً لدينا وما نعلمه هو أنّ ذلك أيضاً كان من الألطاف الإلهية على هذا النّبي العظيم.
أخيراً تنتقل الآية إلى بيان الموهبة الإلهية الثالثة لسليمان (ع) وهي تسخير مجموعة كبيرة من الجنّ لخدمته فتقول الآية: (ومن الجنّ من يعمل بين يديه بإذن ربّه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير).
"الجنّ": وكما هو معلوم من إسمه، ذلك المخلوق المستور عن الحسّ البشري، له عقل وقدرة ومكلّف بتكاليف إلهية - كما يستفاد من آيات القرآن -.
لقد صيغت حول "الجنّ" أساطير وحكايات وقصص خرافية كثيرة، لو حذفناها لكان أصل وجودهم والصفات الخاصّة بهم التي وردت في القرآن موضوعاً لا يخالف العلم والعقل مطلقاً.
وعلى كلّ حال، يستفاد من تعبير الآية أعلاه، أنّ تسخير هذه القوّة العظيمة كان - أيضاً - بأمر الله، وأنّهم كانوا يتعرّضون للعقاب لدى تقصيرهم في أداء مهامهم.
قال بعض المفسّرين: إنّ المقصود من "عذاب السعير" هنا، عقوبة يوم القيامة، في حين أنّ ظاهر الآية يشير إلى أنّها عقوبة في الدنيا.
وكذلك يستفاد من الآيات 37 و38 من سورة "ص" بأنّ الله قد سخّر لسليمان(ع) مجموعة من الشياطين لإنجاز أعمال عمرانية هامّة له، وأنّهم كانوا يكبّلون بالسلاسل بأمر من سليمان عند ظهور أي تخلّف منهم (والشياطين كلّ بنّاء وغواص * وآخرين مقرنين بالأصفاد).
والجدير بالملاحظة، هو أنّه لإدارة حكومة كبيرة، ودولة واسعة كدولة سليمان يلزم وجود عوامل عديدة، ولكن أهمّها ثلاثة عوامل ذكرتها الآية أعلاه وهي:
الأوّل:*توفّر واسطة نقل سريعة مهيّأة على الدوام، لكي يستطيع رئيس الحكومة تفقّد جميع أطراف دولته بواسطتها.
الثاني:*مواد أوّلية يستفاد منها لصناعة المعدّات اللازمة لحياة الناس والصناعات المختلفة.
الثالث:*قوّة عاملة فعّالة، تستطيع الإفادة من تلك المواد بدرجة مناسبة، وتصنيعها بالكيفية اللازمة، وسدّ حاجة البلاد من هذه الجهة.
ونرى أنّ الله تعالى قد قيّض لسليمان هذه العناصر الثلاثة، وقد حقّق سليمان منها أحسن الفائدة في ترقية الناس وتعمير البلاد وتحقيق الأمن فيها.
وهذا الموضوع لا يختّص فقط بعصر سليمان (ع) وحكومته، فالإلتفات إليه ومراعاته من الضروريات اليوم وغداً، وفي كلّ مكان لأجل إدارة الدول بطريقة صحيحة.
المصدر: تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل
تعليق