محاضرة في تراث عاشوراء الثقافي والشعري والنغمي وكيفية حمايته للأستاذة/ آمال إبراهيم محمد مديرة المركز الدولي لدراسة الموسيقى التقليدية.
تتمتع واقعة عاشوراء الطف بمزايا كثيرة متنوعة تتيح لكل رؤية متخصصة من الولوج إلى عوالم تلك الواقعة لمواءمة مفاهيمها مع جميع المعطيات العلمية والفنية والأدبية، لكون هذه السمات مرنة، ومن الممكن أن نجد الكثير من المفردات التي تشكل مفاتيح الدخول إلى العوالم البحثية كسمة الشهرة التي تبنتها الأستاذة السيدة آمال إبراهيم في محاضرتها الموسومة تراث عاشوراء الثقافي الشعري والنغمي وكيفية حمايته، إذ قالت: إن ثورة الحسين هي من أشهر حوادث التأريخ قاطبة لتطوع هذه الشهرة لبنية التحاور مع وجود بعض المفردات التعبيرية التي هي وليدة الشهرة نفسها مثلاً الطقوس العاشورائية التي اعتبرتها من أكبر المناسبات الدينية الشعبية وشعائر الولاء لأهل البيت (ع) مع ذكر المساحة الزمنية المتوارثة من جيل إلى جيل مروراً بتموجات سياسية بين المنع والازدهار التي حقبت لنا هذه الطقوس لترتكز على المعنى القصدي للمسعى التدويني الخاص الذي حددته ببعض الأركان الأساسية وفي طبيعة الأمر هذا التبعيض غير المقصود لحصر أو إعطاء سمة المحدودية للمحاضرة، ولكنها عبارة تجميلية مهذبة كي تتخلص من مسألة الاحتواء التام ولكي تعطي مشروعية الإضافة لمن يسعى، وهذه الأركان تمثلت بالتراث الشعري والموسيقي الديني. ولكي يكون هدف المتابعة غنيا وجادا نجد ثمة ملاحظات جادة لا بد من تدوينها:
أولا: إنها حددت الصيغة الموسيقية بالعفوية... ولا أعرف ما المقصود بالعفوية فنغميات التراتيل الحسينية نغميات مدروسة ولها تخصصات علمية منذ تكوينها الأول وقد عرفت كربلاء بعض المتخصصين في هذا المجال، والتي تسمى الأطوار كالحاج عزيز الكلكاوي والحاج كاظم البناء وغيرهم الكثير... حتى أصبح لكل منشد حسيني له طوره اللحني الخاص، كطور حمزة الصغير وطور جاسم النويني وطور ياسين الرميثي بل أصبحت هناك هويات لحنية خاصة كالطور الكربلائي والنجفي... إذن المسألة غير عفوية مادمنا نتحدث في موضوع الصياغة وليس (الفطرة).
ثانياً: إن احتياج مثل هذه الدراسات أو المحاضرات إلى خبرة ميدانية، بينما الكاتبة اعتمدت حسب قولها على جولات ميدانية فهذا إن دل على ضعف المنحل البحثي في المناقشة فهو يدل على مثابرة السيدة الأستاذة وجهدها المميز وجرأتها الرائعة لاقتحام هذا الميدان الصعب.
ثالثاً: حصر المشاهدة في مدينة واحدة وهي مدينة الكاظمية أي في لون واحد وهوية واحدة دون الانفتاح على بقية المدن التي كانت تستقي منها الكاظمية نفسها الخبرة الأدائية والخبرة اللحنية.
حاولت السيدة آمال إبراهيم محمد من وصف شكلية الظاهرة الشعائرية أي إعطاء الخصائص العامة بالأنظمة التكوينية لتبلور فاعلية منهجية تنسجم مع قيم المحاضرة كالتهيؤ المسبق للمواكب المشاركة عامة، مع تباين الأعمار والمستويات التي تتوحد في ارتداء الثياب السوداء ونصب التكايا وإعداد لوازم المسرح التشابيهي، مع مستلزمات الطهي ونوعية التمويل العام، ولتدخل بعدها إلى المساحة التخصصية. وتوضح السيدة الباحثة في أسلوب مكثف عن طريقة ورود هذا التراث الثقافي الذي يعتمد على النقل الشفهي وبهذا فهي تؤسس لبعض المقترحات التي صاغتها في فاتحة بحثها ثم تتطرق إلى بعض الجوانب المهمة أولاً: تصنيف الشعر بين الفصيح والعامي، وهناك محاولات قديمة في الملمع والذي يتضمن اللونين معاً، ولا أدري لماذا حجمت السيدة المحاضرة وظيفته واعتبرته شعرا وصفيا فقط؟ رغم أنها تداركت الموضوع بعد حين وأضافت أبحاثا إليه مصحوباً باشتغالات إبداعية بصور تبثه المخيلة الشعبية، والخيال هنا يشمل طريقة تكوين الصورة الشعرية والاشتغالات ذات المضمون المرجعي لكون مساحة الكتابة الحسينية ذات مرجعية تاريخية ثابتة واستخدام الآلات الموسيقية (هوائية وإيقاعية)، وقد أوجزت في وظيفة هذه الآلات بما أسمته تنظيم المسيرات المختلفة مع استخدام الأنغام رافقتها الكثير من الطقوس الولائية وتمثيل الواقعة مسرحياً وثمة مجموعة من المصطلحات والمفردات ذات الخصائص المستخدمة دلالياً وفنياً ترتبط بالتظاهرة وتمنحها دفقاً حيوياًً لما تحتوي من لفظة شعر وجذور متأصلة داخل المعنى العام مثل (الموكب، التعازي، الطور، وقصيدة (الكعدة)، الصنج (الطاس) والبوق (البرزان)، نقارة، دمام، زنجيل، (اللطامة)، (الدكة)، الوزن، التشابيه، الطبق، التطبير، ولم تنس السيدة المحاضرة شرعية المنطق التحريمي كخصيصة مهمة تبعد المسعى النغمي للإرشاد الحسيني عن استخدام أي مصطلح موسيقي أو إظهار الجانب الترفيهي للأنغام أو حتى التجانس مع أهل الفن وتكريسه لمظاهر الحزن والحداد.