سألني الجد:- كيف تفهم الموت؟ اول مرة اقف امام الجد مرتبكا لا اطيق جوابا، قلت:ـ الموت وسيلة انتقال الى مجهول. قال:ـ جميل، واذا توضح المجهول؟ قلت:ـ أصبحت تطالبني الفلسفة يا جد؟ فأجاب: يا بني المجهول الذي عندكم هو معلوم ومعروف عند الشهداء الذين تلتقيهم معي، الى الآن هم يعيشون كربلاء ويتنفسون كربلاء... اسأل أيا منهم سترى الزمن الذي عاشه يقوم معه.. نظرت اليهم وهم وجوه يانعة بالجمال، ظهروا امامي سادات ومشايخ، يلبسون اللون الأبيض، وقد زادهم وقارا... سألني: هل تعرفهم؟ قلت:ـ لا من هم؟ تقدم احدهم ليسألني: هل سمعت عن ديوان (الميرزا احمد النواب) قلت: نعم، لقد قرأت عنهم ما كتبه السيد سلمان هادي آل طعمة في كتابه تراث كربلاء. ابتسم الشيخ وقال: أنا الميرزا احمد النواب...:- اهلا ومرحبا سيدي الميرزا، لقد جاء في كتاب أعيان الشيعة انك أديب عراقي كربلائي، عشت في عصر السيد مهدي الطباطبائي. قال الميرزا النواب: كانت تجري في ديواننا مجالس أدبية تناقلها العراقيون.. تقدم الشيخ الآخر: أنا يا بني الحاج محمد علي كمونة...
:- أهلا وسهلا ديوانكم معروف، فضحك الشيخ وقال: كان شاعر آل كمونة هو الشاعر جواد الهر، ومن شعراء الديوان الشيخ عبد الكريم النايف، والشيخ مهدي الخاموش، والشيخ جعفر الهر. قال صديق جدي الشيخ الوقور الذي كان صامتا طوال الحوار: يا بني هل سمعت من قبل بالبكتاشية؟ قلت: لا ولكني قرأت عنهم في كتاب (كربلاء في الذاكرة) للسيد سلمان هادي آل طعمة قال الجد: البكتاشية يا ولدي أو البكطاشية هم جماعة من الصوفية، كانت في كربلاء لها اصولها وحياتها وطريقتها الحياتية الخاصة بها. قلت: يا جد عجيب عندي ان اسمع عن فرقة صوفية، كانت تعيش في صحن الحسين عليه السلام، وحركات الصوفية عندنا غير موجودة. قال الشيخ الوقور: ولأول مرة أعرف ان اسمه الشيخ عباس، كانت تكيتهم متصلة بالروضة الحسينية، وهي مجاورة لقبر الشاعر فضولي البغدادي، وتضم قبة كبيرة ومحرابا، وكان يلتقي في التكية كبار الحكام والعسكريين وكان لشعراء كربلاء حضور ومنهم الشاعر الخاموش...
قلت: مهلا يا عم أرجوك فقد تكرر اسمه عليّ دون ان أعرفه. أجابني الجد: هو أبو زيارة الشيخ مهدي بن عبود الحائري الشهير بالخاموش، هذا الرجل كان خطيبا منبري معروفا وشاعرا تشهد له المحافل الكربلائية، وكان هذا الشاعر يقصد التكية في عهد السيد تقي الدرويش عميد أسرة آل دده...:ـ ومن الشعراء الكربلائيين كان يحضر في هذه التكية؟ أجابني الشيح عباس:ـ كثار يا ولدي منهم الشيخ جمعة الحائري: هل تعرفه؟ قلت: لا ياعم ولم اسمع عنه ابدا!!! صاح: كيف يا بني هو الشيخ جمعة
:ـ جمعة من؟ :- جمعة ابن حمزة. :ـ حمزة من؟
:ـ نعم يا بني، هو ابن حمزة ابن الحاج محسن بن محمد علي بن قاسم بن محمد آل دعدوش... وكان يحضر ايضا الشيخ محسن ابو الحب هل تعرفه؟ نعم انه خطيب كربلاء:ـ وكذلك الشيخ علي ابو غزالة وكان ذلك في عهد السيد حسين الدده. سألت: هل هو ابن السيد عباس ابن محمد تقي الدرويش؟ قال: نعم... نعم...
وهل تعرف ديوان المرزا الشيرازي؟ :ـ عن أي ديوان تقصد؟ ديوان زعيم الثورة العراقية آية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي الذي كان مرجعا للزعماء السياسيين وملتقى الوطنيين والمجاهدين الاحرار... قلت: يا عم هذا الديوان مشهور، حيث كان يتواجد فيه شعراء كربلاء الكبار ومنهم خيري الهنداوي، والشيخ محمد حسن أبو المحاسن، والدكتور محمد مهدي البصير خاصة عند نشوب ثورة العشرين... حيث كانت فتاوى الامام الشيرازي تفرض الجهاد وتحرض على التضحية بكل غال ونفيس لدحر الاستعمار، توفى الشيرازي سنة 1920م احتفاء رائع شهدته كربلاء
(فحق ابصارنا تبكي عليه دما *** لأنه كان للاسلام سلطان
العلم ينعاه والتقوى له وله *** والزهد يصرخ في الحراب حيران)
سألت جدي: وهل يدري الشهداء ان الديوان تهدم... قال الجد: يا بني تهدم قبل ان تجيء انت للدنيا عام 1938م أثر انفتاح شارع علي الاكبر، وهذه مدونة عندكم في تراث كربلاء. قلت: يا جد هل تلاحظ ان الدواوين الكربلائية كانت تختلف عن بعضها؟ قال الجد مندهشا: كيف؟ قلت أرى لكل ديوان سمة، فهناك ديوان له سمة عشائرية، وديوان آخر له سمة سياسية، وديوان له... قاطعني الجد: فعلا يا بني... نظر إلي ثم نظر الى الشيخ عباس قائلا: ملاحظة ذكية.
تعليق