بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
ضعف اليقين :
نحن كلنا نعيش حالة من حالات ضعف اليقين أو قلة اليقين . بينما نجد القرآن الكريم عندما يصف المؤمنين في بدايات سورة البقرة يقول : ﴿ الم ١ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ٣ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ – البقرة ٤ ﴾ أول سمةٍ وآخر سمةٍ من سمات المتقين هي : الإيمان بالغيب ، فالإنسان الذي لا يمكنه أن يقشِّر عالم الطبيعة ..الإنسان الذي يصفه القرآن بأنه ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ – الروم ٧ ﴾ ولا يصل إلى باطن الحياة الدنيا ، فمن الطبيعي أن يعيش هذا الإنسان الارتباك ، نحنُ كلنا مُطالبون بأن نترقى عن عالم المادة ، ونتناول عالم ماوراء الطبيعة ، ومشكلتنا في هذه النقطة أن طبيعة الإنسان طبيعة متثاقلة إلى الأرض ، خُلقنا من الأرض ، ونعودُ إلى الأرض ، ونتأثر بالأرض وبسلبياتها ، ولهذا عندما ينادي منادي الجهاد في سبيل الله عزوجل يقول : ﴿ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ – التوبة ٣٨ ﴾ فالمسألة الأساسية مسألة اليقين .
مراحل اليقين :
والقرآن الكريم يطرح اليقين على مراحلة علم اليقين …مرحلة عين اليقين وكلاهما ذُكرا في سورة التكاثر : ﴿ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ ١ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ ٢ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٣ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٤ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ ٥ لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ ٦ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ ٧ ﴾ … وفي آية أخرى وردت المرحلة الثالثة ، مرحلة حق اليقين ﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ – الحاقة ٥١ ﴾
ماالفرق بين هذه المراحل الثلاث ؟.. أليس العلم درجة واحدة ؟.. أليس اليقين درجة واحدة ؟ .. نعم ، ولكن التفاعل مع اليقين ، انكشاف درجة اليقين لها درجات مختلفة ، مثال : فالإنسان الذي يُعاين من بعيد دخانا يحصل له علم اليقين بأن هناك نار ، وعندما يقترب ويرى النار بعينيه يتبدل علمه إلى عين اليقين بأن هناك نارٌ مشتعلة ، فإذا دخل في النار سهوا أو عمدا أو لمسها تبدل عين اليقين إلى حق اليقين . ولهذا يُقال في مسألة الفحم إن له درجاتٌ في الاحتراق ، احتراق من الخارج ، ثم يتحول الفحم إلى جمرة متقدة ، هذه الجمرة قطعة من النار ، الفحمية زالت ، وليس هنالك شيئا يُسمى فحما إذ تنازلت عن خُصوصياتها ، ووهبتها للنار ، فأصبح الفحم والنار ممتزجين لا نفرق بينهما ، بل الفحمية تندك في النارية ، فلا نرى فحما أبدا ، هذه درجات التفاعل مع اليقين .
فعلى المؤمن أن يعيش هذا التدرج وهذا الارتفاع في مسألة اليقين ، وإلا يُصبح الإيمان إيمانا ساذجا ، وفرقٌ أساسيٌ بين الإيمان والإذعان وبين اليقين الذي يُباشرُ قلب الإنسان ، ولذا القرآن الكريم يصفُ بعض المنحرفين بأن هؤلاء ليست لهم أزمة في العلم ، وفي القرآن آيتان مؤثرتان في هذا المجال ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ – محمد ٢٥ ﴾: الهدى متبين ، ورغم ذلك ارتدوا على أدبارهم ﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ – النمل ١٤﴾ يقين غير مُتفاعل ، يقين غير مؤثر ، في مجرى حياة الإنسان .
آثار ونتائج اليقين
١. الطمأنينة : من علامات اليقين حالة الطمأنينة ، وسكون القلب ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ – الرعد ٢٨ ﴾ فالقلب الذي يعيش حالة اليقين بالله عزوجل ، لا بوجوده ، المسلم المؤمن يعتقد بوجود الله ، ولكن الإيمان المتغلغل في أعماق الوجود يحوله إلى إنسان مطمئن .
عندنا حسب ما يُستقرأ أمهات المشاعر أربع :كل إنسان تنظر إليه إما أن تُحبه ، أو تبغضه ، أو ترجوه ، أو تخاف منه ، والمدح .. الذم .. القتل .. الرفع … كلها من آثار تلك المشاعر ، وإلا كل إنسان تنظر إليه إما أن تجد في قلبك حبٌ له أوبغضٌ ، أو رجاءٌ منه أوخوفٌ . هذه المشاعر إذا أردنا أن نقويها باتجاه عالم الغيب ، لا يمكن إلا عبر اليقين ، ولهذا المؤمن يعيش حالة الحب لله سبحانه وتعالى ، و يعيش حالة البغض لأعداء الله عزوجل ، نقرأ في سورة يس : ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ – يس ٦٠ ﴾ هل أحدنا يعيش عداوة الشيطان كما ينبغي ؟… نحن لا نعيش هذه العداوة ، لضعف اليقين : ﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ – الأعراف ٢٧ ﴾ إذن الحب والبغض والخوف والرجاء ، هؤلاء كما يصفهم أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة : ( هم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون، كأن زفير جهنم في أصول آذانهم ) إذن هذا أثرٌ مهمٌ وأساسيٌ لليقين ، وطوبى لإنسانٍ يعيش هذه الحالة من الاتصال بعالم الغيب واليقين .
٢. مبدئي الصبر واليقين : أن يكون الإنسان من الدعاة لله عزوجل ، بل من أئمة الهداة إلى الله عزوجل ، وهذه الآية تعلق على بني إسرائيل : ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ – السجدة ٢٤﴾ أن يكون الإنسان في هذا العالم في هذه الدنيا من الدعاة إلى الله عزوجل ، من الذين يحملون راية الهدى الإلهي .
هذا المقام يُعطى لإنسان متحلي بصفتين . آيات القرآن كالمعادلات الفيزيائية والرياضية ، فإذا كان هناك خللٌ في أي جزء من المعادلات لاتتم النتائج ، ففي مقام العمل : صبرٌ ومثابرة وجهاد ، وفي مقام الاعتقاد : يقينٌ في القلب ومن ثمَّ صبرٌ في الجوارح ، وفي مقام المجاهدة مع النفس ومع أعداء الدين . إذن هذه ثمرةٌ مهمة للذين يتمنون أن يكونوا في ركب المصلح الأكبر ، ذلك الذي يجتث الفساد من جذوره ، نحن مهما حاولنا في زمان الغيبة ، لايمكن أن نملأ الأرض قِسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا ، علينا أن نحاول ، علينا أن نصلح الأمر هنا وهناك ، ولكن رايته .. سيفه .. ثورته .. نهضته .. هو الذي سيقضي على كل فساد على هذه الأرض ، من يريد أن ينْظَم تحت تلك الراية المباركة ، من يريد أن يُقارع مع ذلك السيف البتار ، ذلك السيف الذي ورثه من جده أمير المؤمنين (ع) عليه أن يتحلى بهذين المبدئين .
٣. الثبات في السلوك : يعيش الإنسان التردد والتذبذب ، فساعاتٌ يعيشُ فيها محلقا إلى أبعد المدى ، وساعاتٌ يتسافل إلى أسفل الحدود ، لأن القضية قضية أجواء .. مشاعر .. تحريك .. ليس هناك رصيدٌ ثابت يجعل الإنسان يعيش حالة من الثبات ، عن الإمام الباقر (ع) : ( الإيمان ثابت في القلب، واليقين خطرات، فالإيمان ثابت ، ولكن اليقين نعمة متقطعة ، يأتي ويزول فيمر اليقين بالقلب فيصير كأنه زبر الحديد، الخائف يأتيه اليقين فيطمئن .. إنسان يرجو سوى الله عزوجل فعندما يأتيه اليقين ينقطع أمله بما سوى الله عزوجل .. إنسان لا يحب الله حبا متعمقا .. متأصلا .. متجذرا .. في أعماق وجوده ، يأتي اليقين وإذا به يهيمُ في محبة رب العالمين … ويخرج منه فيصير كأنه خرقة بالية بعض الأشخاص لو أمكن أن يضرب نفسهُ لضربها ، لأنه يعيش حالة من الخواء وانعدام الوزن .. يعيش حالة من الذوبان الداخلي كالخرقة البالية .. أين كان قبل ليالي وأيام ؟… في الليالي المباركة هو الذي يتفاعل مع عالم الغيب ، وإذا به بعد شهر رمضان يتسافل إلى أبعد الحدود كالخرقة البالية ، حقيقة هي حالة مزعجة ، لو مرت على الإنسان عليه أن يجأر إلى الله عزوجل ، أحدنا يرتفع ضغطه .. ضرباتُ قلبه ترتفع .. درجة حرارته .. وإذا بالإسعاف والطوارئ والمستشفى … ولكن هذا القلب المسكين يموت .. يُصابُ بجلطات .. ومع ذلك لا يعيش أي حالة من حالات اليقظة والعودة إلى الله عزوجل . نحن نتأثر عندما نرى مريضا في غرفة الإنعاش ، ولكن هل فكرنا في يوم من الأيام أن قلوبنا تدخل غرفة الإنعاش ونحن لا ندري ؟!.. تعيش حالة من التخدير ، المريض إذا فاق من المخدر يضرب إبر التخدير مرة أخرى ليبقى متخدرا ، والشياطين تحومُ حول قلب بني آدم كلما أراد أن يستيقظ بعد حديثٍ .. أو موعظة .. في تدبر .. أو تأمل .. وإذا بهم ( يوحون إلى أوليائهم زخرف القول ) ﴿ إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ – المجادلة ١٠ ﴾ ليجعل الإنسان في حالة من السُّبات والتخدير ، والأمر يصل إلى أن يؤخذ الإنسان إلى المقبرة .. وتُدفن روحه .. وهو لا يعلم !!.. روحه مرضت .. تخدرت .. ماتت .. دفنت .. وتحولت إلأى رميم وهو لا يدري !! يعيش حالة صاخبة .. يتعامل مع الشرق والغرب .. والناس يحسدونه على توفيقاته الظاهرية .. وهو ميت الأحياء وهو لا روح له ، ) نعوذ بالله تعالى من الخواء الباطني .
٤. ضبط السلوك: المؤمن إنسانٌ مبرْمَجٌ ، لا يحتاج إلى مواعظ كثيرة ، فلو حُرم من هذه الأجواء الإيمانية ، كأن يقضي شهر رمضان في غابات الأمازون أو بين ثلوج سيبيريا ، فهو لايعيش حالة متردية جدا ، قد يفقد بعض الأجواء ، ولكنه لا يفقدها كلها لأنه يعيش حالة من العمق الباطني ، يقول الله عزوجل في حديث قدسي : ( ثلاث خصال غيبتَهن عن عبادي ، لو رآهن رجلٌ ما عمل سوءا أبدا مرة يكون ترْك السوء يأتي من خلال البيئة .. الموعظة .. الخوف من الشرطة .. لو كُشف غطائي فرآني حتى يستيقن و يعلم كيف أفعل بخلقي إذا أمتهم الإيمان بالمبدأ والمعاد فلا يهم بسوء أبدا مثال واضح : في أيام الحج ، الإنسان في المسجد الحرام يعيش الرقابة الإلهية ، لذا فالناس لا تأتي من فجٍ عميقٍ جُزافا ، يعيشون عوالم متميزة ، حتى من لا ترى فيهم إلا اسم الإسلام ، عندما يطوفون يعيشون شيئا من الرقابة الإلهية ، هذه الرقابة تضبط سلوكهم ، رغم الابتلاء هناك ، فثوب الإحرام رقيق ، وقد يسقط الإحرام عن كتفه ، صدره وظهره محاطٌ بالنساء ، منهن الشابات … ولكنه يعيش عالما آخر ، و قل من ابتلى بالنساء أثناء الطواف ، ولو تكرر هذا التزاحم والاختلاط في أسواق هذا البلد أو في مكان ما ، ماذا حاله ؟ بالطبع يتأثر بهذا الجو ، ولكن في حال الطواف يعيشُ في عالم آخر ، هذه الرقابة البسيطة في المسجد الحرام تجعله يضبط سلوكه ، لذا لا نرى الحاج الملتزم العادي يمزح في الحج و في الطواف كثيرا .. لا يتكلم لغوا .. يستحي من ذلك ؛ لأن الجو جو مهيمن ، خاصة في يوم عرفة ، نلاحظ في يوم عرفة ، طبيعة الحجاج قليلوا الكلام ، يعيشون حالة من الرهبة والإقبال غير المتعمد ، لماذا ؟ من بركات هذه الرقابة ، وهذا الإحساس بالوجود الإلهي المركز .
5. تعالي الإنسان عن زخارف الدنيا ومشاكلها : لا نقصد بالتعالي حالة الزهد الكاذب ، حالة التعالي تُكسب الإنسان مقاومة عنيفة ، هو عندما يتعالى عن الأرض لا عن زخارفها فحسب ، بل عن مشاكلها أيضا ، ولهذا المؤمن قد يمر في أصعب الظروف … قد يؤخذ إلى السجون والابتسامة لا تفارقه ، سمعنا عن مؤمنات حُكم عليهن ببعض الأحكام ، قيل لنا بأن المحيطات بهن يزفهن إلى قاعة المحاكمة ، لماذا ؟ هذا هو التعالي عن الدنيا ، لهذا المؤمن في أشد الظروف كالجبل الشامخ ، لا تُزعزعه العواصف . وغير المؤمن كلمة بسيطة ، مشكلة بسيطة … تقلب وجوده رأسا على عقب ، لماذا ؟.. لأن هذا الإنسان متثاقل وإلا من له ثقة بالله عزوجل .. من له ارتباطٌ بمبدأ الغيب .. لا يعيش هذا الاضطراب أبدا ، فلنستمع لأمير المؤمنين عليا (ع) كيف يصف هذ الفئة : ( هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وكأن العلم واليقين يريد أن يحتل قلب المؤمن ، العلم يشتاق .. اليقين يشتاق .. لأن يكون في قلب الإنسان المؤمن وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأَنِسُوا بما استوحش منه الجاهلون الإمام الكاظم (ع) كان مأنوسا في سجنه ، والحال أن السجن مما يستوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحُها معلقةٌ بالمحل الأعلى يعيشون مع الناس ، ولكن أرواحهم في عالم آخر ، في الأفراح والأتراح والمصائب في ما يسرهم ، يعيشون حالة أخرى ، لهذا لا يفرحون بما آتاهم الله عزوجل ولا يأسوا على ما فاتهم ﴿ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ – الحديد ٢٣ ﴾﴿ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ – يونس ٥٨ ﴾ إذا صلى صلاة خاشعة ، إذا قام الليل بنجاح ، إذا أحس في ذلك اليوم بالمعية الإلهية ذلك اليوم يوم عيده ، ولو كان في أطباق السجون ، ولو كان ذلك اليوم يوم عرسه ، ولكن عندما يعيش حالة الغفلة عن الله عزوجل ، حالة الجفاء وقسوة القلب ، ذلك اليوم يكون يوم مصيبة أولئك خلفاءُ الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه ، أين الملائكة التي اعترضت على الله عزوجل وقالت: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ – البقرة ٣٠ ﴾ ؟.. ما رأت هذا النمط حتى تتنازل وتنسحب عن موقفها ، هؤلاء خلفاء الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه ) .
أمير المؤمنين (ع) الذي تشتاقُ إليه الجنة يقول : ( آه آه شوقا إلى رؤيتهم ) لو وُجد إنسانٌ في زمان الغيبة يعيشُ هذا الجو ، ويحتوي على هذه الخصوصيات !!.. أمير المؤمنين (ع) يشتاقُ إلى رؤيته ، في الليلة الأولى لنزول الحافرة هو لا يحتاج إلى دعواتٍ كثيرة ، أمير المؤمنين (ع) لعله يتمنى الانتقال إلى العالم الآخر ، ليلتقي بهكذا موالي مخلص في مشايعته .( عباد الله، إن من أحب عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه )
فعلى الإنسان أن يستقرئ في نفسه آثار اليقين ، فإن وُجد يحمد الله على ذلك ، وإلا فعليه أن يُعيد النظر في حساباته . الإسلام ، الإيمان ، اليقين ، مراحل ثلاث ، يقول الإمام الصادق (ع) : ( إن الإيمان أفضلُ من الإسلام ، وإن اليقين أفضلُ من الإيمان ، وما من شيء أعزُ من اليقين ).
علامة الموقن
إذا أراد أحدُنا أن يعلم أنه موقن أو غيرِ موقن ، فلنستمع إلى حديث الرسول (ص) : ( وأما علامة الموقن فستة : أيقن بالله حقا فآمن به ، وأيقن بأن الموت حقٌ فحذره ، وأيقن بأن البعث حقٌ فخاف الفضيحة ، وأيقن بأن الجنة حقٌ فاشتاق إليها ، وأيقن بأن النار حقٌ فظهر سعيه للنجاة منها ، وأيقن بأن الحساب حق فحاسب نفسه ) إذا كان موقفنا من الله الجنة والنار والحساب هكذا إيمان ويقين فعَّالٌ مؤثر ، متغلغل إلى الأعماق ، ينقل الإنسان من مرحلة النظريات إلى مرحلة التطبيق ، ومن مرحلة التصورات إلى مرحلة التصديق فليعلم أنه على خير .
تعليق