للشاعر عبد الحسين عبد النبي الحلفي
قراءة: علي حسين الخباز
تبحث شاعرية الواقع في أفق أوسع للوصول إلى كمال المعنى وتمامه، مع الاحتفاظ بخصوصيته الايقاعية، وعند تجربة هذا الشاعر المعبرة عن وعي بنائي قادر على تحقيق الفعل بقوة المعنى، دون أن يفقد خصوصية المنحى الإيقاعي، فقدم لنا مشروعه (الموسع في بحور الخليل الصافية)، تقتضي زيادة تفعيلتين في البيت التام، فصنع تفعيلة رابعة في الصدر، وتفعيلة رابعة في العجز، مع الالتزام بالعروض والضرب للبحور الصافية (الكامل - الوافر - الهزج - الرجز - الرمل)، ومنح شهادة تقديرية، وكتبت العديد من القراءات النقدية للتجربة الشعرية، ومنها ما أقامته جامعة البصرة - كلية التربية - قسم اللغة العربية من قراءات نقدية، تقديراً يكلل هذا الجهد، ويرى بعض النقاد أن هذا المنجز سيحسب للشاعر كمنجز إبداعي وعلمي، يبقى المعيار الحقيقي هو الفن الشعري وتعدد مستويات النص، ومنها: سمات الموروث المضموني موافقة المعنى أو معارضته:
(فمن قال التصبر والجفاء فدتك نفسي
علاج للنوى قول عقيم بل عذول
فقم وانفض غباراً عن فؤادك وامتطيها
خيول الوصل مسرجة جياداً إذ تصول) (ص43)
ونرى أن مثل هذا الموسع هو محاولة للوصول إلى الدقة، لفسحة من الانسجام الصوتي، وما يحققه من أثر دلالي ينفتح على أفق الواقع لتبرير التأثيرية في بنية التلقي. وقد عامل الشعر كظاهرة موضوعية ينقل بها حقيقة الخلق الفني، والذي يراه تحركاً داخل حيثيات الواقع، ليعطي في شعره رأياً إنسانياً، ومثل هذه الغرضية كونت علاقات حضورية، ترتبط بعملية تسمية الأشياء، وهو يقول في قصيدة عرس الدجيل، وهي من موسع الكامل:
(ماذا أقول وصوتها بالنار ألهب غيرتي
عذراء في عرس الدجيل ومزقوا قمصانها
والمنجل المسموم يأكل... متوحشاً
ماذا جنت صبرا تموت ودنسوا قرآنها) (ص61)
ويحاول دائماً أن يستذكر في شعره أحداثاً واقعية أو تاريخية، يسرد فيها وصفاً دقيقاً لكل حدث، سعى لتمكين المعنى بأساليب متعددة، إغناء لحرفية التلقي، مثل: الاشتغال على الفعل الانزياحي، فنرى الكثير من هذه الاشتغالات (جبال الصبر، وبر السماجة، عباءة الغرور، فم العفاف، ثوب الصبر، أشجار النفاق، جنوب الجرح)، واشتغل الشاعر الحلفي على المعاني التامة، مع اشتغالات التخاطب المباشر الذي هو أقصر الطرق الوصفية والبوح كخطاب مباشر مع النبي (ص)، ليصف الحوادث التي صاحبت مولده المبارك:
(ايوان كسرى قد تزلزل صرحه
نار المجوس قد أطفات بل تخمد
وعروش قيصر قد تهاوت لفها
خوف ورعب حيث كان المشهد) (ص86)
ويوجه خطاباً مباشراً مع أمير المؤمنين والحسن والحسين (ع):
(هذه شفاه الفجر تلثم من دماك زنابقا
والجرح يقدح في عيون الظالمين صواعقا
والدين ينشد في رثاك تفجعاً أنغامه
من دمعة الزهراء أورقت القرون حدائقا) (ص63)
ومثل هذا الانطباع لا يصل إلى حد إعطاء أحكام نقدية صارمة، لكنه مجرد تأمل في مجموعة تضج بالعافية.