قال الله تعالى: ﴿وَقَضَيْنا إلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً * فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً﴾ (الإسراء: ٤-٨).
مقدمة:
عُرف بنو إسرائيل عبر تاريخهم بعنادهم للحق وتمرّدهم على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى أنبيائه ݜ فحاربوهم وآذوهم وقتلوا منهم من قتلوا كما قال الله تعالى عنهم:
﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ﴾ (آل عمران: ١٨١).
﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إلّا قَلِيلاً﴾ (النساء: ١٥٥).
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ (البقرة: ٨٧).
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (البقرة: ٩١).
﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ (غافر: ٢٨).
واليهود يتصفون بحالة من العُجب بالنفس والغرور والحسد، ولا سيما في الأمور الدينية، فلا يحبون أن يلتزم بالدين أحدٌ غيرهم، أو أن يأتي نبيٌ إلّا منهم وعلى نهجهم، وإلّا يتصدّون له حرباً حتّى القتل، ومن ثم يبذلون كل الجهد ويستعملون أشد المكر في تحريف ما جاء به من دين إلهي حق، هذا ما فعلوه مع رسول الله عيسى (عليه السلام) الذي فضحهم ورفض سلطتهم الدينية المنحرفة، فحاربوه بشتّى الوسائل حتّى قدّموه للصلب والقتل كما اعتقدوا، قال الله تعالى:
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً﴾ (النساء: ١٥٧).
ثم ترصدوا النصرانية وحاولوا تحريفها من الداخل عن طريق اليهودي شاؤول (بولس) الذي أدخل فيها ما أدخل وحرّف فيها ما حرّف حتّى غيّرها عن حقيقتها:
قال الإمام الكاظم (عليه السلام) في ذلك: «... وبولس الذي نصر النصارى...»(١).
وقال الامام الصادق (عليه السلام) عنه: «... بولس الذي علم اليهود ان يد الله مغلولة...»(٢).
وقال التاريخ: تواصلت مطاردة الرومان واليهود لوصيّه شمعون الصفا وبقية الحواريين والمؤمنين واضطهدوهم، حتّى جاء بولس بعد ثلاثين سنة وادَّعى أن عيسى (عليه السلام) ظهر له من السماء في حوران، فكثر أتباعه ثم تبنت الدولة الرومانية مسيحية بولس وواصلت اضطهادها للحواريين وأتباعهم، حتّى انقرضوا(٣).
وقال البغوي: وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولس قتل جماعة من أصحاب عيسى (عليه السلام) ثم قال لليهود: إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا به والنار مصيرنا، فإني أحتال وأضلّهم حتّى يدخلوا النار... وأظهر الندامة ووضع على رأسه التراب فقال له النصارى: من أنت؟ قال: بولس عدوّكم، فنوديت من السماء: ليست لك توبة إلّا أن تتنصّر، وقد تبت.
فأدخلوه الكنيسة ودخل بيتاً سنة لا يخرج منه ليلاً ولا نهاراً حتّى تعلّم الإنجيل ثم خرج وقال: نوديت أن الله قبل توبتك، فصدّقوه وأحبّوه، ثم مضى إلى بيت المقدس واستخلف عليهم نسطورا وعلّمه أن عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة، ثم توجه إلى الروم وعلّمهم اللاهوت والناسوت وقال: لم يكن عيسى بإنس ولا بجسم ولكنه ابن الله...(٤).
وهذا الخبث والمكر الذي مارسه اليهود عبر التاريخ ومع المسيحيين تقودهم فيه مؤسسة طاغية من رجال يتلبّسون بلباس الدين، ويستأكلون الناس به، ويحكمونهم، ويكتمون ما أنزل الله من الحق ويحرّفون الكلمَ عن مواضعه، قال الله تعالى عنهم:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: ١٤٦).
﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بألسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إلّا قَلِيلاً﴾ (النساء: ٤٦).
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة: ٤١).
ومع الإسلام بدأت مكائدهم من قبل ولادة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنهم كانوا يعلمون بولادة نبيٍ آخر الزمان من خلال تراث أنبيائهم السابقين ومن بشارة عيسى (عليه السلام) به كما قال الله تعالى:
﴿وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (الصف: ٦).
فبعثوا وفداً منهم إلى الحجاز ومكة يتربّصون ولادة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويراقبون النجوم لتشخيص وقتها كما ورد عندهم من علامات للولادة المباركة، وقد علم بذلك عمّه أبو طالب في طريق تجارته إلى الشام من الراهب بحيرى حيث رأى الراهب الغيمة تظلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأخبر عمّه بأمر اليهود وتربّصهم به ليقتلوه، ونصحه بالعودة به إلى مكة ليكون في مأمن منهم ومن غدرهم(٥).
وبعد البعثة النبوية المباركة ونزول القرآن الكريم كان لهم الدور الخبيث المخرّب بالتعاون مع المشركين والمنافقين في مكة والمدينة، وحتّى بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سعوا - كما فعلوا مع النصرانية - لأجل حرف الإسلام والمسلمين عن طريق الحق بواسطة رهبان منهم كوهب بن منبّه وكعب الأحبار وابن جريج وعبد الله بن سلام فقد ادَّعوا الدخول في الإسلام وتظاهروا به وقاموا ببث أخبار وروايات لتحريف الدين الاسلامي سُمّيت بالإسرائيليات، ولولا وجود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة ݜ من بعده لنجحوا في مؤامرتهم ولم يبق للإسلام الحق من وجود.
مقدمة:
عُرف بنو إسرائيل عبر تاريخهم بعنادهم للحق وتمرّدهم على الله (عزَّ وجلَّ) وعلى أنبيائه ݜ فحاربوهم وآذوهم وقتلوا منهم من قتلوا كما قال الله تعالى عنهم:
﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ﴾ (آل عمران: ١٨١).
﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إلّا قَلِيلاً﴾ (النساء: ١٥٥).
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ (البقرة: ٨٧).
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (البقرة: ٩١).
﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ (غافر: ٢٨).
واليهود يتصفون بحالة من العُجب بالنفس والغرور والحسد، ولا سيما في الأمور الدينية، فلا يحبون أن يلتزم بالدين أحدٌ غيرهم، أو أن يأتي نبيٌ إلّا منهم وعلى نهجهم، وإلّا يتصدّون له حرباً حتّى القتل، ومن ثم يبذلون كل الجهد ويستعملون أشد المكر في تحريف ما جاء به من دين إلهي حق، هذا ما فعلوه مع رسول الله عيسى (عليه السلام) الذي فضحهم ورفض سلطتهم الدينية المنحرفة، فحاربوه بشتّى الوسائل حتّى قدّموه للصلب والقتل كما اعتقدوا، قال الله تعالى:
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً﴾ (النساء: ١٥٧).
ثم ترصدوا النصرانية وحاولوا تحريفها من الداخل عن طريق اليهودي شاؤول (بولس) الذي أدخل فيها ما أدخل وحرّف فيها ما حرّف حتّى غيّرها عن حقيقتها:
قال الإمام الكاظم (عليه السلام) في ذلك: «... وبولس الذي نصر النصارى...»(١).
وقال الامام الصادق (عليه السلام) عنه: «... بولس الذي علم اليهود ان يد الله مغلولة...»(٢).
وقال التاريخ: تواصلت مطاردة الرومان واليهود لوصيّه شمعون الصفا وبقية الحواريين والمؤمنين واضطهدوهم، حتّى جاء بولس بعد ثلاثين سنة وادَّعى أن عيسى (عليه السلام) ظهر له من السماء في حوران، فكثر أتباعه ثم تبنت الدولة الرومانية مسيحية بولس وواصلت اضطهادها للحواريين وأتباعهم، حتّى انقرضوا(٣).
وقال البغوي: وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولس قتل جماعة من أصحاب عيسى (عليه السلام) ثم قال لليهود: إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا به والنار مصيرنا، فإني أحتال وأضلّهم حتّى يدخلوا النار... وأظهر الندامة ووضع على رأسه التراب فقال له النصارى: من أنت؟ قال: بولس عدوّكم، فنوديت من السماء: ليست لك توبة إلّا أن تتنصّر، وقد تبت.
فأدخلوه الكنيسة ودخل بيتاً سنة لا يخرج منه ليلاً ولا نهاراً حتّى تعلّم الإنجيل ثم خرج وقال: نوديت أن الله قبل توبتك، فصدّقوه وأحبّوه، ثم مضى إلى بيت المقدس واستخلف عليهم نسطورا وعلّمه أن عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة، ثم توجه إلى الروم وعلّمهم اللاهوت والناسوت وقال: لم يكن عيسى بإنس ولا بجسم ولكنه ابن الله...(٤).
وهذا الخبث والمكر الذي مارسه اليهود عبر التاريخ ومع المسيحيين تقودهم فيه مؤسسة طاغية من رجال يتلبّسون بلباس الدين، ويستأكلون الناس به، ويحكمونهم، ويكتمون ما أنزل الله من الحق ويحرّفون الكلمَ عن مواضعه، قال الله تعالى عنهم:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: ١٤٦).
﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بألسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إلّا قَلِيلاً﴾ (النساء: ٤٦).
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة: ٤١).
ومع الإسلام بدأت مكائدهم من قبل ولادة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنهم كانوا يعلمون بولادة نبيٍ آخر الزمان من خلال تراث أنبيائهم السابقين ومن بشارة عيسى (عليه السلام) به كما قال الله تعالى:
﴿وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (الصف: ٦).
فبعثوا وفداً منهم إلى الحجاز ومكة يتربّصون ولادة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويراقبون النجوم لتشخيص وقتها كما ورد عندهم من علامات للولادة المباركة، وقد علم بذلك عمّه أبو طالب في طريق تجارته إلى الشام من الراهب بحيرى حيث رأى الراهب الغيمة تظلله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأخبر عمّه بأمر اليهود وتربّصهم به ليقتلوه، ونصحه بالعودة به إلى مكة ليكون في مأمن منهم ومن غدرهم(٥).
وبعد البعثة النبوية المباركة ونزول القرآن الكريم كان لهم الدور الخبيث المخرّب بالتعاون مع المشركين والمنافقين في مكة والمدينة، وحتّى بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سعوا - كما فعلوا مع النصرانية - لأجل حرف الإسلام والمسلمين عن طريق الحق بواسطة رهبان منهم كوهب بن منبّه وكعب الأحبار وابن جريج وعبد الله بن سلام فقد ادَّعوا الدخول في الإسلام وتظاهروا به وقاموا ببث أخبار وروايات لتحريف الدين الاسلامي سُمّيت بالإسرائيليات، ولولا وجود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة ݜ من بعده لنجحوا في مؤامرتهم ولم يبق للإسلام الحق من وجود.
تعليق