إمراة كاملة ،جمعت بين الجمال الظاهري والطهر الداخلي ،والكمال العقلي ،كانت على درجة إستثنائية من الالتزام الاخلاقي بحيث عرفت بالطاهرة ،مع إنها إمراة شابة ذات جمال وثراء ،وهذه كلها عوامل مساعدة على التهتك والانحراف ،فمن كمال عقلها إنها سعت للأقتران بالنبي في وقت ردت فيه من تقدم لها من كبار قريش وزعماء العرب ؛ولهذا فأن هذا الكمال والجمال لايقترن الا بكمال وجمال آخر .في خبر أن الناس سمعوا يوم زفافها مناديا ينادي من السماء

ها هي خديجة تبدأ رحلتها مع النبي الكريم ،في غيابات الحصار الخانق ،لتشهد ساحة الصراع بين الحق القليل الصابر المكعوم ،وخصمه الغشوم ،منذ بداية الرحلة وام المؤمنين خديجة (عليها السلام)وقفت وقفة مشرفة في الدفاع عن الاسلام وعن الرسالة المحمدية ،فكانت نعم المناصرة والصابرة والمجاهدة ،لقد كانت سندا لرسول الله في رسالته منذ بداية البعثة وحتى رحيلها سلام الله عليها ،فتحملت اشد الالام بسبب مقاطعة نسوة قريش لها ،والحصار المفروض على الرسول الاعظم.
ورد في الاخبار عن كثرة اموالها وغناها ،فبذلت جميع ماتملك قربة الى الله تعالى وفي سبيل اعلاء كلمة التوحيد ،ولم يبق من مالها شيء الا وقد وضعته تحت تصرف النبي ،وروي عن ابن عباس في تفسير هذه الاية(ووجدك عائلا فأغنى)الضحى /٨ يعني وجدك فقيرا فأغناك بمال خديجة ،فكان لهذا الدعم المادي الدور الكبير في غنى الرسول والرسالة ،لذا كان الرسول (صلى الله عليه واله)يقول

وورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله)أن جبرائيل قال له ليلة أسري به

فلما بلغها قالت :إن الله هو السلام ،ومنه السلام ،واليه يعود السلام ،وعلى جبرائيل السلام …وهذا يدل على ادبها واخلاقها العالية
اما دعمها المعنوي لرسول الله ،فيروى انها كانت تستقبله بوجه طلق وبشوش ؛لتخفف عنه المصاعب والاوجاع التي كان يواجهها في طريق الدعوة الاسلامية ،فكانت كهفه الدافئ الذي يلتجأ اليه ،وظهرا يستند اليه عند المحن والشدائد ،ويروى انه عندما اعلن الرسول (صلى الله عليه واله)عن رسالته بعدما كانت سرية ،لاقى ما لاقى من قومه ،حتى انهم قاموا برميه بالحجارة حتى سالت الدماء منه ،فما كان للنبي الا أن يرحل عنهم الى احد جبال مكة ،يشكو ربه ويبث حزنه له ،وقد اقلق هذا الامر السيدة خديجة (عليها السلام)فخرجت هي وأمير المؤمنين (عليه السلام) خلفه ،يبحثون عنه ،فجعلت تنادي :من أحسّ لي النبي المصطفى؟ من أحسّ لي الربيع المرتضى؟ من أحسّ لي المطرود في الله ؟من أحسّ لي ابا القاسم ؟ ،لما نظر جبرائل الى خديجة تجول في الوادي ،قال يارسول الله :الا ترى الى خديجة قد ابكت لبكائها ملائكة السماء؟ادعها اليك فأقرئها مني السلام ،وقل لها :إن الله يقرئك السلام ،فدعاها النبي (صلى الله عليه واله)والدماء تسيل من وجهه على الارض ،فصارت مولاتنا خديجة تمسح الدم عن وجه رسول الله) *٤وهكذا نجد أمرأة عظيمة ،طبيعتها كالجبال الشُّم،آمنت برسالة زوجها ،وعملت بما يقتضيه أيمانها،بالتثبيت وتهوين الخطوب،وتذليل العقبات،لذلك كانت حاضرة مع الرسول حتى بعد وفاتها ،وشاءت المشيئة الربانية والحكمة الالهية أن تكون خديجة ،أم الذرية الطاهرة ووالدة الكوثر،فيمن الله تعالى على نبيه الاكرم وعلى هذه الأمة بهذه السلالة الطاهرة ،فيبقى إمتداد رسول الله من بنتها فاطمة الزهراء (عليها السلام)،تلك الذرية الطيبة التي ملأت الكون بنورها وهدايتها للبشرية ،هاهي خديجة تبقى مثالا للرجال والنساء ،مثال الانسان الكامل الذي يتغلب على كل الظروف التي تجبره على الكفر والانحراف.
وحتى في آخر لحظات حياتها ،في حال الاحتضار ،تلتفت الى رسول الله وتقول له

فالف تحية وسلام الى روحك الطاهرة ،الشامخة في عليين ،والف سلام الى رحابك السنية التي نبتت بالخير العامر واللطف الوافر،سلام الى روحك الملتاعة تشد حجر الصبر على قلبك المتصدع…الى شموخك الفذ ،وعطاءك الوتر،يابسمة الطهر في شعاب الحجون…هاهي الروح الزكية تتأهب للخروج ،لتمضي الى بارئها وعودها الى سبحات التجلي ومصيرها الابدي الى مقعد الصدق ورخاء العيش الدائم ،وها هو الرسول العظيم يرى فظاعة الموت تفعل فعلتها في أحب الخلق اليه…تلك اللحظة التي لاتحسب بمقياس الزمن ،لم ينفرد النبي بهذا الحزن ،بل هناك فاطمة الحزينة ،الرقيقة القلب ،تزداد حزنا ولوعة على تلك الام الحنون ،وها هو جبرائيل يواسيها بسلام الرب الغفور ويبشرها بأن أمها في بيت من قصب ،كعابه من ذهب ،وعمده من ياقوت أحمر، بين آسية أمرأة فرعون ومريم بنت عمران …٥
………………………………………………
١-بحار الانوارج١٩ص٦٣
٢-احمد بن حنبل في المسند ج٦ص١١٨
٣-الطريق الى منبر الحسين ص٣٣٦
٤-نفس المصدر ص٣٣٢
تعليق