من منا يا ترى يمتلك صلاحية التقرير عن الله سبحانه وتعالى؟ ومن منا بمقدوره التعريف عن حال الرب بالقبول والرضا او الغضب والسخط على العباد والبلاد؟
لا أحد بالتأكيد لديه القدرة على ذلك؛ انطلاقا من قوله تعالى : (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك انك انت علّام الغيوب) #.
الا انّ هناك من يأتي ويتجرأ ويتحدث عن حال الله، وكأنه المحيط بعوالم الغيب وما وراءه، او كأنه الأعرف والأعلم بتأويل الحوادث ومجريات الأمور اكثر من غيره، فيصير كما يقال : ملكيّاً أكثر من الملك!
التفسير السائد والمهيمن على عقول الناس، حول ظاهرة العواصف الترابية التي لا زالت تضرب برياحها منطقتنا وما جاورها، لا زال تفسيرا مُجانبا للعقلانية، ينقصه النضوج وتغيب عنه الرؤية السليمة للأمور.
فما معنى ان تُفسّر القضية برمّتها على انها غضب الهي، يصبّه الله سبحانه علينا بسبب ذنوب بعض البشر، وابتعادهم عن جادة الحق واقترافهم الموبقات وما الى ذلك؟! وكأن الله سبحانه لا وسيلة تأديب لديه سوى هذه لكي يعيد عباده اليه؟! أو كأننا الأمة الوحيدة التي تعاقر المعاصي والذنوب، فينزل الله غضبه علينا عبر عواصف ترابية خانقة!!
حملتُ السؤال التالي : لماذا تكون منطقتنا عرضة للعواصف الترابية باستمرار؟ ووجّهته الى عدة عيّنات مختلفة من المجتمع. فجاءت الردود والتصورات هي الاخرى متباينة ومختلفة.
السيدة ام حسن معلمة متقاعدة تجيب قائلة : يبدو ان هناك امور غيبية نحن لا علم لنا بها، كما ان كثرة ذنوبنا ربما تكون هي السبب الرئيسي وراء حدوثها بهذه الكثرة.
اما السيدة ام مهدي وهي موظفة في دائرة حكومية فتقول : العلم اليقين بيد الله سبحانه، والراسخون في العلم، كما ان هناك عدة احتمالات لهذا الوضع الذي نعيشه، لكنني أميل الى مسألة المؤامرة، فالعواصف تهبّ علينا بفعل فاعل وليس من تلقاء نفسها.. وهي من باب الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه، او لعل الله سبحانه سلطها علينا لعدم امتثال البعض لاوامر الله، وترك الآخرون الأمر بالمعروف..
اما الشيخ محمد فوزي ال سيف عالم دين من السعودية فله رأيا وسطيا في هذه المسألة، فيقول :
(الأمر لا يعدو ان يكون امورا مناخية ليس الّا..
# هل يعني هذا ان لا علاقة لها بذنوب ومعاصي البشر؟
ليس لها بالضرورة علاقة، فالذنوب في اوربا أكثر، ومع ذلك لا توجد عواصف ترابية هناك.
# اذن لماذا بعض المرجعيات الدينية توجب صلاة الآيات في هذه الحالة؟
أولا :انا لا أعلم ان بعض المرجعيات الدينية أوجبت صلاة الآيات بهذا المقدار من الغبار، وثانيا : لا ربط بين الأمرين فسواء كانت بسبب الذنوب او بغير سبب الذنوب، صلاة الآيات لها مبرراتها الخاصة ولها عناوينها الموجودة، حتى لو فرضنا في زمان كانت الذنوب أقل شيء، ومع ذلك حصل خسوف للقمر او كسوف للشمس او زلزلة او غير ذلك، حتى لو كان الفساد قليل والذنوب قليلة ايضا كان يجب ان تصلى صلاة الآيات، صلاة الآيات لا ترتبط بموضوع ان هناك ذنوب، فجرّت هذه الذنوب الى بعض الظواهر الطبيعية.. صلاة الآيات كما قلنا لها عناوينها ومبرراتها الخاصة. نعم من باب وعظ الناس وتحذيرهم، انه ايها الناس ان آمنتم فان الله سبحانه يرسل السماء عليكم مدرارا، واذا كفرتم او عصيتم فان الله سبحانه يعسّر عليكم هذه الحياة.. ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا.. طبعا هذا جيد من الناحية الاخلاقية والتربوية والوعظية، لكنه ليس هناك ارتباطا سببيا معلوما عندنا، فمثلا في لبنان ليس هناك عواصف ترابية كثيرة، بينما في العراق توجد عواصف كثيرة، فهل معنى ذلك ان الذنوب في لبنان غير موجودة او انها أقل مما في العراق ؟ الجواب ليس كذلك... في السعودية توجد عواصف ترابية كثيرة، لكن لنفترض لا توجد مثل هذه العواصف في تركيا، فهل يعني ان ذنوبنا هنا اكثر من هناك؟ هذا لا نجده شيئا واقعيا.. نعم كما قلت من المناسب ان تكون دعوة الناس وتحذيرهم وتشويقهم الى الابتعاد عن المعاصي والذنوب، وهذا شيء طيب بكل تأكيد.)
اما الاستاذ عبدالله حسين أديب وناقد عراقي مقيم في الدنمارك فيقول :
(القرآن الكريم يقول : فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وأميل إلى أن معناها أصحاب كل إختصاص، وبناءاَ عليه علماء الجيولوجيا أولى من غيرهم بالأجابة عن هذا السؤال، وهم يوعزون الظاهرة للتغير المناخي، وارتفاع حرارة الأرض، والأفراط باستخراج الفحم الأحفوري، والقطع الجائر لاشجار الغابات، وعدم زراعة مصدّات رياح وغيرها) ..
اذن يتضح مما سلف، انّ العدوان على الطبيعة هو السبب الرئيسي وراء تشكّل الكوارث والمآسي الحاصلة.
نجاح الجيزاني, [٢٨/٠٥/٢٠٢٢ ٠٥:٥٨ م]
فالتصحر مثلا هو اهمال حكومي بامتياز، وهو أمر واضح لكل ذي عينين، ولابد ان ننظر الى هذا الأمر من هذه الزاوية بالذات، اما النظر من غيرها نكون حينها قد تجنّينا على الذات الالهية عبر التفسيرات الخاطئة والمغلوطة.
يقول الكاتب الصحفي نوزاد حسن :
(لن يزرع الله لنا 3 مليارات شجرة بالدعاء ولا بغيره، علينا ان نقوم بهذه المهمة، واذا أنجزنا هذه المهمة فسيكون الوضع المناخي العام جيدا، وزراعة هذه الكمية من الاشجار يتطلب برنامجا غير عادي بكل المقاييس) .
لابد اذن من تعاون كل الأطراف في هذا البرنامج، فكما هو مطلوب من المواطن العادي زرع شجرة في بيته، على الحكومة كذلك ان تعمل جهدها لمكافحة التصحر، وانشاء الحزام الأخضر للحدِّ من هذه العواصف الترابية.
وفي الختام نقول : العواصف الترابية ما هي الا رسالة تبعثها الطبيعة لنا، وهي لغة تنبيه لا يجوز اهمالها او تفسيرها بتفسيرات عجائز الزمن الغابر ، أو تأويلها بعيدا عن الحكمة وقول الصواب..
(واذا صدّق المواطن كذبة الغضب الالهي فعلى المسؤول أن يعمل لإنهاء أسطورة لا أساس لها من الصحة).
نجاح الجيزاني
# آية ١١٦ سورة المائدة