بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
في البدء نعزي انفسنا والعالم الاسلامي ومراجعنا العظام بمناسبة وفاة سيدة نساء العالمين بضعة رسول الله (ص) السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
ان لهذه المناسبة وقعا خاصا يختلف عمّا سواه في نفوس المسلمين لما لها من ارتباطات وتداعيات تتعلق بالاحداث الاليمة التي رافقت وفاة ابيها خاتم النبيين محمد (ص) والفترة اللاحقة التي حفلت بالكثير من الانقسامات بين المسلمين ممن ارتأوا ان يتبعوا امرهم فيما بينهم لتعيين خليفة للمسلمين، وممن بقوا مصرّين على التمسك بوصية رسول الله(ص) وعهده في كون الخليفة والوصي على المسلمين هو علي بن ابي طالب(ع)، واشتد الصراع بين الفريقين بعد ذلك ليصل الى ذروته في الاعتداء على بيت امير المؤمنين علي (ع) لاجباره على بيعة الخليفة المعيّن، واصابة الزهراء في ضلعها وما تبع ذلك من جريمة اسقاط جنينها سلام الله عليها.
اننا اليوم اذ نستذكر هذه ألآلام لا بد لنا من ان نسبر غور هذه الشخصية العظيمة لأم الائمة الأطهار المعصومين، وبنت خير البشر، وزوجة الوصي علي عليه السلام كي نجعلها اسوة حسنة، وشمعة تنير لنا الظلام والخطر الذي يحيق بنا من كل جانب، وايضا لتكون الزهراء مثلا نحتذي به في الصبر على المكاره، والايمان بأن الله سبحانه وتعالى ناصر للمؤمنين ممن تبع محمد(ص) وآل بيته الاطهار الطيبين رغم كل المحن والماسي التي نمر بها في وقتنا الحاضر.
ولدت فاطمة الزهراء (ع) بعد مبعث الرسول (ص) بخمس سنين في بيت الطهارة والإيمان لتكون رمز المرأة المسلمة وسيدة نساء العالمين وأم الأئمة حيث كانت القطب الجامع بين النبوة والوصاية والإمامة.
ونشأت عليها السلام في بيت النبوة ومهبط الرسالة فكان أبوها رسول الله (ص) يزقّها العلوم الالهية ويفيض عليها من معارفه الربانية.
وشاءت حكمة الله تعالى أن تعاني هذه الأبنة الطاهرة ما كان يعانيه أبوها من أذى المشركين فيما كان يدعوهم الى عبادة الإله الواحد. ولم تكد تبلغ الخامسة من عمرها حتى توفيت أمها خديجة فكانت تلوذ بأبيها رسول الله (ص) الذي بات سلوتها الوحيدة فوجدت عنده كل ما تحتاجه من العطف والحنان والحب والاحترام. ووجد فيها قرة عينه وسلوة أحزانه فكانت في حنانها عليه واهتمامها به كالأم الحنون حتى قال عنها: "فاطمة أم أبيها".
وبعد أن غادر النبي (ص) مكة متوجهاً الى المدينة لحق الامام علي (ع) به ومعه الفواطم، ومنهم فاطمة الزهراء (ع)، وكان عمرها انذاك سبع سنوات، فلحقوا جميعاً بالنبي (ص) الذي كان بانتظارهم ودخلوا المدينة معاً.
الزواج المبارك
ما بلغت فاطمة الزهراء (ع) التاسعة من العمر حتى بدا عليها كل ملامح النضوج الفكري والرشد العقلي فتقدم سادات المهاجرين والأنصار لخطبتها طمعاً بمصاهرة النبي (ص) ولكنه كان يردهم بلطف معتذراً بأن أمرها راجع الى ربها.
وخطبها علي (ع) فوافق النبي (ص) ووافقت فاطمة وتمّ الزواج على مهر قدره خمسمائة درهم، فباع علي درعه لتأمين هذا المهر ولتأثيث البيت الذي سيضمهما فكان أن بسط أرض الحجرة بالرمل ونصب عوداً لتُعلق به القربة واشترى جرةً وكوزاً، وبسط فوق الرمل جلد كبش ومخدة من ليف.
لقد كان هذا البيت المتواضع غنياً بما فيه من القيم والأخلاق والروح الايمانية العالية فبات صاحباه زوجين سعيدين يعيشان الألفة والوئام والحب والاحترام حتى قال علي (ع) يصف حياتهما معاً: فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً. لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
وقد كانا قد تقاسما العمل، فلها ما هو داخل عتبة البيت وله ما هو خارجها. وقد أثمر هذا الزواج ثماراً طيبة، الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
وتعلق رسول الله (ص) بإبنته فاطمة (ع) تعلقاً خاصاً لما كان يراه فيها من وعي وتقوى واخلاص فأحبها حباً شديداً الى درجة أنه كان لا يصبر على البعد عنها، فقد كان إذا أراد السفر جعلها اخر من يودع وإذا قدم من السفر جعلها أول من يلقى.
وكان إذا دخلت عليه وقف لها إجلالاً وقبلها بل ربما قبل يدها. وكان (ص) يقول: "فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد اذى الله".
تسبيحة الزهراء
وجاءت عليها السلام الى ابيها(ص) يوماً تشكو إليه ضعفها وتعبها في القيام بعمل المنزل وتربية الأولاد وتطلب منه أن يهب لها جارية تخدمها. ولكنه قال لها: أعطيك ما هو خيرٌ من ذلك، وعلمها تسبيحة خاصة تستحب بعد كل صلاة وهي التكبير أربعاً وثلاثين مرة والتحميد ثلاثاً وثلاثين مرة والتسبيح ثلاثاً وثلاثين مرة وهذه التسبيحة عرفت فيما بعد بتسبيحة الزهراء.
هكذا يكون البيت النبوي، لا يقيم للأمور المادية وزناً، ويبقى تعلقه قوياً بالأمور المعنوية ذات البعد الروحي والأخروي.
فاطمة العالمة
لقد تميزت السيدة الزهراء بمستواها العلمي العميق من خلال اهتمامها بجمع القرآن وتفسيره والتعليق بخطها على هامش اياته المباركة حتى صار عندها مصحف عُرف بمصحف فاطمة (ع). وقد برزت علومها الالهية في الخطبة الشهيرة التي ألقتها في مسجد النبي (ص) بحضور المهاجرين والأنصار مطالبة بحقها في فدك حيث ظن بعض من سمعها أن رسول الله(ص) بعث من جديد لبلاغتها وفصاحتها وبعد مراميها وعمق فهمها للاسلام وأحكامه.
كل ذلك دعاها لتكون العابدة المتهجدة الناسكة الزاهدة الورعة حيث كانت تقوم في الليل حتى تتورّم قدماها ثم تدعو لجيرانها ثم لعموم المؤمنين قبل أن تدعو لنفسها حتى عُرف عنها أنها "محدَّثة" أي كانت تأتيها الملائكة فتحدثها.
فاطمة بعد النبي (ص)
عندما حضرت رسول الله (ص) الوفاة أسرَّ إليها بكلمة فبكت، ثم أسرّ إليها بكلمة فضحكت فسألها البعض عن ذلك بعد وفاة النبي (ص) فقالت: أخبرني أنه راحل عن قريب فبكيت ثم أخبرني إني أول الناس لحوقاً به فضحكت.
ولم يكد جثمان رسول الله (ص) يغيب في الثرى حتى بدأت مظلومية الزهراء تتعاظم فقد اغتصب حق بعلها بالخلافة ثم اغتصب حقها في فدك، وهي ضيعة كان النبي (ص) قد وهبها لها في حياته.
ولم يراع القوم في ذلك مقامها ومنزلتها عند الله سبحانه والنبي(ص)، ولم يحفظوا فيها وصيته فاشتد حزنها على فراق أبيها ومظلومية بعلها فكثر بكاؤها حتى ماتت حزناً وكمداً بعد خمس وسبعين يوماً من وفاة والدها (ص)، فدفنها علي (ع) سراً كي لا يعلم القوم بقبرها، وذلك بوصية خاصة منها (ع) للتعبير عن سخطها على ظالميها.
اننا اليوم اذ نخوض في حياة عظيمة ملأها الايمان بالله والشرف والقداسة والحب والاحترام يجب علينا ان نتأسى ونعتبر ونؤمن ان الله سيأخذ بأيدينا وينجينا مما نحن فيه من ضياع وفرقة ودمار ان رجعنا عن غيّنا وتمسكنا بالسنّة النبوية المباركة السمحاء، وتعلقنا بالعروة الوثقى من ائمة آل البيت عليهم السلام ولجأنا الى تعاليم السماء البعيدة كل البعد عما يجري من سفك دماء المسلمين الابرياء بغير حق ولا سائغ او مبرر، ومن هذه التعاليم:
1- نبذ الفرقة فيما بين المسلمين وعدم السماح للشرخ الحاصل بينهم ان يتمدد لاكثر مما حصل من كوارث وويلات. وفي هذا يجب على المتصدين من رجال دين وعلم وثقافة ان ياخذوا دورهم في العمل الدؤوب المستمر لترسيخ (وحدة الاسلام).
2- التصدي للفكر التكفيري والتطرف الديني الحاصل من جهات تفسّر الدين على ما ترتأيه من مصالح واهواء. وفضح الاهداف الخبيثة التي اوصلت للعالم سمعة العنف والقسوة عن الدين الاسلامي الحنيف.
3- نشر التعاليم السماوية السمحاء التي تدعو للسلام والمحبة. وغرس وتنمية قيمة (التقوى) في انفسنا بمعنى ان "يعلم الانسان ويوقن بأن الله حاضر عنده وناظر اليه في خلوته واجتماعه، وان هناك من يراقبه ويسجل الحسنات والسيئات ايضا.
4- لا بد من التفكير بإعادة الاسلام ككل متكامل في سياسته واقتصاده وكل شئ... الى الحياة من اجل انفسنا والاجيال القادمة وإلا سيبقى حال المسلمين في تقهقر مستمر.
5- لابد ان تكون فاطمة الزهراء عليها السلام نموذجا وقدوة للمرأة المعاصرة التي تواجهها تحديات خطرة، حيث يمثل الاقتداء بالزهراء الشاطئ الأمين الذي ترسو عليه سفينة المرأة الباحثة عن السعادة والمحبة والصون.
6- دراسة حياة فاطمة الزهراء عليها السلام دراسة عميقة ودقيقة وموضوعية من اجل الوصول إلى المعاني الحقيقية والجواهر العظيمة التي قد لايعرفها الكثيرين، فالاولى بنا ان نجعل من بنت رسول الله(ص) قدوة وأسوة وعلامة مضيئة تنير لنا الدرب في عالم امتلأ بالظلام والعتمة.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
في البدء نعزي انفسنا والعالم الاسلامي ومراجعنا العظام بمناسبة وفاة سيدة نساء العالمين بضعة رسول الله (ص) السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
ان لهذه المناسبة وقعا خاصا يختلف عمّا سواه في نفوس المسلمين لما لها من ارتباطات وتداعيات تتعلق بالاحداث الاليمة التي رافقت وفاة ابيها خاتم النبيين محمد (ص) والفترة اللاحقة التي حفلت بالكثير من الانقسامات بين المسلمين ممن ارتأوا ان يتبعوا امرهم فيما بينهم لتعيين خليفة للمسلمين، وممن بقوا مصرّين على التمسك بوصية رسول الله(ص) وعهده في كون الخليفة والوصي على المسلمين هو علي بن ابي طالب(ع)، واشتد الصراع بين الفريقين بعد ذلك ليصل الى ذروته في الاعتداء على بيت امير المؤمنين علي (ع) لاجباره على بيعة الخليفة المعيّن، واصابة الزهراء في ضلعها وما تبع ذلك من جريمة اسقاط جنينها سلام الله عليها.
اننا اليوم اذ نستذكر هذه ألآلام لا بد لنا من ان نسبر غور هذه الشخصية العظيمة لأم الائمة الأطهار المعصومين، وبنت خير البشر، وزوجة الوصي علي عليه السلام كي نجعلها اسوة حسنة، وشمعة تنير لنا الظلام والخطر الذي يحيق بنا من كل جانب، وايضا لتكون الزهراء مثلا نحتذي به في الصبر على المكاره، والايمان بأن الله سبحانه وتعالى ناصر للمؤمنين ممن تبع محمد(ص) وآل بيته الاطهار الطيبين رغم كل المحن والماسي التي نمر بها في وقتنا الحاضر.
ولدت فاطمة الزهراء (ع) بعد مبعث الرسول (ص) بخمس سنين في بيت الطهارة والإيمان لتكون رمز المرأة المسلمة وسيدة نساء العالمين وأم الأئمة حيث كانت القطب الجامع بين النبوة والوصاية والإمامة.
ونشأت عليها السلام في بيت النبوة ومهبط الرسالة فكان أبوها رسول الله (ص) يزقّها العلوم الالهية ويفيض عليها من معارفه الربانية.
وشاءت حكمة الله تعالى أن تعاني هذه الأبنة الطاهرة ما كان يعانيه أبوها من أذى المشركين فيما كان يدعوهم الى عبادة الإله الواحد. ولم تكد تبلغ الخامسة من عمرها حتى توفيت أمها خديجة فكانت تلوذ بأبيها رسول الله (ص) الذي بات سلوتها الوحيدة فوجدت عنده كل ما تحتاجه من العطف والحنان والحب والاحترام. ووجد فيها قرة عينه وسلوة أحزانه فكانت في حنانها عليه واهتمامها به كالأم الحنون حتى قال عنها: "فاطمة أم أبيها".
وبعد أن غادر النبي (ص) مكة متوجهاً الى المدينة لحق الامام علي (ع) به ومعه الفواطم، ومنهم فاطمة الزهراء (ع)، وكان عمرها انذاك سبع سنوات، فلحقوا جميعاً بالنبي (ص) الذي كان بانتظارهم ودخلوا المدينة معاً.
الزواج المبارك
ما بلغت فاطمة الزهراء (ع) التاسعة من العمر حتى بدا عليها كل ملامح النضوج الفكري والرشد العقلي فتقدم سادات المهاجرين والأنصار لخطبتها طمعاً بمصاهرة النبي (ص) ولكنه كان يردهم بلطف معتذراً بأن أمرها راجع الى ربها.
وخطبها علي (ع) فوافق النبي (ص) ووافقت فاطمة وتمّ الزواج على مهر قدره خمسمائة درهم، فباع علي درعه لتأمين هذا المهر ولتأثيث البيت الذي سيضمهما فكان أن بسط أرض الحجرة بالرمل ونصب عوداً لتُعلق به القربة واشترى جرةً وكوزاً، وبسط فوق الرمل جلد كبش ومخدة من ليف.
لقد كان هذا البيت المتواضع غنياً بما فيه من القيم والأخلاق والروح الايمانية العالية فبات صاحباه زوجين سعيدين يعيشان الألفة والوئام والحب والاحترام حتى قال علي (ع) يصف حياتهما معاً: فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً. لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
وقد كانا قد تقاسما العمل، فلها ما هو داخل عتبة البيت وله ما هو خارجها. وقد أثمر هذا الزواج ثماراً طيبة، الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
وتعلق رسول الله (ص) بإبنته فاطمة (ع) تعلقاً خاصاً لما كان يراه فيها من وعي وتقوى واخلاص فأحبها حباً شديداً الى درجة أنه كان لا يصبر على البعد عنها، فقد كان إذا أراد السفر جعلها اخر من يودع وإذا قدم من السفر جعلها أول من يلقى.
وكان إذا دخلت عليه وقف لها إجلالاً وقبلها بل ربما قبل يدها. وكان (ص) يقول: "فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد اذى الله".
تسبيحة الزهراء
وجاءت عليها السلام الى ابيها(ص) يوماً تشكو إليه ضعفها وتعبها في القيام بعمل المنزل وتربية الأولاد وتطلب منه أن يهب لها جارية تخدمها. ولكنه قال لها: أعطيك ما هو خيرٌ من ذلك، وعلمها تسبيحة خاصة تستحب بعد كل صلاة وهي التكبير أربعاً وثلاثين مرة والتحميد ثلاثاً وثلاثين مرة والتسبيح ثلاثاً وثلاثين مرة وهذه التسبيحة عرفت فيما بعد بتسبيحة الزهراء.
هكذا يكون البيت النبوي، لا يقيم للأمور المادية وزناً، ويبقى تعلقه قوياً بالأمور المعنوية ذات البعد الروحي والأخروي.
فاطمة العالمة
لقد تميزت السيدة الزهراء بمستواها العلمي العميق من خلال اهتمامها بجمع القرآن وتفسيره والتعليق بخطها على هامش اياته المباركة حتى صار عندها مصحف عُرف بمصحف فاطمة (ع). وقد برزت علومها الالهية في الخطبة الشهيرة التي ألقتها في مسجد النبي (ص) بحضور المهاجرين والأنصار مطالبة بحقها في فدك حيث ظن بعض من سمعها أن رسول الله(ص) بعث من جديد لبلاغتها وفصاحتها وبعد مراميها وعمق فهمها للاسلام وأحكامه.
كل ذلك دعاها لتكون العابدة المتهجدة الناسكة الزاهدة الورعة حيث كانت تقوم في الليل حتى تتورّم قدماها ثم تدعو لجيرانها ثم لعموم المؤمنين قبل أن تدعو لنفسها حتى عُرف عنها أنها "محدَّثة" أي كانت تأتيها الملائكة فتحدثها.
فاطمة بعد النبي (ص)
عندما حضرت رسول الله (ص) الوفاة أسرَّ إليها بكلمة فبكت، ثم أسرّ إليها بكلمة فضحكت فسألها البعض عن ذلك بعد وفاة النبي (ص) فقالت: أخبرني أنه راحل عن قريب فبكيت ثم أخبرني إني أول الناس لحوقاً به فضحكت.
ولم يكد جثمان رسول الله (ص) يغيب في الثرى حتى بدأت مظلومية الزهراء تتعاظم فقد اغتصب حق بعلها بالخلافة ثم اغتصب حقها في فدك، وهي ضيعة كان النبي (ص) قد وهبها لها في حياته.
ولم يراع القوم في ذلك مقامها ومنزلتها عند الله سبحانه والنبي(ص)، ولم يحفظوا فيها وصيته فاشتد حزنها على فراق أبيها ومظلومية بعلها فكثر بكاؤها حتى ماتت حزناً وكمداً بعد خمس وسبعين يوماً من وفاة والدها (ص)، فدفنها علي (ع) سراً كي لا يعلم القوم بقبرها، وذلك بوصية خاصة منها (ع) للتعبير عن سخطها على ظالميها.
اننا اليوم اذ نخوض في حياة عظيمة ملأها الايمان بالله والشرف والقداسة والحب والاحترام يجب علينا ان نتأسى ونعتبر ونؤمن ان الله سيأخذ بأيدينا وينجينا مما نحن فيه من ضياع وفرقة ودمار ان رجعنا عن غيّنا وتمسكنا بالسنّة النبوية المباركة السمحاء، وتعلقنا بالعروة الوثقى من ائمة آل البيت عليهم السلام ولجأنا الى تعاليم السماء البعيدة كل البعد عما يجري من سفك دماء المسلمين الابرياء بغير حق ولا سائغ او مبرر، ومن هذه التعاليم:
1- نبذ الفرقة فيما بين المسلمين وعدم السماح للشرخ الحاصل بينهم ان يتمدد لاكثر مما حصل من كوارث وويلات. وفي هذا يجب على المتصدين من رجال دين وعلم وثقافة ان ياخذوا دورهم في العمل الدؤوب المستمر لترسيخ (وحدة الاسلام).
2- التصدي للفكر التكفيري والتطرف الديني الحاصل من جهات تفسّر الدين على ما ترتأيه من مصالح واهواء. وفضح الاهداف الخبيثة التي اوصلت للعالم سمعة العنف والقسوة عن الدين الاسلامي الحنيف.
3- نشر التعاليم السماوية السمحاء التي تدعو للسلام والمحبة. وغرس وتنمية قيمة (التقوى) في انفسنا بمعنى ان "يعلم الانسان ويوقن بأن الله حاضر عنده وناظر اليه في خلوته واجتماعه، وان هناك من يراقبه ويسجل الحسنات والسيئات ايضا.
4- لا بد من التفكير بإعادة الاسلام ككل متكامل في سياسته واقتصاده وكل شئ... الى الحياة من اجل انفسنا والاجيال القادمة وإلا سيبقى حال المسلمين في تقهقر مستمر.
5- لابد ان تكون فاطمة الزهراء عليها السلام نموذجا وقدوة للمرأة المعاصرة التي تواجهها تحديات خطرة، حيث يمثل الاقتداء بالزهراء الشاطئ الأمين الذي ترسو عليه سفينة المرأة الباحثة عن السعادة والمحبة والصون.
6- دراسة حياة فاطمة الزهراء عليها السلام دراسة عميقة ودقيقة وموضوعية من اجل الوصول إلى المعاني الحقيقية والجواهر العظيمة التي قد لايعرفها الكثيرين، فالاولى بنا ان نجعل من بنت رسول الله(ص) قدوة وأسوة وعلامة مضيئة تنير لنا الدرب في عالم امتلأ بالظلام والعتمة.
تعليق