إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

( كحاية رزنة بنت صالح ) ( رزنة صالح)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ( كحاية رزنة بنت صالح ) ( رزنة صالح)


    كانت محاولة لملمة شتات مواقف عشتها في تجربة حياتي كنادل مطعم يستقبل الكثير من الزبائن منهم من يبقى في الذاكرة ، وقد يسبب مكوثه داخل الذاكرة الى متابعة يصعب التغاضي عنها ، كنت أرغب أن اكتب بعض تلك المواقف التي تستند الى حقيقة وجوده المرموق ، لكوني لست كاتبا ولا امتلك حرفة الكتابة فمن الممكن ان لا افلح بكتابة حكايتي بالشكل المؤثر الذي يعدها حكاية ذات قيمة ، ولا اريد ان أطيل في التفاصيل لأبدو كراوي محترف يجيد اقتناص الفرصة ، بقيت الهو مدة من الزمن في فكرة ان أكتب ذلك اللقاء الذي لم يدم الا وقتا قصيرا لكنه عاش في داخلي وعرش في الضمير، ربما احتاج الى ان اضفي شيئا من الخيال على تلك الاشياء المعبرة عن حرصي بالتقاط كل شيء ــ القصة ــ الحوار ـــ الافكار ـــ ملامح الشخصية التي عالقت الذاكرة ، لغرض جعل حكايتي ممتعة ، وكان من شأن ذلك ان يجعلني أجازف في متابعة كل ما يقال ، دون ان أحدد مصداقية ما أقرأ أو اسمع ، في نهاية الامر صرت اشتاق لمتابعة حياته بشغف العاشق ـ لإكسر نمطية الصدفة وهذه المتابعة الحياتية جعلتني كرجل أمن يتحرى عن ضحيته ، وكانت تلك المتابعات ، تتحول الى احاسيس وتشعرني ان لابد ان أكتب ، فمثل تلك اللحظة الوجدانية تتطور لتصبح صداقة والفة ،كتبت الكثير من القصص لكني مزقتها ، مزقت كل ما كتبت كوني لا اريد ان اكتب دون هدف اي بمعنى ان لاأكتب من أجل ان أكتب ، بل كنت أبحث عن حقيقة انسان قد لا تدرك الكتابة معناه أحيانا ، وهذا الامر يتطلب الوضوح ، خبرتي الخاصة في مجال تقييم الناس محدودة جدا تقتصر على المظهر وقيمة التعامل الوجداني ، وانا لابد ان اتعايش مع الجميع بمستوى يليق بنا كمطعم ، كل الذي اسعى اليه هو رضاه ، النادل هو الرجل الذي يسعى لخدمة الزبائن ويتواءم مع الامزجة والاخلاق ، بعض من الناس يتعامل معي كخام يأمرني بحدة ومن الناس من يتعامل معي كانسان صاحب عائلة أخدم الناس بتقديم الطعام لهم لأخدم عائلتي ، فيطلب ما يريد بأدب حتى كأنه يتوسل الخدمة ،
    سنوات الخدمة في الفنادق والمطاعم علمتني احتواء انسانية الزبون ومعايشة نفسيته ، السؤال الذي شدني طوال هذه السنوات هو كيف عرفت أنه شاعر ، كيف أدركت ان هذا الرجل الضرير بصير يمتلك سعة في الرؤية ، فهو قرأني قبل أن اتأمل فيه ، هل يمتلك الشاعر ملامح خاصة تكشف عن هويته ، لابد ان هذا المظهر البسيط يعاني من العتمة والوحدة والفقر ، وجه مجدور يحمل معاناة الكون ،أحسست في لحظات أن هذه الدقائق القليلة التي وقفتها امامه وكأني اقف أمام ساحر يسحر كل من يراه ببصيرته ، يهمس في كل شيء ويتهامس مع كل شيء ،يريد ان يصل الى قلب الحياة ، الى معناها الاسمى فليس كل من عاش حياته يعني عاشها كانسان ، وشعرت حينها ان هذا الرجل يحمل في قلبه أمة ، اليمن تعيش فيه وهو يعيش فيها مهما باعدته الخطوات ، يطير من شدة الوجد بها والوجع ، جلس بلياقة مثقف يحمل في روحه اليقين والتحضر والتمدن ، سألته الطلب ماذا اقدم لك سيدي، طلب فطور نفرين ، اندهشت وانا أتأمل من برفقته فلا ارى احدا ، اقول مع نفسي ربما توهم الرجل ، فسألته هل معك احد يا سيدي ، اجابني بوجه بشوش ، طلبت منك نفرين ان ترى ان معي صنعا
    ( طلبت فطور أثنين قالوا
    بأني وحيد فقلت اثنين ان معي صنعا )
    بعدت عنه وانا أحمل لوعة التوق الى هذا الشغف المضني ، زادت الدهشة حين رأيته يتعامل كرفيق يداري رفقيته ، من يراه يتأسف ان يرى انسانا بهذه الرقة بلا بصر وهو يتحسران يرى مجتمعا بلا وعي ، أغنياءه تأكل افئدة جوعاه ، لست غبيا لأترك مثل هذا اللقاء عابرا يمضي الى سبيله ، صرت اتبعه كظله وهو يتقبلني في كل محفل وكاني من بقاياه ، هذا الرجل الزبون صار صديقي ، صار نديمي ومعناي ، صار يحدثني عن صباه من قرية البردون من محافظة ذمار ، يتحدث وانا استمع الى قصة اصابته بالجدري وهو في الخامسة من عمره ، صرت ابذل أي محاولة لأفوز بالقرب منه ، اسمع ضحكته أحيانا بكاءا ، واسمع الى بكاء يشبه الضحك ، أعذروني أحيانا يشدني الوجع فأكتب ما يشبه الشعر ، صرت اراه جميلا فكيف لهذا العالم ان لايرى جماله؟ ، كلما تمطر السماء يبتسم ، بعدهذه العشرة صرت استطيع ان احدثكم عنه ، لقد فقد بصره ، صرت امتلك اشياء عجيبة ، كلما يروي لي عن حادثة أرى نفسي ترجع الزمان لتعيشه ، صرت معه في الكتاب مجموعة ملالي تعلم القرآن والكتابة والقراءة ، قابلية حفظه للقرآن ادهشت كل من يعرفه ، ثم ظهرت قريحة الشعر ، وفي صنعاء عايشت مرحلة حياته تخيلت كل معانيها فكان يحدثني بادق التفاصيل ، هنا في صنعاء صار الناس يلقبونه بالبردوني نسبة الى بردون ، تنثال الذاكرة بلهب المواجع ، انا لست رجل شعر او تعبير وأنشاء لأقول لكم السجع ، جرحي الذي يروي لكم تلك العلاقة التي ترسخت بين نادل مطعم وزبون شاعر كبير ، بالمناسبة انا اروي لكم تفاصيل الحكاية وانا ابكي كونني ارويها وانا متوسد قبره ، مجرد احجار مرصوفة وشاهدة قبر في مقبرة ( خزيمة ) يطل هذا القبر على ضوء حياتي الوهاج ، الذي أرى من خلاله اليمن السعيد ، ويحلو التأمل في مخاض الحياة عبر هذه الجُبّانة المنهكة صرت اخاف ان احدثكم باشياء لاتصدقونها ، قبور الشعراء تختلف عن قبور الموتى ، وانت تنظر الى القبر تجده مرتفعا شامخا وكأنك تنظر الى السماء ، هكذا انا انظر لقبره ، أذهب اليه وحدي أرى زحاما من الناس يحتشدون معي على القبر الى أن فاجأني أحدهم سألني ،:ـ هل أنت اخوه؟. مسكين لا أحد يزوره، :ـ كيف لا أحد يأتيه؟ وهذه الملايين التي تصفق له ، يتعجب حفار القبور من كلامي ويقول :ـ صدقني لا أحد ، لا يهم ما دمت انا استمع الى البردوني وهو يقرأ ابياته على شاهدة قبره ، القضية معقدة وخاصة عندما تفتقد شيئا ، قد تعودت عليه ، ذات خميس زرت المقبرة وأتجهت اليه مثلما افعل في كل زيارة ، أنا أعرف أنه ينتظرني كل خميس ولهذا صعقت حين لم أر القبر ، يا الهي قبر البردوني اختفى ، بالامس تهدم بيته الذي كان يمكن ان يرمم ليصبح متحفا يزوره السياح كونه معلما من معالم اليمن، واليوم يختفي قبره يجوز ان السماء رغبت به فأخذته اليها، فكرة ممكنة ان يرتفع قبر البردوني الى السماء ، او ربما يجوز خرج دون ان يراه أحد، راح يتجول في صنعاء وربما اشتاق الى بيت صباه في البردون ، تأملت القبر طويلا كان القبر دون وجوده كلوحة حزينة أقتلع منها القلب ، كنت اعرف انه ابن السماء اكثر من كونه أبن الأرض ، شاعر ثوري رفض الخنوع والخضوع وتحدى النظم الدكتاتورية ، ودعا الى قيم الحرية والعدالة والتحديث لهذا صرت اراه وكأنه ( ابو ذر) هذا العصر ، واجه الصعوبات والمضايقات والتحرشات في حياته ومات دون ان يعلم به أحد ، لكن مع هذا من الصعوبة ان أصدق ان رجلا استطاع يوما أن يتمرد على موته ،
    سألت حفاري القبور ، وحراس المقبرة عن اختفاء القبر ، لم يصدقني احد منهم، وتوقعوا اني تيهت القبر وهذه تحصل مع كثير من الناس يضيعون قبور موتاهم ، يا الهي انا متأكد أنه مازال هنا،والا أين سيذهب؟ لقد بحثت في كل الاتجاهات ، وانا اخشى عليه ان يضيع ،واحد من اهل العقل قال لي لا تخشى عليه ،ان مكفوفي البصر حين يدفنون ترجع لهم ابصارهم ، اصغي الى صوته اسمعه
    ( وفوق ذلك ألف الف مرتزق
    في اليوم يسألني .. ما لون معتقدي ؟
    بلا اعتقاد وهم مثلي بلا هدف ،
    يا عم ما أرخص الانسان في بلدي )،
    ضحكت حينها في سري ،اخشى ان يكون قد تبرع بقبره لدفن فقير لايمتلك ثمن القبر ، وان اختفاء عبد الله البردوني من قبره تلك مسألة فيها الكثير من الغواية ، شاعر هاجر وطنه معقولة، لكن شاعرهاجر من قبره كيف تعقل ؟ طيب لنفترض الهجرة لكن ماذا نجيب من يسألنا الى اين هاجر ؟، شاعر تكرم بالقبر الى فقير يسألوننا حينها اين ينام الآن ؟ أين مثواه الجديد ؟ والشعراء هم من أكثرالوسائل المؤدية الى الثورة والفوضى ، لأن استقرار العروش يعني موت الشعوب ، خنق صوتها ، كان البردوني يحرك يديه بقوة وهو يقرأ وهذه الحركات لازمته حتى بعد موته ، ازدادت كما اراها بعد موته ، هو يقرأ لي بعض قصائده فتكون تعابير وجهه صارمة خاصة عندما يقرأ قصيدة غاضبة ، كنت اراه وقد استعاد الحيل بعد موته يبدو شابا يافعا ، وكأن الموت
    يعيد للشعراء الحياة ،لكن أن يحمل الشاعر قبره ويسيح فهذا شيء لا أعرفه ، ولم أجربه في حياتي ، ولا سمعت عنه لهذا صرت اتصور أني سأجده يوما طاف في الهواء ، أو ملتف حول شجرة عالية لها فرع في السماء ، نسيت ان اقول لكم في مقابلاتي الأخيرة تأملت في وجهه كثيرا ،فلم ار أي اثر للجدري ،فهل يمكن ان يعود الى الحياة بعدما عاش فيها الالام وتجارب مريرة أثرت في شخصيته ، في طفولته فقد بصره بسبب الجدري ، ومن المؤكد ان القرية عاملته بجفاء وهذا الأمر جعله يتمرد على الواقع ، لا.. لا اعتقد انه سيعود اليها ،كنت استمع اليه وهو يحدثني بألم فجأة تبسم لي وهو يقول ، هل تعرف يا صديقي أن الأمم المتحدة أصدرت عام 1982 م عملة فضية عليها صورتي على أني معاق تجاوزالعجز ، سألته في لقاءاتنا التي تكررت وخاصة ايام السفرلأعرف ماذا يتمنى رجل ضرير مجدور تجاوز اليأس بهمته ونال شهرة علمه وأدبه ؟، أجابني الفكرة الخالدة كيف نجتاز الموت بنجاح ، هل نستطيع ان نحمل قبورنا ونعود الى الحياة ياعتبارنا وصلنا مرحلة ان نكون أكبر من الموت؟ ، صرت اتذكر كل حوار دار بيننا بل كل كلمة قالها لأبني تخميناتي عساي اعرف معنى أختفاء القبر ، اشتهرت حكاية أختفاء قبر الشاعر البردوني بين حفاري القبور والمتسولين وباعة الماء والبخور ، أستيقظ ذهني على مسألة جميلة لم أخض غمارها من قبل ، هناك ناس كثيرون عندنا يعيشون باجساد بلا روح و تصورت اليوم ان هناك ارواح تعيش بيننا بلا اجساد ، ذ، هل يمكن ان روح البردوني عادت بامر ربها ، طيب لماذا لم تزرني او تخبرني و، واين القبر ؟ الارواح على ما يبدو لا تحب القبور ، ولا القبور قادرة على سجن الروح انا أعرف اني اعيش الاوهام بكامل حيويتها واستغفر الله ، القضية التي تثير الجدل داخل راسي هو اني اسمعه كل ليلو يقرأ لي مقطعا من أحدى قصائده ثم يختفي ، واتذكر أمس قرأ لي
    ( ماذا أيدري أخوتي وأبي أني يماني بلا يمن
    هل لي هنا او هنا وطن
    لا .. لا جراحي وحدها وطني )
    عندما أبحث عن ماضي رجل غادرنا الى الغد ، ستكون الحسبة هي العودة الى الغد ، الفكرة المعلقة ، الوعي الروح بلا جسد ، اليقظة تحت وطأة التراب ـــ الحلم أيمكن ان يكون الحلم هو ذكريات الروح ، قرأت عن سيرته الذاتية عين استاذا للآداب العربية في مدرسة دار العلوم التي تخرج منها ، المشكلة التي اعيشها ان مثل هذه المعلومات لاتهمني ولا تثيرني لأنه سبق وان حدثني عن الوظائف الحكومية ، مسؤول عن البرامج في الاذاعة اليمنية وغير ذلك فقد حدثني حتى عن رحلته العلاجية الى الأردن وتوقف قلبه عن الخفقان هناك ،، اشياء أصلح ان أكون انا المصدرلها ، حين رحل وترك المقبرة صرت اتوقع وجوده في احد المساجد ، أو في بطن نجم وقد يسري مع الغيم ، ربما مثل هذه التوقعات مجنونة ولا لها عقل، صرت ارى الغيوم كأنها احجار الصحراء ، البعض تصل به الحال فيتصور ان المقابر هي الامل الوحيد للخلاص ، ولهذا صرت اشعر بان البردوني تجاوز هذا الأمل ايضا ، فهو في العلم تغلب على ما حوله ووصل الى النبوغ ، قال لي يوما أنا صادقت عماي ، فكانت الحكومات تخشى البصيرة التي تتوقد فيه ، كان يقتحم جلبة الحياة ليحدثني وانا اسمعه قبل الصوت ، الفضاء الذي كان ينتمي اليه ، هو فضاء الايمان ، حتى الصمت كان يرعب الطغاة لذلك سجنوه ، لكونه حرض على الثورة ضد الاحتلال البريطاني ، :ـ أين أنت الآن اقلقتني يا رجل ،:ـ لا تخاف علي ابدا عشت اعمى وارعبتهم، كان العالم يراني وانا لا اراه الا ببصيرتي ، الان صرت ابصر العالم ببصري وببصيرتي ، اليوم اريد أن ارى العالم ـ ارى حبيبتي فتحية زوجتي ، المرأة التي كانت هي عيوني التي ابصر بها وهي عكازي ، هذه المرأة تعرف الله جيدا وتحمل روحا نقية ، كانت هي ينبوع الحياة ، اسأله عن الصمت الذي يعتريه وقلة الكلام ،وأقتضاب الحديث فيجيب بأشياء لها فعل السحر :ـ كلما زاد وعي الانسان قل كلامه ، وحدثني عن بعض الطرائف التي كانت تبكيني ، يرويها لي وهو يضحك ، سبب البلاء العربي هم اللصوص لابد من محاربتهم والقضاء عليهم بالمناسبة ، سأروي لك حكاية عن حقد اللصوص ، اللصوص لا يمتلكون الضمير ، كنا مجموعة كبيرة من الطلبة البصراء ندرس في المعهد العلمي بصنعاء وكانت لنا منحة تقدم كل شهر من الريالات العملة الفضية ، انذاك كانت هي عملة اليمن ، وكان المحاسبون ونسميهم القباضون يسرقون من معاشاتنا كل شهر ، حتى ضقنا بهم ضرعا وقررنا ان نشكوهم ، لكننا خشينا ان يستبدلوا المعروض بشيء آخر ، وبعد جدل صار الرأي ان نكلمه مباشرة ولكن على شكل نشيد وقفنا امامه ، وابتدأ ت المجموعة ( يامولانا ,,,, نحن البصراء جئنا نشكو القباضون ) انفجر الامام أحمد ضاحكا وأنصفنا من اولئك اللصوص ،
    يقولون في الامثال الشعبية العربية ( من عاشر القوم اربعين يوما صار مثلهم ) وانا عاشرت البردوني سنوات ، احضر جميع مجالسة ويصطحبني في سفره فانا دليلة وعكازته وعينه في المؤتمرات الادبية والمهرجانات والمقابلات التلفزيونية فصرت أحسب على الادباء رغم اني لم أكتب شيئا ، وصرت بمرور الايام اشارك استثمر الفرص واتصرف تصرفات الاعلامي العارف شغله ، التقيت يوما بالاستاذ أنيس العرقوبي سألته ان يضع مقارنة بين شاعرية المتنبي والبردوني ، ربما كان مثل هذا السؤال محرجا لمكانة البردوني ، كيف لي ان ازجه امام عمالقة التأريخ والذي فاجأني هو الجواب الذي اعاد لي هيبة السؤال فقال :ـ يكفي البردوني ان اسمه لم يقترن يوما بالسلطة ، ولم يرم عطاياها كما فعل المتنبي مع سيف الدولة ، بل سعى لهدم اسوار الحكام وطغيانهم وأنارة دروب الثائرين والمشتاقين الى الحرية ، انا جربت اخلاق البردوني وعاشرت حضوره كنت معه في العراق في مهرجان ابو تمام في الموصل، وكنت معه ايضا في مهرجان المربد ، تقدم الشاعر نزار قباني واحتضنه كنت انا فرحان جدا لكون نزار كان اكثر شعبية واناقة ، انا رجل نادل مطعم لاأفهم في عمق الامور الادبية فرحت جدا معتبرا معانقة نزار القباني ستزيد البردوني منزلة ، واذا بالبردوني رد مازحا :ـ لاتقل نزار بكسر النون وقلها بفتحها لانها تعني الشيء القليل ، قبله نزار فرحان بهذا التتويج ان يعانق شاعرا بحجم البردوني ،
    بعدما شاع خبر هجرة البردوني من القبر صار الناس وأهل الاعلإم والصحافة يقصدوني ليتحروا عن مصداقية الخبر صرت الوجه الاعلامي المرموق باعتباري مدير اعمال البردوني الذي ماكان يقبلني الا ان اكون اخاه ، صار لقبي الجديد مدير اعمال المرحوم البردوني ، سألني احد الاعميين في برنامج نقل مباشرا في احدى الفضائيات المهمة هل كنت مع البردوني في مهردجان الموصل :ـ وفي المربد ايضا كنت معه، يبدو ان الجميع استساغ هذا السؤال وصار ينتظر الاجابة ، كانت قاعة المربد تتثاءب حتى ان بعض الحضور ناموا في القاعة ، لاشيء يهزهم ، القصائد التي انشدت معظمها اخذ حيز الوقت وروتينية النظم كما شخصها لي البردوني بعد المهرجان وهذا يعني انه يعرف المساحة التي يشتغل عليها ، أمتلكني الخوف لأن الشعراء في المهرجان يمتلكون قياقات جميلة واناقة عالية والبردوني على بساطة ملبسه ، جاء دور البردوني ونصف القاعة نائمة ، من ضمن الاراء التي يحتفظ بها الالشاعر بان الجمهور العراقي له خصوصية عالية في تقبل الشعر ، قلت يعني في المسألة قلق ، قال لا بالعكس انهم جمهوري أنا ، منظر غريب لبغداد شاعر يمني بشعره الاجعد وآثار الجدري تكسو وجهه وأنا اقوده الى الى المنبر الشعري ، انا لاأتحدث عن الامور الفنية للقصيدة فهذا ليس من أختصاصي ، لكني أتحدث عن الامور الانسانية ، ان يتقدم هذا الرجل أمام هذا الجمع المتأنق بجميع أموره ، وما ان وقف أمام المنصة ، مسح انفه بكم معطفه ، في لحظتها شعرت بكياني يتفتت وسقطت على الأرض مغشيا عليّ أو هكذا تصورت نفسي لأن هذا العمل اثار بعضا من اللغط والدهشة في القاعة ، جمهور الشعر حساس ، تنحنح البردوني ، ناديت :ـ يالله ارحمه ووفقه وانجحه يارب ، الهي كم كانت هذه الدقائق حرجة متعبة مع هذا أجده يمتلك الثقة العالية بنفسه ، ثم بدأ يقرأ قصيدته فتحولت القاعة الى استجابة مذهلة ، شعرت ان كل شيء تحول الى لهفة تعانق هذا الشاعر ــ الفلاح ــ اليمني صوت أخآذ جميل وأداء أذهل من في القاعة ، انا لااحدثكم عن القصيدة لكني احدثكم عن الموقف ، وقف الحاضرون يصفقون اعجابا بشاعر اليمن وفي القوم فطاحل الشعراء أمثال نزار قباني والبياتي وعمر ابو ريشة ، فلم يكن من المتوقع ان رجلا كفيفا يمثل تلك الهيئةيمكن ان يفاجىء بمثل هذه الابيات ، وعندما نزل من المنبر الشعري ظل التصفيق في القاعة ثم التف حوله العشرات وفي صالة الفندق ظل يستقبل العشرات من المحبين وهم يشيدون بقصيدته ، ، واليوم يبدو أني اصبحت كبير القوم ، يزورني الناس واهل الاعلام والشعراء ــ الادباء ليسألوني عن اخبار هجرته ميتا ، ولا أحد يصدق أني لااعرف شيئا من الأمر ، امتلأ بيتي باعل الصحاة والاعلام فريق يخرج وفريق يدخل صحف مجلات وصور ومراسلي الاذاعات والفضائيات ، حدث غعالمي هز ارجاء المعمور بعناوين براقه ، الشاعر البردوني يهاجر الى المجهول ، كل واحد تناول تناول الخبر قسم يبحث عن قضية اكرام مثواه والقلق عليه والبعض ينظر اليه من مصلحته الخاصة بعض الشعراء اقلقهم امر عودته فهم قلقون على كسدا انجازاتهم والسياسون قلقون لأن يمثل وجع الرأس بالنسبة لهم ، سيعود صوته هادرا يحفز الجماهير على الثورة ، قليلون هم من فرحوا ، انا آمنت بانه لو عاد فعلا سيقتلوه ، فيموت شاعر الشعب اليمني مرتين ، اسألهم لأستفز كرامتهم لنفترض انه عاد أين سيسكن وبيته تهدم في يوم ذكرى رحيله ، هل سينام في الفنادق مثلا ، المهم لاتجعلوا الامر يقلقكم سأقاسمه بيتي

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X