بين طيات الزمان وثنايا ايامه المقيتة، اعود ادراجي نحو عبق الماضي وشخوصه وشواخصه الرائعة التي شكلت في حياتي علامة فارقة ووضعتني على المحك وتحت المجهر في كل موقف امر فيه او اي كلمة تصدر مني.
مسؤولية الحرف كبيرة عليّ فكيف اذا انتسبتُ لسيد الحروف، ذلك المنظور الذي عجنها بولائه الصافي لمحمد وال محمد واخرج للدنيا ترانيم الجنان الصافية في المدائح وتراتيل العزاء الخالدة في مصائب محمد وال محمد لنستلهم منها الدروس العبر والالتزام بمنهجية كاظم المنظور في مسؤولية الكلمة لانها نابعة من عقيدة راسخة وهدف نبيل.
وفي وقتنا الحاضر مع فوضى الاعلام الموجه ضد الاديان والمبادئ والثوابت تتأكد علينا مسؤولية الكلمة خاصة اذا ما ارتبطتْ بهيكل القداسة من الثقلين.
وبما ان صورة جدي المرحوم الشيخ كاظم منظور الكربلائي كانت ضبابية لديّ لانني لم اعاصره ولكن في طفولتي رسمت له صورة تقريبية من حكايا زوجته جدتي رحمها الله او من والديّ او عماتي واعمامي، لم تكن تلك الصورة بالوضوح الكافي لديّ فكنت ارتب تلك الصورة المفقودة في ذهني بالتدريج كقطع البازل.
وعندما كبرت قليلا رايت ان قصائده فيها جرعات وعي كبيرة ربّت اجيالا واجيال على العقيدة الراسخة لما فيها من صور ودلالات عميقة تتعدى كونها كلمات لانها نابعة من ولاء حقيقي ووعي لحقيقة هذا الولاء ومسؤوليته
مما جعل لارثه الشعري التاثير الكبير في النفوس وانعكاسه على سلوكيات الفرد الموالي وهذا هو سر خلود (كلي يالميمون) و(يبن امي ع التربان) و (يمه ذكريني من تمر زفة شباب) و (يا محلى الوداع بهالمسية) وغيرها لانها لا زالت مؤثرة في الوجدان تتجدد فيها العبرات كلما تسمعها وكأنك تسمعها لاول مرة.
وحينما دخلتُ عالم الكتابة والحروف شعرت بمسؤولية الكلمة تلك واشرقت صورة جدي امام ناظري، رايته في قلوب محبيه
وعرفته من نظرة احترام المجتمع له وتذكرهم له بعد نيف واربعين عاما بنفس الحرارة والوهج كما لو كان حيا لحد الان بل وتعدى الامر الى احترام ذريته وحفدته في اي مكان عام او ملتقى اكراما له وانا منهم ولستُ مستحقة لتلك الحفاوة في واقع الامر.
من خلال هذه السيرة العطرة والتاريخ المشرف في خدمة محمد وال محمد استخلصتُ بعض ما استطعت لملمته من ذلك التاريخ على قدر فهمي المتواضع ضمن اطار منهجي واضح المعالم لكل من يلج عالم الحرف في خدمة المعصومين عليهم السلام في عدة نقاط:
-الاخلاص لله تعالى والولاء الحقيقي لمحمد وال محمد عند هو هدف الكتابة الاساسي.
- الابتعاد عن زخرف الحياة الدنيا وعدم التكسب المادي من خلال تلك الموهبة الربانية.
-التحلي بمسؤولية الكلمة امام الله والمعصومين والمجتمع لانك في موقع الارشاد والتربية وترسيخ العقيدة وتسليح المجتمع بالايمان
- الارتقاء بالمجتمع نحو ذائقة ادبية رصينة وملتزمة من خلال انتقاء الكلمات بدقة وعدم استخدام كلمات مبتذلة وسطحية.
-احترام صورة المعصومين عليهم السلام ومكانتهم وعدم توهين تلك المكانة المقدسة لاستدرار دمعة المتلقي او عاطفته
- العلاقة الطيبة والحميمة التي تربطه مع كل خدام الحسين من شعراء ورواديد ومسؤولي مواكب العزاء الاساسية انسانيا وعائليا وبشكل طبيعي وانسيابي جدا بعيدا عن فكرة التنافس والغيرة والعدائية التي نراها الان في كل اختصاص او وسط من الاوساط الثقافية .
- البساطة والتواضع في العيش والتعامل مع الناس وعدم الترفع عنهم والاغترار بالمكانة الادبية والاجتماعية.
-التحلي بروح الدعابة والحس الفكاهي احيانا كثيرة في التعامل اليومي مع الاسرة والاصحاب وسائر الناس
- استثمار المكانة والوجاهة الاجتماعية في حل المشكلات والخصومات والنزاعات بين الافراد وبعض سوء الفهم الذي قد يصاحب احيانا مواكب العزاء في المسائل التنظيمية.
- مطابقة السلوك العام مع المبادئ التي ندعو لها قدر الامكان للتحلي بالمصداقية وكي لا نكون مصداقا لقوله تعالى في سورة الشعراء من الاية ٢٢٤ الى الاية ٢٢٦ (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ*أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ*وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ*)
- زرع روح الايمان في المجتمع وابراز السمات الايجابية والايمانية فيه عن طريق تفعيل دور الاعلام الملتزم قبال الاعلام المضاد له الذي يهدف الى تفكيك الدين وتشويه معالمه والصبر على تحديات تلك المهمة الشاقة وهنا يتبين استثناء الشعراء في ختام سورة الشعراء اية ٢٢٧ (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ).
وبلحاظ ما تقدم يتبين لنا منظور كاظم المنظور في خدمة المعصومين عليهم السلام وهو منظور واحد مهما تعددت تسمياته واتجاهاته وطرقه، وهو منظور الخدمة لمحمد وال محمد لوجهه سبحانه وتعالى فقط لا رياء ولا سمعة، فالخدمة لديه شرف وتشريف وواجب وتكل