بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال أمير الموحدين وسيد الوصيين عليه السلام في إحدى خطبه في نهج البلاغة ((فِي تَقَلُّبِ اَلْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ اَلرِّجَالِ))..
هنا يمكن التطرق الى معرفة مفهومين من كلامه عليه السلام، الأول هو الابتلاء والامتحان الذي أعدّه الله سبحانه وتعالى، والثاني هو معدن الانسان وأخلاقه الظاهرة للناس..
فإذا كان الأول نفهم منه بأنّ الله سبحانه وتعالى من سننه وقوانينه الإلهية هو ابتلاء خلقه من الناس، فقد قال تعالى في كتابه الكريم ((وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)) الأنبياء: 35)، وهذا الاختبار يفيد من ناحية التكامل لمن أراد أن يتقرّب من الله تعالى ليصل الى أعلى درجات العبادة، ومن ناحية أخرى ليتميّز المؤمن الحقيقي من المنافق الذي قد يُظهر الايمان ويخفي الكفر، فقد قال تعالى: ((وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (آل عمران: 154)..
فحقيقة الانسان تُعرف خفاياها فيما إذا واجهته صعوبات الدنيا وتذوق آلامها وعلى إثرها يعرف مدى صلاح نفسه من عدمه، فمن يعيش في عيشة منعمة لا يمكنه تصوّر الفقر إذا ما واجهه وتمكن من التغلّب عليه، أو العكس بأنّ الفقير لا يمكنه معرفة دواخل نفسه من أنّه سيبقى على حاله إذا ما جاءته نعم الدنيا من غنى أو جاه أو عافية، وقد رأينا الكثير ممن سقطوا في هذا الامتحان بعدما كانوا معروفين بالخير والصلاح، فتبدّل الحال هو المحك الرئيسي لمعرفة الجوهر الحقيقي للإنسان، فهو كمعدن الذهب كلّما عرّضته الى النار ظهر لمعانه وبريقه وخرجت منه الشوائب غير المروغب بها، فقد ورد عن الامام الرضا عليه السلام في جوابه عن الفتنة أنّه قال: ((يفتنون كما يفتن الذهب، ثم قال: يخلصون كما يخلص الذهب))..
فنستنتج بأنّ تقلّب الأحوال على الانسان من نزول الشدائد والمصائب والنوائب هو الذي يُظهر معدنه الحقيقي من خير أو شر أو فضيلة أو رذيلة، فتكون هذه للمؤمن سيراً نحو التكامل وللظالم سقوط وتسافل..
أما عن الحال الثانية: فهي تتعلق بصورة رئيسية بأخلاق وسلوك الانسان في حياته الاجتماعية، فانّنا لا يمكننا أن نحكم بصورة نهائية على الشخص بأنّه صادق أو صاحب أمانة أو كرم بمجرد أن يدّعي ذلك، وإنّما التجربة و المعاشرة والمعاملة.. والتعاطي معه هو الذي يُظهر حقيقته الكامنة التي لا يمكن أن تبقى مستورة طوال الوقت من غير أن تطفو على السطح، فقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: ((مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً في قَلْبِهِ إِلاَّ ظَهَرَ في فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَ صَفَحَاتِ وَجْهِهِ))..
تعليق