لاشك ان الصوم فرض عبادي وتكليف لكل مسلم بالغ عاقل، وانه لا يقتصر عن الانقطاع بالطعام والشراب بل يشمل ايضا صوم الجوارح والانقطاع التام عن الذنوب والآثام، انها فرصة ليعيش العبد مع ربه ساعات الشهر الشريف ويذوب في حلقات التجلي الروحي معه عزوجل .
وجاء اللطف الالهي رحمة لكل العباد الله فلم يثقل كاهل العبد بل روعي حال المريض او المسافر واجاز الإفطار لهم، على ان يقضي العبد تلك الايام وقت العافية او عند العودة للديار، انه لطف الهي من لدن الرحمن الرحيم، لكن البطل المقاتل عباس لم يستغل تلك المنحة الالهية واثر الصيام رغم اصابته الشديدة التي مني بها في احدى تصديه لعصابات داعش المجرمة .
في بيجي تحديدا وفي المزرعة حدث هجوما شرسا من قبل الدواعش التي تفصح سحناتهم عن اختلاف جنسياتهم واصولهم التي توحدت وتظافرت في محاولاتها البائسة بضرب معقل الثوار والاحرار متمثلا بعراق الانبياء والاوصياء.
وبلا ريب فان تلك الساعات العصيبة تظهر معادن الرجال وتختبر جواهرهم النبيلة ، وفي جمع مبارك ضم خيرة رجالات العراق واشرفها يدرك المرء معايير الغيرة والحمية وكيف يحيا المرء حرا ابيا يرفض الذلة والمهانة وشعارات الثوار تتلجلج على السنة ابطال الحشد كل ساعة .
اشرأبت ارض الرافدين دماء الشهداء وقصت حكايا البطولة والفداء، كان الهجوم عنيفا من قبل العدو الغاشم وجرح الكثير من الابطال في لواء علي الاكبر الذي قاوم على الساتر ومن خلفه تقف جحافل الجيش العراقي والقوات الاتحادية البطلة.
وتمكنت عصابات داعش من الالتفاف وفتح ثغرة حصدت من خلالها ارواح ابطال الحشد الاشاوس الذين مضوا زرافات زرافات الى ربهم راضيين مرضيين ، واستمر النزال وقتا طويلا من منتصف الليلة حتى الساعة العاشرة صباحا .
زف من زف الى الجنة الموعودة التي وعدها الله لعبادة المتقين وجرح من جرح في ارض كتب عليها التمحيص والبلاء، وتوج البطل عباس بقلادة الاصابة وانساب دمه الزكي يعانق الارض المعشوشبة بلحن الفداء، كانت انفاسه تتراخى اثر النزف الا ان عينيه الشاخصتين مابرئت تتضرع الى السماء في نيل شرف الشهادة .
الا ان ارادة الله عزوجل ارادت غير ذلك فقد استقبل عباس الطلقات بصدره ويده، حتى ضعُف اثر النزف لكن الله امده بالحياة ، وهو بين الصحو وبين الاغماء لوح بيده ببطء وهو يتمتم بشفتيه الذابلتين:
- سيدي يا ابا الفضل كنت اتمنى ان اقدم كفي هدية اليك والى امك الجليلة، الا اني لم افِ بعهدي، لذا اهديك اليوم بتواضع دم صدري ويدي عربون محبة واجلالا لمقامك السمي، واعدك سيكون كفي هدية لمقامك في المنازلة القادمة ان لم احظى واتشرف بالشهادة .
وفي رحلة العلاج والطبابه ظل عباس يترقب اخبار المعركة من بعد لم تشغله حالته السيئة من المتابعة ولم ينطفأ شغفه في العودة الى افياء المعركة الشرسة رغم اصابته الخطرة، وظل الشوق يلفه للعودة لصفوف اخوته الاشاوس والامل يرفرف في صدره كطير مذبوح لا يقوى على الطيران رغبة في الالتحاق السريع لساحات الوغى.
لكن صبره فاض ولم يقوى على الانتظار اكثر بعدما وصله هاتف احد رفاق الحشد بان المعركة النهائية اوشكت على البدء وان الوقت قد حان للتطهير الأكمل لجرذان داعش ، عندها هامت روحه صوب الالتحاق المنشود .
وبالرغم من معارضة الجميع لالتحاقه بسبب عمق جراحه التي لم تندمل بعد واحتياجه الحاد للعلاج واستكمال الشفاء، الا ان نفسه الحمية وشجاعته الفذة جذبته بقوة نحو الهدف فالتحق من جديد يعاود بكل اقتدار واصرار وتصميم على اذاقة العدو شوطا جديدا جسورا من النزال لم يألفه من قبل.
قصة مستوحاة من سيرة الجريح المجاهد:
(عباس خزعل جبر)