ترتكز خطبة سماحة السيد على بعض المرتكزات الفكرية المهمة ، مثل القضية التضحوية عند الإمام الحسين "عليه السلام" ؛ لم تأت اعتباطية أو قسرية فرضتها نتيجة من نتائج الحرب ،بل هي قضية إصلاحية وأثر بالغ للحفاظ على دين جده النبي "صلى الله عليه وآله وسلم "، وهي دلالة على وجود إنحراف تاريخي ، وبهذا يجعلنا البحث أمام مرتكزين مهمين :
-الاول الإصلاح والإصلاح يدلنا على وجود انحراف خطير . استطاعت ثورة الحسين "عليه السلام " التركيز على تصحيح الانحراف وهو انحراف زيف لنا الوقائع ، ودلس الحقائق . سماحة السيد الصافي ينظر الى إن عمر التدليس قصير ، كون الزيف يدل على نفسه بأنه منحرف ، والقضية الاهم بان الاسلام أسس حضارة وثقافة وموضوع الدين موضوع عزة ـــ وكرامة بمعنى ان هذه السمات تحتاج الى قادة يحملون السيرة النبوية التضحوية ، وصاحب هذه القيادة يحمل انتماءاً حقيقياً وسلوكياً للدين ، وعندما لا يمتلك القادة هذا الجوهر سيعملون بالتدليس ليظهروا وكأنهم يمثلون الإنتماء الحقيقي لوراثة النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" . اعتنى الفكر الإنساني بقيم الثورة الحسينية وروحها ويقينها المتوج بنصرة العدل ، ولتأمل القيم الروحية نجد أهمية وجود الوعي ليرينا القراءة الصحيحة للثورة ، أحياناً تقع الأمة تحت تخدير السلطة ، وبالمقابل السلطة تحاول أن تصنع تاريخاً جديداً ليس له واقع ، وهذا التأريخ يخرج على الدين ، فيتكىء خطاب سماحة السيد الصافي على مفهوم فكري يرى إن للتأريخ جنبتان تاريخ واقعي ، أشخاص وأحداث واقعية وهناك ملاحظة ذكية ، الكثير من هذه الجنبة التأريخية لم تنقل لنا لأن النقل يضر بالناقل ، وهناك وقائع تاريخية ليس لها وجود أنما هي محض إفتراء ، ولخلق تاريخ مبتكر ، لابد أن يخلق أبطالاً جدد ويخلق أحداث مثيرة جديدة تحتاج الى جهد ومال وسلطان ولابد أن تكتب صحائف من التأريخ وأكذوبات يسطرها وينشرها الناس وكأنها حقيقية ، وهي الحق هذا الأمر شخصه سماحة السيد ( محنة ) ، محنة تبلى بها الأمم ، وهذه المحنة لاتحدث إلا حين يسرق تاريخ غيره ، ومن ليس له شرعية وجود يسرق شرعية غيره التأريخية ، بمعنى أن هناك دين يئن ، ويستباح ،وهذا التشخيص يكتسب أبعاد ودلالات معرفية ، أي بمعنى أن معاناة الحسين وأهل البيت "عليهم السلام" ، هي كثيرة وكثيرة جداً في إقناع الناس إن ما عندهم هو ليس دين الله ولا دين النبي "صلى الله عليه واله وسلم" وكانوا ينتسبون للنبي ، ويقولونه بأشياء لم يقلها ، حتى وصل الأمرأن يعتقد الناس إن الحسين رجل خارجي . والجنبة الثانية التي ذكرها الخطاب هو هذا الانحراف الخطير ، عبارة عن تاريخ غير واقعي .
-المرتكز الثاني في الخطبة هو المصلح، والإصلاح يحتاج الى مصلح ، والهدف الأول عند السلطة وأتباعها هو تشويه سمعة المصلح ، والثائر ـــ المصلح ـــ الحسين " عليه السلام" قدموه للناس بأنه رجل يطلب الملك ، وهذا يعني أن هناك ملك يؤمن به ناس ذلك المجتمع، وإن الملك الحق ليزيد والامام الحسين ينازعه على ملكه ،خطب الجمعة تعمل جاهدةعلى تصحيح بعض الأفكار السلبية ، مثلاً البعض الى اليوم يرى إن كتب الكوفة الخادعة كانت السبب في استنهاض الحسين "عليه السلام" ، وكأن عملية الثورة تابعة لظروف سياسية تحكمها الصدفة ؛ بينما ثورة الحسين رغم إنها انبثقت في عصر معين لكن قيمها وفحواها تشع على كل بقعة أرض يستشري بها الظلم والاضطهاد لابد للثوار في أي زمان استنهاض قيم الثورة الخالدة ؛ حكمة عرفها سماحة السيد في خطبته إن التأريخ لا يصنع العقيدة ، ولهذه القيم كان الحسين "عليه السلام" يخطب فيهم ، ليعرفهم من أجل أي شيء جاءوا ، الجواب ، أنت ابن قتّال العرب نقاتلك بغضاً بإبيك ، ولابد أن تنزل على حكم الأمير وكأن أمير المؤمنين قتل أهل الحق وليس لكونهم عتاة جناة وقفوا ضد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" ، سماحة السيد يدخل التأريخ ليسأل من هوالأمير ؟ ماهو تاريخ الأمير؟ ، السؤال الفاعل الذي يستحضرني اثناء القراءة :ـ لماذا سماحة السيد الصافي يركز على قضية توضيح رؤية الثورة والنهضة الحسينية ؟ هل يعني إن قضية عاشوراء بحاجة الى توضيح في الرؤية ، ام هناك قصور معين في الأهداف ؟ فنجد إن الرؤية واضحة والتوضيح يشمل تنوير الفكر المجتمعي وإبعاد البؤرالمدسوسة عنه لقد صرح يزيد بالهدف المنشود بقتل الحسين ( ليت اشياخي ببدر علموا /، فلا خبرجاء ولا وحي نزل) . دولة سخر وجودها لقتل سيد الشهداء بالمقابل هناك هدف ، عندما يسأله من الغالب ؟ يجيبهم السجاد ( اذا أذن المؤذن تعرف من الغالب) .
منهج مقابل منهج الأئمة "عليهم السلام" التربوي والفكري هو إحياء الأمر ــ تشخيص سماحة السيد الصافي- إن مع هذا الدور الخطير في الدس والخديعة وتثبيت لزائف كفكر ، ويظهر بعد أربعة عشر قرناً ، جيل يركز ذكر الحسين "عليه السلام" الحصيلة تقول إن هناك جهد كبير بذل من كل الطبقات الإجتماعية لإحياء مجالس الذكر ومجالس العزاء وجالس اللطم على الصدور كلها تعتبر إحياء حقيقي لقضية سيد الشهداء "عليه السلام" ، لتصل الى نتيجة وضحها الخطاب . إن الإمام الحسين يقرأ من أكثر من زاوية ، وتبقى الزاوية العاطفية وزاوية الدمعة هي الأرجح ، والائمة "عليهم السلام" مارسوا هذه القضية بهذا المعنى