تويت
لم يشهد التاريخ مذ كان نشاطًا نسويًّا رائدًا منقطع النظير كذاك الذي قادته سيدة بني هاشمٍ وعقيلة آل أبي طالب، تالية الزهراء والصدّيقة الصغرى زينب الحوراء بنت علي بن أبي طالبٍ عليهما السلام.
إن ذاك النشاط الإعلاميّ المتميّز، الذي قادت من خلاله مولاتنا زينب عليه السلام تلك الثورة الحسينية الممنهجة، كان يرتكز على أعمق وأمتن الركائز التي يمكن أن تقود من خلالها الكلمة الحرّة شعوبًا بأكملها، لا ثورةً واحدة فقط، فإن دور السيدة زينب، قد انطلق من رحاب بيت والدها سيد الوصيّين، الذي كانت تحتلّ ذروته الشامخة، ابنةً لسيدة النساء وإمام المتّقين عن جدارة، وأختًا للحسنين، وأمًّا لشابّين من خيرة بني هاشم، هما جعفر وعون ابني عبد الله بن جعفر، وزوجةً لبحر الجود، ابن عمّها عبد الله بن جعفر الطيار، ومرشدةً لنساء المسلمين تفقّههن وترشدهنّ إلى ما خفي عنهن من شؤون العقيدة والشريعة، التي سرت في أوردتها سريان الماء في عروق الشجر الريّان، فراحت تروي بها كل من يطلب ويستسقي ويسأل... ومربّيةً للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام بعد فقده لوالدته شاهزنان بنت يزدجرد بن كسرى وهي في نفاسها... وغير ذلك من الأدوار الفاعلة التي احتلّت من خلالها الحوراء عليها السلام دورًا رائدًا لم تحتلّه امرأةٌ قبلها، سوى أمها الزهراء عليها السلام، وقد ضربت السيدة زينب، من خلال دورها ذاك، مثالًا يحتذى لكلّ امرأةٍ مسلمة، وأكّدت بالدليل العمليّ والملموس دور المرأة الفاعل في الإسلام، حيث كانت الحافظة للإمامة، الناطقة باسم الإمام في كثير من الأحيان، خاصةً بعد عاشوراء، والصوت المدوّي في وجدان الإنسانية عبر القرون، والذي حمل صوت الحسين إلينا... فلولا زينب عليها السلام لما وصلتنا نهضة الحسين عليه السلام.
وها نحن في القرن الواحد والعشرين، وبعد مضيّ أربعة عشر قرنًا على هجرة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وبعثه بالرسالة المحمدية السمحاء، واستشهاد سبطه سيد الشهداء على أرض كربلاء بعدما جاهد في الله حقّ جهاده حتى أتاه اليقين... ولو لم يقيّض الله للنهضة الحسينية تلك المرأة الاستثنائية، التي حملت على عاتقها همّ إحياء الدين وإيقاظ النفوس وإحياء الأرواح، تمامًا كجدّها وأبيها وأمها وأخويها... لما أثمرت عاشوراء ثمارها، ولما ارتفع شعارها، ولما أنبتت أرض كربلاء شهيدًا في إثر شهيد، على مرّ الزمان وكرّ السنين...
ولقد انتهج أتباع أهل البيت ذاك النهج المبين، نهج مولاتهم زينب بنت أمير المؤمنين، وبرزت من نسائهم سيداتٌ سرن على خطّها واهتدين بنورها الساطع، فحملن لواء الإسلام المحمدي الأصيل ورفعن الغشاوة عن عيون المخدوعين والمخدوعات ليعرّفوهم على حقيقة هذا الدين الحنيف الكامل، وكان للعتبات المقدّسة لمراقد الأئمة الأطهار في إيران والعراق دورٌ رائدٌ في هذا المجال، حيث وضع مسؤولوها نصب أعينهم أن يحيوا دين الإسلام بإحياء ذكر آل محمدٍ قولًا وعملا...
وقد كان للعتبة العباسية المقدّسة في كربلاء المقدسة، لا سيّما بعد سقوط النظام البائد، دورٌ رائدٌ في حمل لواء العباس عليه السلام والوفاء لنهجه، نهج الإيثار والتضحية والفداء... وذلك عبر إنعاش النهضة الفكرية والثقافية والاجتماعيّة، في مجالاتٍ عديدة، منها إصدار المجلات وإحياء المؤتمرات الحسينية، ونشر الإصدارات الفكرية المختلفة التي تتمحور حول فكر أهل البيت عليهم السلام وثورة الحسين الشهيد... وكان للمرأة دورٌ فاعلٌ في هذا المجال، والشاهد في جملة الشواهد، تلك المجلات النسوية الصادرة عن العتبة العباسية، كمجلة رياض الزهراء، والمجلات الأخرى الصادرة عنها، كمجلة صدى الروضتين، والتي كان للأقلام النسوية الرائدة على صفحاتها بصمةٌ واضحة، مع الأقلام الأخرى، لا على صعيد العراق فحسب، بل هي استقطبت الأدباء والأديبات من شتى الدول الإسلامية أيضا...
ولعل هذا المقال الذي يترجم واقع الحال، والذي يخطّه قلمي المتواضع في فناء كفيل زينب عليهما السلام، منسكبًا من رحيق الزهور اللبنانية الجبلية، ليعبر حدود القلوب الموالية إلى أرض الرافدين، لهو الدليل البيّن على هذه النهضة الحسينية المباركة التي ترعاها العتبة العباسية المقدّسة، وتبذل في سبيل إحيائها بالكلمة الطيبة والفعل الحسن، كلّ جهدٍ مشكور السعي... ولعل ما ساهمتُ به في رحابها المبارك، عبر قلمي المنذور لعشق آل محمد، قصةً ومقالًا وبحثًا ، هو شاهدٌ آخر، ضمن شواهد لا تعدّ ولا تحصى على هذا الدور الذي لا يُنكر، والذي يهدف لنصرة آل محمد باليد والقلب واللسان، وللتمهيد لدولة صاحب العصر والزمان، عجل الله تعالى فرجه الشريف..لقد ساهمتُ في ندوة فاطمة بنت أسد (رض)، قبل حوالي خمسة أعوام، عبر قصةٍ بحثيّةٍ بعنوان، "رسالة بحبر القلب"، وفي مهرجان ربيع الشهادة بقصتين فازت أولاهما بجائزةٍ تقديرية، وهي قصة "حق الله"، قبل ثلاثة أعوام، والأخرى بالجائزة الأولى، وهي قصة "رسالة جدي"، العام الماضي، كما كتبت ولا أزال في مجلّتَي رياض الزهراء وصدى الروضتين، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، أكثر من سبعين مقالًا وقصةً قصيرة، أما مساهماتي في مدوّنة الكفيل، وهي موقع إلكترونيّ فكريّ رائد، يتبع لمعهد تراث الأنبياء، المنبثق من العتبة العباسية المقدّسة، فقد كانت عبر إقامة الورشات الأدبية الإلكترونية المتخصّصة في الفنون الأدبية لأعضاء المدوّنة، وقد فاقت ثلاثًا وعشرين ورشة... ولم تزل مستمرّة.
تعليق