تستمد الحروف العربية زخرفتها من تناسق الحروف، وقد اتخذ الخطاطون العرب في القرون الوسطى الحروف العربية ما يصلح لان يكون اساساً لزخرفتهم فوظفوا عناصر زخرفية جميلة من رؤوس الحروف وسيقانها ،
وجعلوا للحرف العربي اشكالاً متنوعة وبديعة سواء بشكلها الهندسي أو الزخرفي ، فكتبوا الحروف على اشكال دائرية وعلى او مربعة او مستطيلة او على اشكال الطيور والزهور، وساعدهم على ذلك طبيعة الحروف العربية وطريقة اتصالها ، وهم بذلك لم يلتزموا بما تفرضه عليهم قواعد الخط واصوله من ضروريات أو مستلزمات، فأخذوا يتلاعبون بتشكيلها الزخرفي ، فمرة يظهرونها متقاربة جداً أو مزدوجة وتارة متباعدة منسقة ومرتبة ترتيباً بديعاً. ومن المؤكد ان هذا ليس اغراقاً في الشكلانية بقدر ما هو اهتمام من الخطاط كي تأخذ كتابته شكلاً قد يكون خارجاً عن المألوف وبامة من الماضي ومحققاً جماليات اضافية . فاللوحات الحروفية تعتمد على كيفية صياغة المفردات الحروفية وفق الانشاء العام للوحة . والخيارات اللونية ( لون الحرف ولون الورقة ) والحسابات الدقيقة والموفقة في تكوين العلاقة بين الكتلة والفراغ وغير ذلك، مما يعكس في النهاية قدرات الخطاط الفنية ومؤهلاته الابداعية في تشكيل لوحة خطية تعبر عن الامكانات اللامحدودة التي يختزنها الحرف العربي في الاشكال الفنية الجمة لأنواع الخط العربي ، وتجديداً في جمال الجمالية والمرونة والانسابية ، وهذا يعطيها علاقات موسيقية متناغمة في تنظيم الحروف التي تشكل البنية الخطية الكلية في هيئة متميزة من خلال عمليات الاختيار الموفقة لخصوصية شكل معين لهذه الحروف دون سواها من الاشكال الخاصة بنفس الحروف، حيث تعددية اشكال الحرف الواحد عند خط كلمة معينة واداء حروفها برشاقة من جهة ، أو من خلال عمليات المد والفصل والوصل والتركيب والتشكيل والتأليف وغيرها من عمليات صقل وتهذيب التعبير الفني الشكلي في أداء الحرف العربي، فالحرف العربي تسمو فيه قيمة الشكل بقيمة المضمون ، فنحن لا يمكننا ان نفصل الشكل عن المضمون في الفكر الاسلامي ، بل ان هذه الثنائية غير قائمة اصلاً فيه ، اذ يكتسب الشكل في التكوين الفني قيمته المتعالية والمتناهية من تعالي وسمو المضامين البليغة والخالدة التي اتجه الحرف العربي الى اظهارها مع التجويد الفني السامي في التعبير البصري عنها، ولا شك ان ذلك تجسد بشكل ملحوظ ومميز عبر أداء خط الآيات القرآنية الكريمة والاحاديث الشريفة والحكم والأمثال الخالدة والمقولات السديدة وروائع الاعمال الأدبية، أي بمعنى ادق ان المسلم في تمتعه بالنظر الى هذه الآيات والأقوال وقراءتها يرى فيها جمالاً اضافياً هو جمال المضمون، فيشعر بسرور داخلي من خلال النظر الى هذه القطع الفنية بطريقة اعمق، وهو لا يفصل في داخله ابداً جمالية الشكل الفني عن جمالية المضمون الروحي. ومن جانب اخر نجد ان الحروف العربية المنقوشة على المساجد ان اصبح لها وظيفة رمزية، تؤكد قوة الاسلام وروحانيته، وكانت تلك الوظيفة الرمزية هي الجانب الاجتماعي للفن العربي، مؤكداً قدرته على اضفاء المسحة الفنية، الى جانب العطاء الروحي الذي يقدمه الاسلام لراحة النفوس والدعوة الى الروحانية الخالصة والطهر العفيف. ولذلك فقد حاول الفنان المسلم ان يؤكد دوره الفني الزخرفي في تقديم الحرف العربي تقديماً فنياً مبدعاً، يزاوج ما بين اصولية الحرف والقواعد المتوازنة وبين الاتجاه التجريدي في الفن فان خاصية التجريد التي تمتاز بها الحروف العربية في نظام الحرف العربي قد جعلت طبيعة التكوين الفني طبيعة تجريدية مثالية متسامية تتجاوز في معناها البعد الكتابي الوظيفي المحض لتنظم اليه بعداً جمالياً متنامياً تنامياً رؤيوياً وعقائدياً محكوماً بين محاولة الفنان العربي المسلم في انتاج تكوينات خطية متسامية الشكل بالمضمون وبين محاولته في السعي وراء الكمال المطلق في تمثيل العقيدة الاسلامية تمثلاً صوفياً نقياً .
من العتبة الحسينية المقدسة
كاتب : سامر قحطان القيسي