تتناول الدراسة التي بين ايدينا صورة الزهراء عليها السلام في نهج البلاغة وتجليات هذه الصورة التي ذكرها الامام علي عليه السلام في المعاجم اللغوية ، المختصة بالجوانب اللغوية ، الاّ ان تتبع معلوماتها واستشهاداتها يوصلنا الى معلومات غاية في الاهمية عن كثير من الجوانب التاريخية ومنها الشخصيات التي تنوعت هي الاخرى فكانت المعلومات التي ذكرت عن الزهراء عليها السلام هي مدار بحثنا ولكن بشرط تطابقها مع ما ذكره الامام عليه السلام في النهج.
فالموضوع هو اساسا" دراسة تجليات ما ذكره الامام علي عليه السلام بالكتاب المعروف بنهج البلاغة في المعاجم اللغوية أي اجراء مقارنة بين ما ذكره الامام عليه السلام بما رسم صورة للزهراء وبين ما اورده اصحاب المعاجم اللغوية بخصوص نفس اشارات الامام عليه السلام .
وقد وجدنا ان المعاجم اللغوية كثيرا" ما اخذت كلام الامام عليه السلام واتخذته اساسا" في بيان المعان اللغوية وما شابه ومن هذا الكلام ما خص الزهراء عليها السلام ، ولكن هذا لا يعني ذكرها من الامام عليه السلام بالنص او بالمعنى فقط ، انما نجدهم في احيان كثيرة يذكرون تفاصيل نستطيع ان نعدها توضيحية لكلام الامام عليه السلام ، ومفسرة له لكنها غير موجودة حتى في المصادر الاخرى.
وعلى العموم فقد عدت معلومات المعاجم مكملة وموثقة لكلام الامام عليه السلام بشأن الزهراء عليها السلام ، كما انها فتحت بابا" لدراسات اخرى مستقبلية في نفس الاتجاه وفي اتجاهات اخرى.
ان دراسة الزهراء في نهج البلاغة بكونها عكست الصورة الاسلامية الناصعة للمرأة يستدعي منا ان نشير الى المثال الذي ذكره الامام عليه السلام كجذر وامتداد في الوقت نفسه بنص صريح عن السيدة خديجة عليها السلام[١] زوجة الرسول صلى عليه واله وسلم التي أشار الأمام علي عليه السلام إلى سبقها في الإسلام ، وتمثيلها لذلك التطور في حياة المرأة ، وحياة المجتمع بشكل عام ، إذ قال عليه السلام في معرض كلامه عن علاقته بالرسول صلى الله عليه واله وسلم ( ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه واله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة )[٢] ومناسبة حديث الأمام علي عليه السلام هذه تتعلق بقربه من الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، وسبقه في الإسلام[٣]، أما ما يخص السيدة خديجة عليها السلام وهي موضع الشاهد في هذا المقام فيمكن أن ندرسها استنادا" على هذا الكلام بالنحو التالي [٤]:-
ومما مرّ يمكن الخروج بعدة علامات بارزة في مضمار الحديث عن المرحلة التطورية لحياة المرأة[٦]:-
ومن هنا يمكننا ان ندخل لموضوع الزهراء في نهج البلاغة اذ انها مثلت التطور الذي وصلت اليه النظرة الى المرأة بسبب ظهور الاسلام وان كان بيت النبوة يمثل الامتداد الطبيعي للاسلام منذ ابراهيم عليه السلام ، وقد صوّر الإمام علي عليه السلام ذلك حينما رد على كتاب معاوية قائلا" ( ومنّا خير نساء العالمين ، ومنكم حماّلة الحطب )[٧]وخير نساء العالمين هي فاطمة الزهراء عليها السلام[٨] أما حماّلة الحطب فهي أم جميل بنت حرب ، وزوجة أبي لهب[٩] ونستطيع القول أن هناك أمتدادين في هذا الإطار وكلاهما يناسب المطلب[١٠] :-
الامتداد الأول : هو امتداد الجاهلية الذي أساء إلى المرأة ، وقلّل من قيمتها مما نجم عنه ظهور أمثال لا يحتذى بها ، لعنها الله تعالى في قرأنه الكريم وقد مثلته حمالة الحطب .[١١]
الامتداد الثاني : هو الامتداد للغة الإسلام الذي جاء بالمبادئ التي رفعت من شأن المرأة وزادت من قيمتها فأنجبت نساء" خالدات يقف لهن التأريخ بكل إجلال وأكبار، وقد تسيدّت هذه النساء فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام .
وقد تجلى ما ذكره الامام علي عليه السلام عن لقب الزهراء هذا والذي هو اكثر من لقب سيما وانه عكس حالة وانتقالة عظمى تجلى في المعاجم اللغوية حتى وردت نفس اشارة الامام علي عليه السلام ولكن بصورة اكثر تعريفية ان صح التعبير فقد ذكر ان الزهراء عليها السلام هي سيدة نساء العالمين وأم أولاد الرسول صلى الله عليه واله وسلم وسلم عليها وعليهم [١٢].
وما جسد في هذا النص يوحي بامرين:
وقد عكس الامام علي عليه السلام الكثير من الصور الضمنية في حديثه عن الزهراء وهذه الصور شكلت مادة دسمة للبحث سيما بمقارنتها او ذكر تجلياتها في المعاجم اللغوية ، اذ ان الأمام علي عليه السلام قال وهو يناجي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في قبره حين وفاة الزهراء عليها السلام وكان متأثرا" عليها ( السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللحاق بك ! قّل يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، ورّق عنها تجلدّي ، الاّ أن في التأسي لي بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك موضع تعّز ، فلقد وسدتّك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك فأنا لله وأنّا أليه راجعون )[١٣].
وقد حمل هذا الكلام معان عدة يمكن دراستها كل على حدة وكما يأتي:
اولا" : قول الإمام عليه السلام( السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك )[١٤]
وبلا ادنى شك فأن هذا الكلام يثير الفضول في دراسة موضوع مهم وهو مكان قبر الزهراء عليها السلام سيما وان هناك عوامل تبرزه وتزيد اهميته اهمها:
وقد سارت المعاجم اللغوية بنفس الفلك الذي اشار اليه الامام علي عليه السلام حينما اكدوا على ما يشابه ذلك بنقلهم قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة " [١٥] وقد فسروا ذلك بأن قبر فاطمة عليها السلام بين قبره ومنبره ، وقبرها روضة من رياض الجنة ، ويحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة في المنبر والروضة بأن تكون حقيقتهما كذلك وإن لم يظهرا في الصورة بذلك في الدنيا ، لان الحقائق تظهر بالصور المختلفة .[١٦]
وربما نجد هناك اشارة اخرى اوردها الطريحي ايضا" تفيد بنفس الفهم السابق حينما اورد ان الامام الرضا عليه السلام قال( دفنت فاطمة في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد ).[١٧]
وهذا الكلام يعد ترجمة للكلام السابق عن موضع الجوار الذي اشار اليه الامام علي عليه السلام اذ ان الاشارتين معا" تتجهان صوب الدفن في المسجد الشريف.
ثانيا" : قوله عليه السلام( والسريعة اللحاق بك ! ).[١٨]
وهذا الجانب هو جانب زماني بمعاكسة الجانب السابق ونقصد المكاني ، فكلام الامام عليه السلام هنا تنطبق عليه الاوصاف السابقة التي اضفت عليه مزيدا" من الاهمية كما اسلفنا ، فضلا" عن كونه حدد بشكل عام زمن وفاة الزهراء عليها السلام فالاشارة صريحة الى سرعة استشهادها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم وهو الامر الذي اجابت عليه المصادر الاخرى ومنها المعاجم اللغوية التي تجلى فيها هذا الامر مثلما ظهر في نهج البلاغة ، اذ ورد في هذه المعاجم ان الزهراء عليها السلام توفيت ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما ، وعاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوما .[١٩]
وهذه الاشارة مركبة فهي قد رجحت الرأي القائل بأن الزهراء لم تبقى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم سوى شهرين ونصف ، كما انها حددت عمرها الشريف انذاك ، بحيث مثل هذا الامر ترجمة لما ورد في نهج البلاغة على لسان الامام علي عليه السلام.
واوردت المعاجم اللغوية ايضا" ما يؤكد ذلك وعلى لسان الامام عليه السلام نفسه حينما قالت انه عليه السلام قال عند فقد فاطمة عليها السلام ( "وسرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو" أي ما أسرع ما فرق بيننا بعد الاجتماع) .[٢٠]وكلمة (سرعان) في هذا المقام توحي ايضا" بما اشار اليه الامام علي عليه السلام بكلامه السابق في النهج بل هي من نفس الجنس .
ولعل ما اوردته المعاجم اللغوية عن سر الزهراء عليها السلام الذي باحت به بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم يزيد من الصورة وضوحا" ، ونقصد اخبارها بأن الرسول صلى الله عليه واله وسلم قد اسر اليها انها ستلحق به ، وان كان الذكر بصورة اجمالية الاّ انه دال سيما بعد المقارنة مع المصادر الاخرى فقد اشارت المعاجم اللغوية انه في حديث فاطمة عليها السلام عند وفاة النبي صلى الله عليه واله وسلم - قالت لعائشة : " إني إذا لبذرة " وبذر من يفشي السر ويظهر ما يسمعه.[٢١] وهنا اشارة الى ما ذكرته المصادر من ان الزهراء عليها السلام اخبرت عائشة بسر لحوقها بالرسول صلى الله عليه واله وسلم كما اخبرها .
ثالثا : قوله عليه السلام ( قّل يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، ورّق عنها تجلدّي).[٢٢]
وكلام الامام عليه السلام هذا يتكون من جزءين :
الجزء الاول : يمثل العلاقة بين الرسول صلى الله عليه واله وسلم والزهراء عليها السلام وهذا هو ترجمة لقوله عليه السلام(صفيتك).
الجزء الثاني : يمثل مدى الالم والتأثر والحزن بفقد الزهراء عليها السلام ونقصد الم الامام عليه السلام.
وقد اوردت المعاجم ما يؤكد ويترجم ويجسد الجزء الاول من هذا الكلام وبمرات عديدة عن اقوال وافعال الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، ولعل ابرزها قوله في حقها عليها السلام (فاطمة بضعة مني ، ينصبني ما أنصبها أي يتعبني ما أتعبها . والنصب : التعب).[٢٣] وقد ورد هذا الكلام في المعاجم اللغوية بكلمات مختلفة بعض الاحيان ولكنها تحمل نفس الدلالة.[٢٤]
اما ما يتعلق بالجزء الثاني من هذا لكلام فلا يقل اهتماما" من اصحاب المعاجم وبصور شتى تجلى فيها مفهوم ومنطق الامام علي عليه السلام في كلامه السابق ، ومن ابرز مااوردوه في هذا الاطار قول الامام عليه السلام بعد وفاة فاطمة عليها السلام (" كمد متيح وهم مهيج " الكمد : الحزن المكتوم ، والمتيح : المعترض ، من قولهم " فرس متيح " إذا اعترض في مشيته نشاطا ) .[٢٥] وهذا التعبير البليغ يفصح عن ذلك الحزن الدفين الذي يصطدم بطبيعة دور الامام عليه السلام القدوة الذي اصيب بفقيد مثل الزهراء عليها السلام.
وايضا" نقلوا قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام في هذا الاطار (" أوصيك بريحانتي خيرا قبل أن ينهد ركناك " . فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا أحد الركنين . فلما ماتت فاطمة قال : هذا الركن الآخر . وأراد بريحانتيه الحسن والحسين رضي الله عنهما ).[٢٦]
فالموضوع هو اساسا" دراسة تجليات ما ذكره الامام علي عليه السلام بالكتاب المعروف بنهج البلاغة في المعاجم اللغوية أي اجراء مقارنة بين ما ذكره الامام عليه السلام بما رسم صورة للزهراء وبين ما اورده اصحاب المعاجم اللغوية بخصوص نفس اشارات الامام عليه السلام .
وقد وجدنا ان المعاجم اللغوية كثيرا" ما اخذت كلام الامام عليه السلام واتخذته اساسا" في بيان المعان اللغوية وما شابه ومن هذا الكلام ما خص الزهراء عليها السلام ، ولكن هذا لا يعني ذكرها من الامام عليه السلام بالنص او بالمعنى فقط ، انما نجدهم في احيان كثيرة يذكرون تفاصيل نستطيع ان نعدها توضيحية لكلام الامام عليه السلام ، ومفسرة له لكنها غير موجودة حتى في المصادر الاخرى.
وعلى العموم فقد عدت معلومات المعاجم مكملة وموثقة لكلام الامام عليه السلام بشأن الزهراء عليها السلام ، كما انها فتحت بابا" لدراسات اخرى مستقبلية في نفس الاتجاه وفي اتجاهات اخرى.
ان دراسة الزهراء في نهج البلاغة بكونها عكست الصورة الاسلامية الناصعة للمرأة يستدعي منا ان نشير الى المثال الذي ذكره الامام عليه السلام كجذر وامتداد في الوقت نفسه بنص صريح عن السيدة خديجة عليها السلام[١] زوجة الرسول صلى عليه واله وسلم التي أشار الأمام علي عليه السلام إلى سبقها في الإسلام ، وتمثيلها لذلك التطور في حياة المرأة ، وحياة المجتمع بشكل عام ، إذ قال عليه السلام في معرض كلامه عن علاقته بالرسول صلى الله عليه واله وسلم ( ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه واله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة )[٢] ومناسبة حديث الأمام علي عليه السلام هذه تتعلق بقربه من الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، وسبقه في الإسلام[٣]، أما ما يخص السيدة خديجة عليها السلام وهي موضع الشاهد في هذا المقام فيمكن أن ندرسها استنادا" على هذا الكلام بالنحو التالي [٤]:-
- أن السيدة خديجة عليها السلام أول من أطلع على نبوة الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، وأول من أمن به وصدقه .
- أنها كانت صاحبة أول بيت في الإسلام قام على أساس الأيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى .
- يجب أن نضيف لما سبق أن السيدة خديجة عليها السلام لم تقتصر على إسلامها فقط ، وانما ساهمت مساهمة فاعلة في الدعوة بتبرعها بأموالها في سبيل نشرها[٥] .
ومما مرّ يمكن الخروج بعدة علامات بارزة في مضمار الحديث عن المرحلة التطورية لحياة المرأة[٦]:-
- أن المرأة التي كانت مظلومة ومقهورة في العصور السابقة ، هي التي احتضنت الدعوة لعبادة الإله الواحد ، ونبذ الشرك في وقت وقف أغلب الرجال ضدّها .
- ضحّت المرأة بأموالها ، وتحملت المصاعب في سبيل الحفاظ على بيضة الإسلام ، بينما نجد أن أحد أسباب محاربة قريش للرسول صلى الله عليه واله وسلم هو الخوف على أموالهم ومكاسبهم الاقتصادية .
- شاركت المرأة الرجل في تثبيت أركان الإسلام ، وعملا معا" على تكوين العائلة الإسلامية لتكون البذرة الأولى للمجتمع الإسلامي .
- حفظ الإسلام للمرأة هذا الدور الفاعل في حفظ كيان الإسلام الناشئ ، مقيمّا" بذلك مشاركتها على أن لا فرق بينها وبين الرجل في ظل المبادئ الإسلامية السمحة .
ومن هنا يمكننا ان ندخل لموضوع الزهراء في نهج البلاغة اذ انها مثلت التطور الذي وصلت اليه النظرة الى المرأة بسبب ظهور الاسلام وان كان بيت النبوة يمثل الامتداد الطبيعي للاسلام منذ ابراهيم عليه السلام ، وقد صوّر الإمام علي عليه السلام ذلك حينما رد على كتاب معاوية قائلا" ( ومنّا خير نساء العالمين ، ومنكم حماّلة الحطب )[٧]وخير نساء العالمين هي فاطمة الزهراء عليها السلام[٨] أما حماّلة الحطب فهي أم جميل بنت حرب ، وزوجة أبي لهب[٩] ونستطيع القول أن هناك أمتدادين في هذا الإطار وكلاهما يناسب المطلب[١٠] :-
الامتداد الأول : هو امتداد الجاهلية الذي أساء إلى المرأة ، وقلّل من قيمتها مما نجم عنه ظهور أمثال لا يحتذى بها ، لعنها الله تعالى في قرأنه الكريم وقد مثلته حمالة الحطب .[١١]
الامتداد الثاني : هو الامتداد للغة الإسلام الذي جاء بالمبادئ التي رفعت من شأن المرأة وزادت من قيمتها فأنجبت نساء" خالدات يقف لهن التأريخ بكل إجلال وأكبار، وقد تسيدّت هذه النساء فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام .
وقد تجلى ما ذكره الامام علي عليه السلام عن لقب الزهراء هذا والذي هو اكثر من لقب سيما وانه عكس حالة وانتقالة عظمى تجلى في المعاجم اللغوية حتى وردت نفس اشارة الامام علي عليه السلام ولكن بصورة اكثر تعريفية ان صح التعبير فقد ذكر ان الزهراء عليها السلام هي سيدة نساء العالمين وأم أولاد الرسول صلى الله عليه واله وسلم وسلم عليها وعليهم [١٢].
وما جسد في هذا النص يوحي بامرين:
- ان لقب سيدة نساء العالمين لم يرد بمصدر معين كأن يكون موالي فحسب انما هو لقب اختص بالزهراء عليها السلام وشاع ذكره.
- كأن النص الذي ورد في المعاجم اللغوية الهدف منه الاشارة الى ان هذا اللقب هو بسبب امور جزء منها ان الزهراء مختصة بولادة الحسن والحسين عليهم السلام وهم ابناء الرسول صلى الله عليه واله وسلم.
وقد عكس الامام علي عليه السلام الكثير من الصور الضمنية في حديثه عن الزهراء وهذه الصور شكلت مادة دسمة للبحث سيما بمقارنتها او ذكر تجلياتها في المعاجم اللغوية ، اذ ان الأمام علي عليه السلام قال وهو يناجي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في قبره حين وفاة الزهراء عليها السلام وكان متأثرا" عليها ( السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللحاق بك ! قّل يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، ورّق عنها تجلدّي ، الاّ أن في التأسي لي بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك موضع تعّز ، فلقد وسدتّك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك فأنا لله وأنّا أليه راجعون )[١٣].
وقد حمل هذا الكلام معان عدة يمكن دراستها كل على حدة وكما يأتي:
اولا" : قول الإمام عليه السلام( السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك )[١٤]
وبلا ادنى شك فأن هذا الكلام يثير الفضول في دراسة موضوع مهم وهو مكان قبر الزهراء عليها السلام سيما وان هناك عوامل تبرزه وتزيد اهميته اهمها:
- انه صادر من الإمام علي عليه السلام وهو من تولى دفن الزهراء عليها السلام والاعلم بموضع القبر الشريف.
- ان في هذا الكلام تحديد يعكس اهميته وهو ان الزهراء عليها السلام بجوار الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، سواء كان الجوار المباشر او القريب بحسب مفهوم الجوار العام.
وقد سارت المعاجم اللغوية بنفس الفلك الذي اشار اليه الامام علي عليه السلام حينما اكدوا على ما يشابه ذلك بنقلهم قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة " [١٥] وقد فسروا ذلك بأن قبر فاطمة عليها السلام بين قبره ومنبره ، وقبرها روضة من رياض الجنة ، ويحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة في المنبر والروضة بأن تكون حقيقتهما كذلك وإن لم يظهرا في الصورة بذلك في الدنيا ، لان الحقائق تظهر بالصور المختلفة .[١٦]
وربما نجد هناك اشارة اخرى اوردها الطريحي ايضا" تفيد بنفس الفهم السابق حينما اورد ان الامام الرضا عليه السلام قال( دفنت فاطمة في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد ).[١٧]
وهذا الكلام يعد ترجمة للكلام السابق عن موضع الجوار الذي اشار اليه الامام علي عليه السلام اذ ان الاشارتين معا" تتجهان صوب الدفن في المسجد الشريف.
ثانيا" : قوله عليه السلام( والسريعة اللحاق بك ! ).[١٨]
وهذا الجانب هو جانب زماني بمعاكسة الجانب السابق ونقصد المكاني ، فكلام الامام عليه السلام هنا تنطبق عليه الاوصاف السابقة التي اضفت عليه مزيدا" من الاهمية كما اسلفنا ، فضلا" عن كونه حدد بشكل عام زمن وفاة الزهراء عليها السلام فالاشارة صريحة الى سرعة استشهادها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم وهو الامر الذي اجابت عليه المصادر الاخرى ومنها المعاجم اللغوية التي تجلى فيها هذا الامر مثلما ظهر في نهج البلاغة ، اذ ورد في هذه المعاجم ان الزهراء عليها السلام توفيت ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما ، وعاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوما .[١٩]
وهذه الاشارة مركبة فهي قد رجحت الرأي القائل بأن الزهراء لم تبقى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم سوى شهرين ونصف ، كما انها حددت عمرها الشريف انذاك ، بحيث مثل هذا الامر ترجمة لما ورد في نهج البلاغة على لسان الامام علي عليه السلام.
واوردت المعاجم اللغوية ايضا" ما يؤكد ذلك وعلى لسان الامام عليه السلام نفسه حينما قالت انه عليه السلام قال عند فقد فاطمة عليها السلام ( "وسرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو" أي ما أسرع ما فرق بيننا بعد الاجتماع) .[٢٠]وكلمة (سرعان) في هذا المقام توحي ايضا" بما اشار اليه الامام علي عليه السلام بكلامه السابق في النهج بل هي من نفس الجنس .
ولعل ما اوردته المعاجم اللغوية عن سر الزهراء عليها السلام الذي باحت به بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم يزيد من الصورة وضوحا" ، ونقصد اخبارها بأن الرسول صلى الله عليه واله وسلم قد اسر اليها انها ستلحق به ، وان كان الذكر بصورة اجمالية الاّ انه دال سيما بعد المقارنة مع المصادر الاخرى فقد اشارت المعاجم اللغوية انه في حديث فاطمة عليها السلام عند وفاة النبي صلى الله عليه واله وسلم - قالت لعائشة : " إني إذا لبذرة " وبذر من يفشي السر ويظهر ما يسمعه.[٢١] وهنا اشارة الى ما ذكرته المصادر من ان الزهراء عليها السلام اخبرت عائشة بسر لحوقها بالرسول صلى الله عليه واله وسلم كما اخبرها .
ثالثا : قوله عليه السلام ( قّل يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، ورّق عنها تجلدّي).[٢٢]
وكلام الامام عليه السلام هذا يتكون من جزءين :
الجزء الاول : يمثل العلاقة بين الرسول صلى الله عليه واله وسلم والزهراء عليها السلام وهذا هو ترجمة لقوله عليه السلام(صفيتك).
الجزء الثاني : يمثل مدى الالم والتأثر والحزن بفقد الزهراء عليها السلام ونقصد الم الامام عليه السلام.
وقد اوردت المعاجم ما يؤكد ويترجم ويجسد الجزء الاول من هذا الكلام وبمرات عديدة عن اقوال وافعال الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، ولعل ابرزها قوله في حقها عليها السلام (فاطمة بضعة مني ، ينصبني ما أنصبها أي يتعبني ما أتعبها . والنصب : التعب).[٢٣] وقد ورد هذا الكلام في المعاجم اللغوية بكلمات مختلفة بعض الاحيان ولكنها تحمل نفس الدلالة.[٢٤]
اما ما يتعلق بالجزء الثاني من هذا لكلام فلا يقل اهتماما" من اصحاب المعاجم وبصور شتى تجلى فيها مفهوم ومنطق الامام علي عليه السلام في كلامه السابق ، ومن ابرز مااوردوه في هذا الاطار قول الامام عليه السلام بعد وفاة فاطمة عليها السلام (" كمد متيح وهم مهيج " الكمد : الحزن المكتوم ، والمتيح : المعترض ، من قولهم " فرس متيح " إذا اعترض في مشيته نشاطا ) .[٢٥] وهذا التعبير البليغ يفصح عن ذلك الحزن الدفين الذي يصطدم بطبيعة دور الامام عليه السلام القدوة الذي اصيب بفقيد مثل الزهراء عليها السلام.
وايضا" نقلوا قول الرسول صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام في هذا الاطار (" أوصيك بريحانتي خيرا قبل أن ينهد ركناك " . فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا أحد الركنين . فلما ماتت فاطمة قال : هذا الركن الآخر . وأراد بريحانتيه الحسن والحسين رضي الله عنهما ).[٢٦]
تعليق