اللهم صل على محمد وآل محمد
ومن وصايا المولى حسين قلي الهمداني (رضوان الله تعالى عليه):
لا ينبغي أن يخفى على الأخوة في الدين أنْ لا سبيل إلى قرب حضرة ملك الملوك جلّ جلاله إلّا بالالتزام بالشرع الشريف في جميع الحركات والسكنات، وكل ما يصدر عن اللسان من كلام، وعن العين من لحظات وغير ذلك...
من هنا يجب أن يُقدّم ما ورد في الشرع الشريف ويهتم بما اهتمّ به.
وما استفدتُه أنا الضعيف من البراهين العقلية والنصوص الشريفة أنّ أهمّ الأمور لطالب القرب من الله الجدّ والاجتهاد والسعي -بصورة كاملة- في ترك المعصية
فما لم تقم بهذه الخدمة، فلن ينفع قلبك لا ذكرك ولا تفكرك...
فافهم ما ذكرتُ أنّ طلبك المحبّة الإلهية مع كونك مرتكباً للمعصية أمرٌ فاسدٌ جداً، وكيف يخفى عليك كون المعصية سبباً للنفرة وكون النفرة لا تجتمع أبداً مع المحبة؟!
فإذا تحقّق عندك أنّ ترك المعصية أوّل الدين وآخره وظاهره وباطنه، فبادر إلى المجاهدة واعمد بتمام الجدّ إلى المراقبة من أوّل قيامك من نومك في جميع أوقاتك إلى نومك
والزَمْ الأدب في مقدّس حضرته، واعلمْ أنّك بجميع أجزاء وجودك ذرّة ذرّة أسيرُ قدرته، وراعِ حُرمة شريف حضوره، واعبده "كأنّك تراه فإنْ لم تكن تراه فإنّه يراك"
والتفت دائماً إلى عظمته وحقارتك، ورفعته ودناءتك، وعزته وذلتك، وغناه وحاجتك.
ولا تغفل شناعة غفلتك عنه جلّ جلاله مع التفاته إليك دائماً، وقُمْ بين يديه مقام العبد الذليل الضعيف وتبصبص تحت قدميه بصبصة الكلب النحيف.
أولا يكفيك شرفاً وفخراً أنّه أذن لك في ذكر اسمه العظيم بلسانك الملوّث الذي نَجَسَتْهُ قاذورات المعاصي؟!
فيا أيها الأخ العزيز، لقد جعل هذا الكريم الرحيم لسانك خزانةً لجبل النور، أعني ذكر اسمه الشريف، فلا تلوثها دون أدنى حياءٍ وخجل -وهي خزانة السلطان- بنجاسات الغيبة والكذب والقول البذيء والمؤذي وغيرها من المعاصي
فخزانة السلطان يجب أن تعبق بأريج العطور وماء الورد لا أن تكون مليئة بالقذارات.
ومما لا شكّ فيه أنّك إنْ لم تدقق في المراقبة فلن تقدر أن تعرف ما ترتكبه بجوارحك السبع -الأذن واللسان والعين واليد والرجل والبطن والفرج- من المعاصي، وما توقده على نفسك بها من النيران، وما تجلبه بها على دينك من الفساد، وما تورده على قلبك من جروح منكرة بسيف اللسان ورمحه، فما أسعد حظّك إنْ لم تقتله (القلب) بها!
ولو أردتُ توضيح هذه المفاسد لما وسعها كتابٌ كامل، فما الذي أستطيعُ بيانه في ورقة واحدة؟!
وأنتَ الذي لم تُطهّر جوارحك من المعاصي كيف تتوقع أن أكتب لك شيئاً من أحوال القلب؟!
إذن، فالبدار البدار إلى التوبة الصادقة ثم العَجَل العَجَل في الجدّ والمراقبة.
--------------------------------------
المصدر: كتاب "تذكرة المتّقين" في السير والسلوك إلى الله تعالى
تعليق